! "الجزائر: الشعب يريد إسقاط.. “المعارضة

0
1967

د. رشيد زياني شريف
raialyoum.com 04/02/2017

رغم غرابة مثل هذا العنوان-الشعار، إلا أنه يبدو أقرب إلى الحقيقة في ضوء ما شهده البلاد على مدى الربع القرن الماضي. لو تمت انتخابات نزيهة وشفافة حاليا، بالأمس وغد، لفاز مرشحو السلطة دون حاجة إلى التزوير، وهذا ينطبق على كل الانتخابات، المحلية والتشريعية، طيلة 20 سنة الماضية، والسبب جد بسيط، لقد انتزع النظام القائم نوعا من الشرعية من خلال إستراتيجية محبوكة سمحت له بالاطمئنان على مصيره الانتخابي واكتساحه الصناديق الشفافة بكل ثقة، دون الحاجة إلى تدخل أي جهة، سواء الإدارة أو العدالة أو الأمن لترجيح كفته، لأنه رجح بنفسه هذه الكفة، بدهاء رجاله وغفلة النخب السياسية حينا وطمعها في كثير من الأحيان.

يُلاحَظ في الآونة الأخيرة مشهد بائس قديم متجدد، ألفناه، وسئمناه لدى اقتراب كل موعد انتخابي. من جهة ـ أحزاب بكل أطيافها، لا تزال تسمي نفسها معارضة، تزعم تجسيد البديل عن النظام القائم، بعد غفوة خمس سنين، تحاول من جديد، تبرير مشاركتها في الوليمة الانتخابية المقبلة، وحجتها “أن هذه المشاركة تشكل قمة الحنكة السياسية والواقعية، والتحلي بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقها، وأن هذه المشاركة هي رسالة رغم ما يعتري العملية من صعاب ومكائد، ومخاوف التزوير، وأن الواجب الوطني الرسالي هو الذي يفرض عليها هذا الموقف الشائك الحرج، بدل الركون إلى سياسة الكرسي الفارغ، من أجل الضغط الفعلي الميداني لفرض التغيير والإصلاح والانتقال الديمقراطية”! هذا الخطاب رددته منذ تبوئها المناصب داخل مؤسسات ووزارات السلطة، وهو نفس الخطاب الذي قدمته بمناسبة كل الانتخابات السالفة، وبعد أن كشفت الصناديق حجمها الحقيقي، أي لا شيء، وانهزامها السحيق، راحت تكيل التهم للسلطة بالتزوير، والمفارقة، إن صح تسميتها كذلك، أنها في كل مرة تستخرج نفس الورقة لذات الخطاب وذات التبرير وذات العقلية لتنتهي باتهام السلطة بالتزوير، ثم تعاود الكرة والمشاركة، ليسأل المرء لماذا إذن تشارك في كل مرة، ثم تتهم في ما بعد؟

الواقع يخبرنا بغير ذلك، وشواهده تؤكد أن أحزاب “المعارضة” لم تسقط بسبب التزوير، وهذه الأحزاب تعلم في قرار نفسها أن زعمها باطل، والسلطة تعرف ذلك (ولها الأرقام الحقيقية التي تبث ذلك) والشعب يعرف ذلك. سبب سقوط هذه الأحزاب يعود في الحقيقة لسقوطها في حساب وأعين واعتبار الشعب، نتيجة خياراتها وممارستها وخيانتها ثقة المواطن الذي صدقها يوما، فكان سقوطها نتيجة طبيعية سننية منطقية، إلى درجة لم يعد أحد يشك اليوم أن المواطن أصبح يمقت هذه الأحزاب “المعارضة” أكثر من مقته السلطة القائمة على فسادها واستبدادها، ولسان حاله وواقعه يقول…لتسقط هذه المعارضة وتريحنا من زيف شعاراتها وخطاباتها.

من جهة أخرى، أصبح الأمر عبثيا، أن نسمع في كل مرة أصوات تطالب هذه الأحزاب بضرورة مقاطعة لانتخابات، وكأنهم لا يزالون يعلقون عليها الأمل ويثقون في جدوى وجودها من أصله للتغيير والإصلاح، متجاهلين مسارها غير المشرف منذ انغماسها في بوتقة السلطة ودوابها في آلياتها التي لا ولن تستطع الانفكاك عنها، مثلما أثبته مواقفها العديدة.

أصبح جليا أن هذه المعارضة تعارض في الواقع المعارضة الحقيقية المقصاة من قبل السلطة، ومن هذا المنطلق فهي  تخشى صوت الشعب وقراره أكثر من خشية السلطة للشعب، من الجدير التذكير أن المرة الأولى والوحيدة التي توجهت فيه هذه الأحزاب المعارضة إلى الشعب كان خلال الفسحة التعددية الوجيزة، بين 89 و91، ولما أيقنت حكم وكلمة الشعب فيها، أدارت له ظهرها وخذلته بل وتأمرت عليه، واختارت معسكر السلطة الذي يضمن لها الكراسي، ويحميها من حكم الشعب. هذه الأحزاب (المشكلة للتعددية الشكلية الحالية) سواء التي تصنف ضمن الطيف الإسلامي أو اليساري أو الديمقراطي، لم تظفر يوما (بعد نظام الحزب الواحد) بمقاعد في البرلمان ووزارات في الحكومة إلا بعد مشاركتها السلطة في انقلابها على الشرعية الشعبية ذات يناير 92، وليس غريبا أن جل هذه الأحزاب لا تعتبر ما جرى انقلابا، مثلما توضحه تصريحاتها وخطاباتها المنددة بالانقلابات منذ 62، لتقفز فجأة على انقلاب يناير 92! تصرفات هذه الأحزاب يفسره إدراكها التام أن بانهيار السلطة الحالية تنتهي مقاعدها بل وتبدأ محاكمتها من قبل الشعب على مشاركتها في جرائم السلطة وفسادها، مما يفسر إصرارها على استمرار الوضع الحالي وعدم عودة السيادة للشعب. وانسجاما مع موقفها من الشعب الجزائري وخذلانه في سعيه إلى استعادة سيادته وكلمته، كانت هذه الأحزاب من أشرس المنتقدين لهبة الشعوب في انتفاضاتها ضد الاستبداد أثناء الربيع العربي بحجة الخوف من الفتنة بل واتهام المنتفضين بالعمالة لليد الخارجية وتخوينهم.

أما سبب عدم حاجة السلطة لتزوير نتائج الصناديق، يعود لنجاح النظام في تفتيت النسيج المشكل للشعب الجزائري، وتشطيره بحكم الواقع إلا فئات، منها أ) فئة يائسة من كل احتمال إحداث تغيير حقيقي، وعدم إيمانها بأي عملية ديمقراطية بعد ما رأته منذ 91 وما تبعه، فآثرت الابتعاد أو “الاستقالة” عن الشأن السياسي، بل والاجتماعي والثقافي وكل ما له صلة بالشأن العام، وهذه الفئة لا تصوت لا للسلطة ولا للأحزاب ولا ضد هذه أو ذاك. ب) وفئة تصوّت على أمل إحداث “معجزة” لكنها تفضل منح صوتها لنظام فاسد تعرفه، بدل من منح صوتها لأحزاب كذبت عليها وأكلت على حسابها وصدت كل منافذ تغيير حقيقي بطرق يشتم منها النفاق والمصلحة، ففقدت ثقتها في من باع ضميره والقليل من المصداقية التي كان محل أنظار المواطن. ج) وفئة مرتبطة مصالحها بالسلطة وتريد استمرارها لاستمرار مصالحها. في الواقع ينكننا المجازفة والقول لو قُدِر هذه المرة أن تزور السلطة، فلن تفعل ذلك لصالح مرشحيها وإنما لصلح “منافسيها” حتى لا تبدو سلطة شمولية، وتحافظ على قدر من التعددية الشكلية، وهي تدرك أنها لو تركت للصناديق أن تقرر، فستخرج كافة “المعارضين” من المسابقة بكل نزاهة.

عضو المجلس الوطني لحركة رشاد الجزائرية

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici