العلاقة المـُغَيَّبة بين الطالب وأستاذه في الجامعة الجزائرية

2
2326
بومدين جلالي
https://photographics3000.blogspot.com/2017/06/blog-post_181.html·

JEUDI 15 JUIN 2017
 
قديما؛ كان يقال: كيف أعلمه وأنا لا أحبه؟ وكيف يتعلم مني وهو لا يحبني؟ … والآن، في هذا الزمن المتردي؛ لقد تجاوزنا عملية المحبة بين طرفي العملية التعليمية وأصبحنا نقول: كيف أعلمه وأنا لا أعرفه أصلا؟ وكيف يتعلم مني وهو لا يعرفني أصلا؟… مع أننا صباح مساء نتبادل النظرات العابرة، في لحظات عابرة تملؤها المخاوف والشكوك، والانغلاق على النفس، والرغبة في مغادرة المكان في أسرع وقت ممكن…
لقد أصبح الأستاذ غريبا بين طلبته، وأصبح الطالب غريبا بين أساتذته، ولم يبق من العلاقة بين الركنين الأساسيين في الجامعة إلا أمران دائمان : أولهما، هو اللقاء البارد في أحضان المدرج أو قاعة ما من القاعات، أين يكون الأستاذ يملي ملقنا – ضاربا عرض الحائط ما قاله ابن خلدون وجميع الذين تناولوا التربية بعده – والطالب يسجل بعض هذا التلقين تائها دونما إحساس ولا اهتمام.. وثانيهما، هو اللقاء الحاقد في سعير المجلس التأديبي أين يتحول طرفا العملية التعليمية إلى متهم وضحية – مع الإشارة إلى أنه غالبا، إن لم أقل دائما، يكون الطالب هو المتهم والأستاذ هو الضحية بحق وبغير حق-.
هذا الجو الخالي من العلاقات الإنسانية الدافئة التي تدفع إلى مزج المادي بالروحي وتساهم في البناء الصحيح للحياة جعل الكثير من الناس – من الحرم الجامعي ومن خارجه – يتساءلون في حيرة ومرارة عن أسرار وجود هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد المفهوم التأسيسي للجامعة والمجتمع على حد سواء، كما يتساءلون عن إمكانية معالجتها بغية القضاء عليها نهائيا أو على الأقل تحجيمها إلى الدرجة التي تساعد عليها الظروف الراهنة والإمكانات المتوفرة.
وابتغاء تمنهج هذه المقاربة بعض الشيء؛ سأواصل التناول وفق الأسئلة الموالية : –
أ- ما منظور الإنسان العربي عموما، والجزائري خصوصا، إلى العلاقات الإنسانية في مختلف نشاطات الحياة ؟
ب- ما مفهوم هذا الإنسان للعلاقات الإنسانية بين المعلم والمتعلم ؟
جـ- ما أهم صور هذه العلاقات الإنسانية في الحرم الجامعي ؟
د- ما مختلف العوامل التي تقف وراء ما هي عليه من تدهور ؟
هـ- كيف يمكن القضاء على هذه العوامل أو الحد منها على أقل تقدير ؟
ففيما يخص السؤال – ألف- الناص على منظور الإنسان العربي عموما والجزائري خصوصا إلى العلاقات الإنسانية في مختلف نشاطات الحياة نذهب معاً إلى بعض المحطات من تاريخنا الكبير لنتأمل الوقفات التالية :
1- التراثيات تنقل لنا أن العربي الجاهلي في باديته كان إذا التقى بشخص، فمن أول ما يخاطبه به: « …يا أخ العرب… » ثم تطور هذا الأسلوب حتى أصبحت عبارة: « يا أخي » أو « يا أختي » مستهلكة بشكل واسع في كل المجتمعات العربية، وتقال للقريب والبعيد على حد سواء، وقد استثمرت حتى في بعض الأعمال الإبداعية الكبرى مثل « ألف ليلة وليلة » التي أحدثت إشكالا شديدا للمترجمين الغربيين الذين راحوا يضيفون بعد عبارة  » mon frère  » التي لا علاقة لها بالدلالة البيولوجية عبارة أخرى توضيحية هي  » selon la façon arabe » .
2- النص القرآني الذي وصف المسلمين قائلا: »إنما المؤمنون إخوة » جعل المسلم بغض النظر عن جميع انتماءاته العرقية واللونية والجنسية والاجتماعية أخا للمسلم.. وهو ما وسع المفهوم السابق لمصطلح « الأخوة » المرتبط بالعرق والثقافة إلى مفهوم أعمق يرتبط بالعقيدة والحضارة.. ومع التطور ودخول أفكار جديدة إلى بلاد العرب في القرن الميلادي العشرين تجاوز مصطلح « الأخوة العربية الإسلامية » المجالين الديني والثقافي بمعناهما المحصور ليتربع على السياسة عند التيارات الوطنية والإسلامية -على حد سواء- مقابل اصطلاحين ظهرا في هذه السياسة تعبيرا عن الفكر الدخيل، أحدهما هو مصطلح « الرفيق » الذي أضاف إلى مدلوله المعجمي القديم مدلولا حديثا هو الانتماء اليساري.. والآخر هو مصطلح « الصديق » الأقل وضوحا من الأول في الاصطلاحية الجديدة والذي أضاف إلى مدلوله المعجمي القديم مدلولا حديثا هو الانتماء إلى الحركات الليبرالية.. وبالتالي أصبح لفظ « الأخ » صفة لصيقة بالمناضل الوطني عند الوطنيين، والمناضل الإسلامي عند الإسلاميين.
3- من القرن السادس الميلادي أين كان الشاعر الجاهلي يتحدث عن مصدر نعمته قائلا:
ملوك وإخوان إذا ما أتيتهم أحَكّم في أموالهم وأقرّب
إلى القرن العشرين الميلادي أين يتوجه الشاعر الحديث إلى كل عربي قائلا:
أخي جاوز الظالمون المدى فحقّ الجهاد وحقّ الفدا
والشعر العربي -الفن الأول عند الأمة طيلة قرون- يحرك الوجدان الجمعي بقيمة « الأخوة » الضاربة في جذور التاريخ، والتي لا يمكن لهذا التاريخ أن يستمر في غيابها أو بتعويضها بما لا أساس له في الطبقات الثقافية للأمة.. لقد كانت هذه القيمة عنصرا رئيسا من عناصر وجود العرب ومحيطهم الإفريقي الآسيوي، ولم تقتلها لا الحروب، ولا الصراعات المصلحية، ولا النزوات السلطوية – على كثرتها – بل بالعكس، لقد عمقتها أكثر فأكثر بدليل التعبير عن طرفي هذه الصدامات المسلحة وغير المسلحة بعبارة « الإخوة الأعداء » الدالة على التناقض الحادث بجمع نقيضين لا يجتمعان، والتي تنتهي غالبا بانتصار الأخوة على العداوة في شكل مصالحة، أو ما شابه ذلك، على عكس ما حدث عند بعض الأمم الأخرى أين يمحو الغالب المغلوب نهائيا من كل الخرائط الممكنة.
4- في الجزائر لا يختلف الأمر عما ذكر في النقاط السالفة بل راح الجزائريون والجزائريات يؤكدون أكثر فأكثر على قيمة الأخوة بمدلولاتها العربية الإسلامية مقابل الهجمة الاستعمارية الكارثية، إذ بات كل الواقفين في وجه فرنسا والمتضررين منها « إخوة » أو باللهجة الدارجة الجزائرية « خاوة »، وإذا سقطت مجموعة منهم في ساحة الشرف ينشد المنشد، دائما باللسان الجزائري الدارج القريب من الفصيح:
« إخواني لا تنساو شهداكم .. من ضحّاوْ لحياة البلاد »
وهكذا أصبحت « الأخوة » بأبعادها الدينية والحضارية والنضالية هي إسمنت الجزائر الذي لا يفجره مفجر.. ومن باب الكماليات دخلت « الأخوة  » حتى إلى لغة الرياضة ولغة الدبلوماسية.. فالفرق الرياضية الأجنبية التي تقابل الفرق الجزائرية توصف بـ « الشقيقة » إذا كانت عربية أو إسلامية وتنزع عنها هذه الصفة إذا كانت غير ذلك.. والبلدان التي يزورها هذا المسؤول أو ذاك ينطبق عليها الوصف المذكور سلفا، وهكذا دواليك..
وعلى ضفاف « الأخوة » التي تتداول في فئتي الشباب البالغ والكهول يوجد مصطلحان آخران، أحدهما خاص بالشيوخ « عمي » والثاني خاص باليافعين « ولدي »..
وما نستنتجه من هذا العنصر هو أن العلاقات الإنسانية في المجتمعات العربية الإسلامية ومنها المجتمع الجزائري هي علاقات مبنية بناء أسريا مع القريب والبعيد، بل أحيانا مع البعيد أكثر من القريب على حد تعبير أحد الأمثال الجزائرية الذي يقول : « أخوك من وطن، ولا أخوك من بطن »، بمعنى تفضيل الأخوة العامة على الأخوة الخاصة.
وفيما يخص السؤال -باء- الناص على مفهوم الإنسان العربي الإسلامي للعلاقات الإنسانية بين المعلم والمتعلم فالأمر متميز جدا، ويبرز من خلال الوقفات الآتية :
1- عند جذور تاريخنا كان الذي يستمع الناس إليه متعلمين هو إما الكاهن وإما الشيخ الحكيم.. فالأول يحيلنا على النزعة التقديسية والثاني يحيلنا على النزعة التقديرية اللتين صاحبتا ولادة مصدر المعرفة « المعلم  » وظلتا ملازمتين له.
2- عندما جاء الإسلام حدد رسول الله r رسالته قائلا: « إنما بعثت معلما » ثم حدد عليه الصلاة والسلام دور العلماء: « العلماء ورثة الأنبياء » وهنا نجد التقديس والتقدير لحامل العلم يتعمقان أكثر فأكثر بارتفاعهما من الطابع الأرضي الملوث إلى الطابع السماوي الصافي.. ويزيد وضوح هذا التوجه التقديسي عندما أصبح المسجد هو المدرسة الأولى، أمّ كل المدارس التي تتوالى فيما بعد.. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن كبار العلماء الأوائل في مختلف التخصصات بالبصرة والكوفة وغيرهما أثناء صبيحة العهد الذهبي في تاريخنا كانوا يسمون بـ « المسجديين ».
3- في بقية أغلب فترات التاريخ العربي الإسلامي أصبح المعلم إما « إماما » إذا كان يدرس العلوم الدينية أو ما يقاربها، وإما « شيخا » إذا كان يدرس العلوم الدنيوية. والإمامة والمشْيَخة كلتاهما تصب في المصب التقديسي التقديري الذي يربط المتعلم بمعلمه، ومن باب التمثيل أذكر : »الإمام مالك » أحد أعمدة الفقه و »الإمام عبد القادر الجرجاني » أكبر جهابذة النقد الأدبي العربي، و »الشيخ الرئيس ابن سينا » أحد رؤوس الفلسفة العربية الإسلامية..
4- في الجزائر، الأمر ذاته متواجد منذ الفتح الإسلامي في القرن الأول الهجري / السابع الميلادي إلى يوم الناس هذا، فما أكثر « الشيوخ » الذين وضعوا في يد الأجيال المتعاقبة المعارف الأساسية للدين والدنيا فيما كان يسمى بـ « المحضرة » وما أكثر « الأولياء » الذين ارتبطت نزعاتهم التصوفية بالتعليم أكثر من ارتباطها بأي أمر آخر بواسطة زواياهم المتناثرة هنا وهناك.. وما أكثر « الأئمة » الكبار الذين سخّروا حياتهم لخدمة العلم والمعرفة بدءا بأئمة تيهرت في العهد الرستمي خلال القرن الثاني للهجرة/ الثامن للميلاد، وانتهاء بأئمة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذين هم على رمشة عين من زمننا هذا.. وما يثير الانتباه أن تسمية « الشيخ » ما تزال إلى يوم الناس هذا تطلق على « الأستاذ » في المدرسة والجامعة على حد سواء.. ومن أراد الدليل على ذلك فليزر على سبيل التمثيل جامعة تيارت أو جامعة معسكر أو غيرهما…
وما نستنتجه من هذا العنصر أن العلاقة بين المعلم والمتعلم طيلة تاريخنا هي علاقة تقديسية، تقديرية، تملؤها المحبة والاحترام بين طرفي العملية التعليمية، محاكاة –في أغلب الأحوال- لما كان بين رسول الله r وصحابته رضوان الله عليهم، إذ هو المعلم وهم المتعلمون.
وفيما يخص السؤال-جيم- الناص على أهم صور العلاقات الإنسانية في الحرم الجامعي، فلا بد أن نعترف –انطلاقا من التجربة والمعايشة معا- بأنها ليست على ما يرام.. فبرغم الرصيد القيمي العظيم في العلاقات الإنسانية العامة والمبني أساسا على روح « الأخوة »، وبرغم الرصيد الأعظم في العلاقات الإنسانية الخاصة بين المعلم والمتعلم الذي يتأرجح ما بين التقديس والتقدير إلا أن ما نراه ونسمعه يوميا يوحي بأننا لسنا في الجزائر المرتبطة بقيم العروبة والإسلام وإنما إننا في جزائر أخراة تكاد تنفصل نهائيا عن موروثها الحضاري وتذوب في كينونة غريبة عنها لا تربطها بها أية رابطة اللهم إلا رابطة الجغرافيا..
وللخروج من دائرة الكلام النظري؛ ها هي بعض الصور الحية من علاقة الطالب بالأستاذ في الحرم الجامعي:
1- الأستاذ(ة) -إلا ما ندر- كائن مجهول، لا يعرفه طلبته حتى باسمه الكامل أحيانا.. ولا يعرفون أعماله العلمية أو الفنية، ولا مشاريعه في البحث.. ويمكن جدا أن يعتدي عليه هذا أو هذه في لحظة من اللحظات العادية أو غير العادية، خاصة بعد ظهور علامات الامتحانات.. فإذا غاب، فغيابه نعمة عند طلبته ولا أحد يستفسر: لمَ غاب؟.. وإذا مرض، فلا من يعوده ولو أصبح سكنه الأبدي المستشفى.. وإذا مات فلا من يمشي في جنازته، وآخر من يسمع بمغادرته للحياة هم طلبته وطالباته.. فقد يقضي العمر في رحاب الجامعة ثم يذهب في صمت رهيب دون أن يتأسف على ذهابه أحد..
2- الطالب(ة):-إلا من ندر- بدوره كائن مجهول لا يعرفه أساتذته لا باسمه، ولا حتى بصورته أحيانا.. فلا من يحاوره في مسألة ما من المسائل.. ولا من يوجهه إلى كتاب ما من الكتب.. ولا من يناقش بحثه بحرارة صادقة.. ولا من يثمن جهده في هذا العمل أو ذاك.. ولا من يسأل عن غيابه إذا غاب.. ولا من يعوده في مرض.. ولا من يتألم لموته إذا مات.. فقد يقضي سنوات متتابعة في الحياة الجامعية ثم يخرج نكرة كما دخل نكرة، والأكثر مرارة أنه يتخرج وليس في ذاكرته سوى أن هذا الأستاذ أحرجه حين سأل.. والآخر شتمه حين أخطأ.. والثالث استهزأ به حين ناقش.. والرابع هدده حينما طالب بإعادة التصحيح.. والخامس أحاله على المجلس التأديبي لمجرد هفوة بسيطة.. وتبقى قائمة الذكريات السيئة مفتوحة..
3- خارج المدرجات والقاعات والمخابر، العلاقات شبه منعدمة إن لم نقل منعدمة تماما بين الطلبة والأساتذة.. فلا تكاد ترى أستاذا ينشط في أحد النوادي العلمية أو الثقافية الخاصة بالطلبة اللهم إلا إذا جاء ضيفا عابرا بعد دعوة ملحة تكررت مرارا.. ولا تكاد تشاهد أستاذا في المكتبة مع مجموعة من طلبته والحديث دائر بينهم حول ظاهرة ما طرحها هذا الكتاب أو ذاك.. حتى تبادل التحية العادية –في كثير من الحالات- مؤجل إلى أجل غير مسمى أو ملغى من قاموس بعض الأفراد في هذه الجهة أو تلك.
4- التحالفات المرضية الظالمة من طرف ضد الثاني.. فقد يتشاكس أستاذ(ة) مع طالب(ة) فتثير هذه المشاكسة تحالف أكثرية الطلبة مع زميلهم، بحق وبدونه، وتصل النتيجة أحيانا إلى تخلي الأستاذ عن تدريس مقياسه أو أكثر من ذلك.. وقد يتشاكس طالب مع أستاذ(ة) ما فيتغير الدور وتثير هذه المشاكسة تحالف أكثرية الأساتذة مع زميلهم، بحق وبدونه أيضا، ويصل الأمر أحيانا إلى تحطيم الطالب بيداغوجيا إلى جانب تحطيمه نفسيا..
5- الكتابات الجدارية (الغرافيتي) في مختلف الفضاءات الممكنة في الجامعة والإقامة الجامعية لم ينج من شرها لا طالب ولا طالبة ولا أستاذ ولا أستاذة إلا من رحم ربك.. فقد تجد فيها السب، والشتم، والإباحية، وكل أنواع التعدي.. كما تجد فيها الرموز التي توحي بزوال أهمية العلم والعلماء، وبتلاشي العلاقات نهائيا بين طرفي العملية التعليمية.
وما نستنتجه من هذا العنصر هو أن الجامعة الجزائرية مريضة، ويأتي على رأس أمراضها تغييب العلاقات الإنسانية بين الطلبة وأساتذتهم، وهو الأمر الذي انعكس وينعكس بسلبية أكبر على التعليم العالي والبحث العلمي في مرحلة أولى، ثم يؤدي إلى انكسار البناء الاجتماعي كلية في المجتمع الجزائري في مرحلة لاحقة، وذلك إن لم تتم الإحاطة به عاجلا وليس آجلا.
وفيما يخص السؤال –دال- الناص على مختلف العوامل والأسباب التي تقف وراء تغييب العلاقات الإنسانية الطبيعية بين طرفي العملية التعليمية في الجامعة، فإنه يمكن النظر إليه من ثلاث زوايا مختلفة متداخلة: زاوية المجتمع العام خارج الجامعة، ثم زاوية تقاطع المجتمع بالجامعة، ثم زاوية الجامعــة داخليا..
فبالنسبة للزاوية الأولــى -المجتمع العام- إن الأمر متأزم وقد وصلت الأحوال أحيانا إلى التفكك الكلي بمعانيه الاقتصادية والثقافية والحضارية.. وهذا التفكك دخل الجامعة من جميع أبوابها ونوافذها.
وبالنسبة للزاوية الثانية –تقاطع المجتمع بالجامعة- فالمجتمع بكل مؤسساته، لا يعطي أهمية كبيرة للجامعة لأنه يراها مجرد نقطة عبور تدوم أربع أو خمس سنوات ليصل العابر منها إلى فضاء البطالة الاقتصادية والعدمية الاجتماعية. والجامعة –بدورها- لا تعطي أهمية كبيرة للمجتمع لأنها غير مرتبطة بتنميته ارتباطا عضويا في معظم المجالات، وكل الذي تفعله هو تسليم شهادات غالبا ما تكون فارغة من المحتوى العلمي الذي تدل عليه، كما تكون بدون مستقبل اقتصادي / اجتماعي مضمون.
وبالنسبة للزاوية الثالثة –الجامعة داخليا- فإن عوامل تغيب العلاقات الإنسانية بين الطالب وأستاذه يمكن أن نقف على بعضها في النقاط المبعثرة الموالية:
1- تأسيس المدرسة المدنية في الجزائر وامتدادها المتمثل في –مؤسسة الجامعة- تم وفق منظور غير سليم، فالمؤسس هو الاستعمار الفرنسي، والغاية غايتان: من جهة تدريس أبناء المستعمرين من الأقدام السوداء والإداريين والعسكريين الفرنسيين، ومن جهة ثانية إلحــاق نخبة من الأهالي les indigènes بالحضارة الفرنسية.
فالأستاذ –في الغاية الثانية- يمثل إنسان الشاطئ الشمالي للبحر الأبيض المتوسط المنتمي إلى حضارة غالبة تستخدم كل الوسائل لمحو الشخصية الوطنية أو على الأقل تشويهها… والطالب –دائما في الغاية الثانية- يمثل إنسان الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط والذي يجب تحضيره بانتزاعه من مقوماته الحضارية ليذوب في المقومات الغربية الواردة بسلطة الحديد والنار. إذن فالأستاذ سيد حر، والطالب مسود عبد.. وهذا هو الجرح الأول في العلاقة التي لم تتغير تغييرا جذريا بعد خروج الاستعمار بحكم ما ترسب في الوجدان المجتمعي، حيث بات هذا الوجدان ينظر إلى من يمتلك سلطة ما –والأستاذ يمتلكها- أنه امتداد للأمس الأليم.. ولعل هذا بعض ما يفسر تمرد الشعب الجزائري سرا وعلانية على كل من أو ما يمثل الدولة، مستقيما كان أو معوجا.
2- بالموازاة مع التأسيس الاستعماري الاندماجي للجامعة، لقد ارتكزت هذه الأخيرة منذ انطلاقتها على الأطروحة العلمانية التي لا تأخذ الموروث الديني في اعتباراتها. وهنا اصطدم الطالب الجزائري بغياب مفهوم « الأخوة العربية الإسلامية » التي توجد في كُبْريات الأمور وصغرياتها داخل تشكيل حياته الاجتماعية، كما اصطدم بغياب مفهوم « الإمامة أو المشيخة أو ما يجري مجراها » في صورة المدرس التي توارثها أبا عن جد.. وهذا هو الجرح الثاني الذي لم يضمد بعد الاستقلال، بل توسع أكثر فأكثر، حينما أهملت المدرسة الجزائرية المستقلة ومنها الجامعة الالتفات إلى موروثها التربوي والثقافي والحضاري عموما وراحت تستورد التجربة وراء التجربة من ثقافات أخرى لا يربطها رابط بالهوية الجزائرية في كل عناصرها.
3- من حيث البنايات الجامعية ]الشكل المعماري للمدرجات والقاعات والمخابر وما يحيط بها[، إن بعض المؤسسات الجامعية تشبه الثكنات العسكرية إن لم تكن ثكنات استعمارية سابقا تحمل في طياتها روح القهر.. وبعضها تم بناؤها حديثا بالتكنولوجيا ذاتها التي بنيت بها الأسواق والمقاهي العادية حيث يتفشى التحلل من كل التزام أخلاقي.. وضاعت كل الضياع -مع استثناءات طفيفة- الخصوصية العمرانية الجزائرية الخاصة بالمدرسة، والمتمثلة في المعمارية المشتقة من المسجد أو الملحقة به والتي تضفي طابع القدسية على فضاء العلم والمعرفة.. وهذا هو الجرح الثالث الذي راح يتعمق حينما أصبحت جل مؤسساتنا يتم إنجازها بالبنايات الجاهزة الخالية من أية إحالة على الهوية.. وللراغب في المعاينة الميدانية أن يقارن بين ما يوحي به التواجد في رحاب حرم جامعي أصيل أين الهوية ساطعة في كل جدار وبين التواجد في مبنى جامعي- بدون لفظ حرم- أنجز بالبناء الجاهز أو شبه الجاهز أين الهوية المعمارية مفقودة تماما..!!
4- إذا كان الإخوة الزملاء في التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي يشتكون كثيرا من وجود خمسين (50) تلميذا في القسم أحيانا ويقولون إن هذه العددية ضخمة ولا يمكن التعامل معها بطريقة تصل إلى المستوى المقبول.. فماذا يقول أساتذة الجامعة؟ الخلل موجود في صور عديدة…
هناك بعض الاختصاصات شبه مهجورة تماما تقابلها أخرى يحدث فيها الطوفان حين كل دخول جامعي. وفي هذه الاختصاصات المطلوبة، النظري كثير بينما لا يوجد التطبيق إلا على استحياء شديد.. وداخل هذه الأعمال التطبيقية القليلة فقد مفهوم « التفويج » دلالته تماما، إذ يمكن للأستاذ أن يقف أمام مائة (100) طالب تحت تسمية الفوج الأول، وأمام مائة أخرى تحت تسمية الفوج الثاني وهكذا دواليك … وذلك بمعدل حصة واحدة في الأسبوع، بحيث لا يمكن للطالب أن يتعرف على أستاذه سائلا أو مناقشا أو… ولا يمكن للأستاذ أن يتعرف على طالبه سامعا أو موجها أو… وهذا هو الجرح الرابع، ولعله من أكبر الجراح السابقة واللاحقة.. لقد بات الأستاذ مجرد علامة استفهام أمام طلبته كما بات الطالب مجرد علامة استفهام أمام أساتذته.. وما عمق هذه الاستفهامية الغامضة هو حلول فكرة « اللامنتمي إلى الجامعة » في ذات الأستاذ وذات الطالب معا، بحكم شعور معظم الأساتذة والطلبة بما أصبح يدل عليه مصطلح « التهميش » المستهلك بكثرة في كل الأوساط.. والدليل على هذا الشعور هو نفور الأطراف من بعضهم البعض ثم الفرار من الحرم الجامعي في أول فرصة سانحة..
5- من المفروض مبدئيا أن يكون معلم العلم أو متعلمه أنموذجا في سلوكه وعلمه ولسانه وطريقة عمله.. لكن هذه الفرضية الأساسية أصبحت بدون معنى –إلا عند قلة قليلة- وذلك بالنسبة للأستاذ والطالب على حد سواء.
فالأستاذ –في معظم الحالات- يفتقر إلى هيئة الأستاذية في مظهره الخارجي ]بحكم الظروف العديدة التي مرت بها البلاد[ كما يفتقر إلى السلوكية المرتبطة بمعلم العلم في ضميرنا الجمعي، فهو ]باسم الحرية الأوربية المستوردة[ كثيرا ما يبيح لنفسه أن يدخن في المدرج حين أداء المحاضرة، أو يدخل في مغازلة مكشوفة تشمئز منها النفوس، أو يتلفظ بعبارات نابية على مرأى ومسمع من الجميع، أو يتباهى متكبرا متجبرا، أو يدوس على القيم والمعتقد دونما أدنى حرج.. وبالتوازي مع هذه الصور السلوكية المنبوذة فإن كفاءته العلمية في اختصاصه مهزوزة، وكفاءته الثقافية العامة في غير اختصاصه منعدمة، وأداءه اللغوي مريض بكل أمراض اللسان، ومنهجيته التدريسية فوضى لا بداية لها ولا نهاية ]وذلك من جراء تكوينه المبتور في كل الاتجاهات[.
والطالب – مع استثناءات طفيفة- فهو نسخة مصغرة في كل شيء من الأستاذ المشوه. فالأخلاق غائبة، والاهتمام ميت، والقدرة ضعيفة، واللسان أعوج أعرج.. وما ترتب على كل هذه الأوصاف هو زوال الاحترام بين طرفي العملية التعليمية.. وهذا هو الجرح الخامس الذي يظهر بوضوح في الإضرابات الطلابية ذات الطابع البيداغوجي وفي التسربات الطلابية من الجامعة وفي الإحالات على المجالس التأديبية.. وهلم جرا..
6- موروثنا يؤمن بالمساواة إيمانا مطلقا ويرى أن « الناس سواسية كأسنان المشط » لكن هذا الطرح دخل في خبر كان داخل الحرم الجامعي. فالثابت الآن عند الخاص والعام أن التمييز هو سيد الموقف، وهذا التمييز موجود بكل أشكاله. فمن التمييز على أساس العصبية، إلى التمييز على أساس المصلحة، إلى التمييز على أساس الجهوية، إلى التمييز على أساس الانتماء الإيديولوجي أو السياسي، إلى التمييز على أساس الجنس، إلى التمييز على أساس الكفاءة والذكاء… إنها الكارثة بأبعد معاني الكلمة.
وهذا التمييز لا يقتصر على الأستاذ ولا على الطالب، بل يمارسانه جنبا إلى جنب بمباركة الإدارة حينا ومشاركتها حينا وصمتها الناتج عن مصلحة أو ضعف أحيانا كثيرة.
فكثير من الناس –أساتذة وطلبة- ينطلقون من مفهوم « العصبية » بمدلولها العشائري أو ما أصبح يطلق عليه « بن عميس » في كل تعامل داخل الجامعة… وكثير منهم لا يتعامل إلا مع أهل الجاه الذين يحصل من ورائهم على مصلحة ما من المصالح… وكثير منهم يتعامل مع أبناء جهته أو مدينته فقط.. وكثير منهم لا يتعامل إلا من منطلق التسييس الإيديولوجي، فالحب الأعمى لمن يسير في اتجاهه، والحقد الأعمى لمن يخالفه ولو بقدر ذرة واحدة… وكثير منهم، بل أكثرهم –مع كل أسف – دخلوا في لعبة التمييز الجنسي مفضلين الفتاة على الفتى بخاصة إذا كانت جميلة لعوبا .. وبعضهم –برغم امتيازهم العظيم- لا يتعاملون إلا مع الكفاءات الذكية ويشمئزون من التعامل مع من هو دون ذلك، حتى لو كان في حاجة ماسة إلى مد يد المساعدة … هذا التقسيم التمييزي الرهيب جعل الجامعة عصبا وكتلا تتربص ببعضها البعض، وتمارس الصراع في صوره البائسة دونما أدنى توقف، مما أدى إلى امتلاء الصدور بالحقد، والنفوس بالمخاوف، والعيون بالشك في كل متحرك وغير متحرك.
وما نستنتجه من هذا العنصر هو أن عوامل تغييب العلاقة الإنسانية الطبيعية بين طرفي العملية التعليمية في الجامعة كثيرة، ومتجذرة، وعلى درجة عظيمة من الخطورة. إذ يمكنها أن تفجر الجامعة في أية مناسبة من المناسبات كما يمكنها أن تشلها تماما عن أداء أي دور منتظر منها.
وفيما يخص السؤال –هاء- الناص على كيفية إمكان القضاء على العوامل المغيبة للعلاقات الإنسانية الطبيعية بين الطالب وأستاذه أو على الأقل الحد منها، فإني أعترف مسبقا أن هذه المعضلة بتعقيداتها المتشابكة أكبر من تصور إنسان واحد، كما أنها أعمق بكثير مما طرحته في هذه المداخلة بطريقة تمس السطحية أحيانا.. ومع هذا لا بد من تقديم اقتراحات ربما ستمس جوهر الأمور إذا ما تمت مناقشتها وتقليبها على جميع الجهات، وهي:
1- استرجاع الجامعة لهويتها الجزائرية في روحها العامة، ومعمارها، وسلوكات الناشطين في حرمها. ويكون ذلك بإجراء مجموعة من الإصلاحات المستقبلية -الطويلة المدى- والتي نتصورها كما يلي:
1-1- بداية من الأسرة، ومرورا بالمدرسة، ثم الجامعة، وانتهاء بالمجتمع، لا بد من جعل الإنسان الجزائري يستعيد قيمه التي تبني كل العلاقات الإنسانية وفق منظور « الأخوة » وتتعامل مع العلم من منظور « التقديس » وتتعامل مع مدرسه وفضاءاته من منظور « التقدير » … كيف يتم ذلك؟
هنا تعود الكلمة لمختلف العلماء الجزائريين والجزائريات الذين لم يذوبوا في الطروحات المستوردة من هنا وهناك.
1-2- إيقاف المسخ العمراني واستعادة الهوية المعمارية الجزائرية انطلاقا من المؤسسات التربوية والثقافية والعلمية وعلى رأسها الجامعة، بحيث لا يبنى شيء أو يعاد بناؤه في المستقبل إلا وتكون الكلمة فيه للمهندسين المختصين الذين يعملون على إحياء المعمار المحلي المتماشي والمكونات الحضارية والروحية والنفسية للإنسان الجزائري.
1-3- إجراء دراسات متعددة بغية إعادة تنظيم الجامعة من حيث البحث، والتدريس، والتسيير، والعلاقات الرسمية، والتنشيط التثقيفي، والعلاقات الإنسانية.. على أن تعطى الأولوية للحوار التشاوري كأداة للتواصل، وفي المقابل يتم التقليل من أساليب الترهيب والتوسيع في أساليب الترغيب.
2- مراجعة وزن المستوى العلمي للطالب والأستاذ على حد سواء، بحيث لا ينتمي للجامعة –متعلما أو معلما- إلا من يشرف هذا الانتماء ولا يسيء إليه بالافتقار إلى أدنى كفاءة مطلوبة، وهذا وفق التصور التالي:
2-1- بالنسبة للطالب، لقد مضى عهد ديمقراطية التعليم الكمية، ونحن في زمن لا يعترف إلا بالنوعية.. لذا لا مفر من إعادة النظر في التعليم / ما قبل البكالوريا.. ولاسيما في هذا الشهادة عينها من حيث البرامج، والامتحانات، وطرق التصحيح، ومعدل النجاح المؤدي للقبول المبدئي في التكوين طويل المدى بالجامعة.. مع إضافة مسابقة متخصصة للدخول إلى أية شعبة، وتكون من شقين: الكتابة والمشافهة، وذلك لمعرفة الطالب منذ لحظة وصوله إلى الجامعة ثم تستمر متابعة المقبولين بصيغة ما من الصيغ التي على الجامعة الجزائرية أن تخترعها.
2-2- بالنسبة للأستاذ، فإنه يوظف الآن على أساس الشهادة مع امتحان شكلي لا يقدم ولا يِؤخر شيئا.. والواجب –كل الواجب- أن يمتحن امتحانا جديا –حين التوظيف- في ثلاثة أمور جوهرية، أولها هو المستوى العلمي، وثانيها هو امتلاك اللسان الذي يبلغ به، وثالثها هو امتلاك المنهجية التي تتكون منها طريقة التبليغ.. على أن يدخل الأستاذ في حركية تكوين مستمر علميا ولغويا ومنهجيا وفق إجراءات تختلف عن الإجراءات غير المجدية التي تعتمدها الجامعة حاليا في صورة التكوين قصير المدى بالخارج.
وهنا، لا مناص من الإشارة –دونما خلفية تعريضية قدحية- أن الطالب والأستاذ اللذين دخلا في علاقات تصادمية وأساءا إلى سمعة الحرم الجامعي لا نجدهما –بكثرة- إلا في صفوف الفاشلين من الطرفين. وعند قلة، نجد فشل هذا الطرف يصطدم بجدية ذاك الطرف.
3- كسر العزلة الجامعية المزدوجة، العزلة عن المحيط الخارجي والعزلة الداخلية بين أعضاء الأسرة الجامعية، وذلك بما يلي:
3-1- الانفتاح على كل أمر سياسي أو إداري أو اقتصادي أو ديني أو ثقافي أو غير ذلك.. ولا يكفي الانفتاح، بل على الجامعة –بوصفها مؤسسة النخبة- أن تؤطر جميع ما يحدث في البلاد بطرق مباشرة أو غير مباشرة حتى لا ينتصر الجهل بكل ما ينتج عنه من مساوئ.
3-2- فتح الحوار والشراكة العلمية الثقافية بين الأساتذة وطلبتهم دونما توقف، ودونما تمييز، ودونما مساس بالخلق القويم في كل النشاطات الممكنة، داخل رحاب الحرم الجامعي وخارجه، مع مختلف مؤسسات البلاد.
3-3- اعتماد الفعل الديمقراطي باختيارات حرة وعهد محددة لتسيير المؤسسة الجامعية، بخاصة على المستوى الإداري، وذلك تجنبا لصناعة الاستبداد في فضاء صناعة نخب الأمة.
وختاما لهذه المداخلة، أذكّر بأن الجامعة الجزائرية مريضة بأمراض مختلفة يأتي على رأسها انكسار الحجاب الروحي والأخلاقي بين الطالب وأستاذه.. وقد بات من الواجب على كل إطارات هذه الجامعة إجراء الدراسة وراء الدراسة، والمعاينة وراء المعاينة، والاستقصاء وراء الاستقصاء، بغية إصلاح ذات البين بين الطرفين الأساسيين في العملية التعليمية، وإعادة الروح الجزائرية لهذه المؤسسة لتجمع أسرتها في إطار علمي أخوي مقدس أين ينطلق كل تفعيل من الأخلاق وينتهي في الأخلاق وليس العكس.
« وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإنْ همُو ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا »
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إمضاء : الأستاذ الدكتور بومدين جلّالي

2 Commentaires

  1. إن الموضوع مهم جدا و شيق، لكن الاسلوب الذي كتب به ينقصه الكثير من المراجعة و التركيز، ففيه الكثير من الاسترسال في التفاصيل و تهميش الأمور المهمة. فيا حبذا لو أعاد الأستاذ صياغته في حجم أقل و تركيز أكثر.
    د/مصطفى بن حموش جامعة البليدة.

  2. هذا فصل من كتاب موجه لعامة القراء، كان تأليفه في نهاية القرن الماضي ، وهو مطبوع ورقيا……….. وشكرا لك على المرور

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici