تداعيات في المنطق الِانقلابيّ

1
1929
تداعيات
في المنطق الِانقلابيّ
انقلابات ..ومقالب.. تقفز على كّل الإرادات وتسمو فوق كلّ المؤسسات، والنتيجة عنف… عنف…عنف…
من الطبيعيّ أن لا يحدث أيّ تغيير في الحكم إلاّ بالعنف والقوة في ظلّ غياب تقاليد راسخة في التداول على الحكم ، وفي ظلّ غياب مؤسسات ديمقراطيّة متجذرة في المجتمع. وتكون أداة ذلك هي الانقلابات، وتكون نتائج ذلك بالضرورة التخلّف، وهي وخيمة على الحياة السياسيّة للبلد. وهذه هي حال دول العالم الثالث المصرّة على التخلّف، ومنها بلادنا، حيث لا يتّم أيّ تغيير أو تعديل، جذريّا كان أم طفيفا، في هرم السلطة أو في أدنى حلقاتها إلاّ بالانقلابات والمقالب.
الانقلابات والمقالب عندنا أصبحت تقليدا « حميدا » يضبط السياسة والاقتصاد، والإدارة، وحتى الثقافة . وهذا التقليد خلق عند الطامحين إلى الحكم والطامعين في المناصب منطقا خاصا هو المنطلق الانقلابيّ الذي يقفز على كلّ الإرادات، ويسمو فوق كلّ المؤسسات ليصبح هو المعيار الوحيد المحدّد لأيّ تغيير، وليتحوّل إلى قاسم مشترك في الوطنية وإلى تاريخ في الثقافة السياسيّة، عفوا، في شبه الثقافة السياسيّة الجزائريّة منذ نشأة الحركة الوطنيّة إلى اليوم، وليفرز ممارسات دنيئة ومنحطة لا تمتّ بصلة إلى قيّم وأخلاقيات الحداثة السياسيّة.
فأصبح العسكريّ الذي لا يفقه شيئا في أبجديات السياسة ينقلب على المدنيّ بقوة السلاح وبتهمة الانحراف..
ورفقاء الدرب، والنضال يكيدون المكائد لبعضهم البعض من أجل الكرسيّ..
والابن الطامع في السلطة ينقلب على أبيه، مستعجلا الوراثة..
والأخ يدسّ الدسائس لأخيه الحاكم لينازعه الحكم بحجّة التداول..
والعرش السياسيّ الفلانيّ يتآمر على أخيه العلانيّ طمعا في الرياسة..
والكمشة من المناضلين تكيد المكائد ضدّ رئيس الحزب من أجل الزعامة..
والكلّ يسمي اِنقلاباته ومقالبه بمسميات شتى ..
البعض يسميها ثورة عظيمة مباركة..
والبعض الآخر يصفها بالانتفاضة الربانيّة المباركة..
وآخرون يعتبرونها إنقاذا للجمهوريّة..
وأحيانا تسمى تعديلا شرعيّا ..
وأحيانا أخرى تصحيحا ثوريّا، وما إلى ذلك من النعوت والأوصاف..
والكلّ يقسم بأغلظ الأيمان أنّه سيقول الحق عن اِنقلابه، وكشف حقيقة مقلبه، لكن لا أحد فعل .
بومدين وعدنا بإصدار كتاب أبيض عن تصحيحه الثوريّ في جوان 1965، ومات بعد 13 سنة من الحكم ولم ير كتابه النور.
بشير بومعزة تعهّد بتأليف كتاب أبيض عن خفايا اِنقلاب بوتفليقة عليه، ولم يصدر الكتاب إلى الآن.
الجنرال خالد نزار يعكف منذ سنوات على وضع كتاب أبيض عن اِنقلاب 1992 ولا ندري هل يكون لون الكتاب أبيض، أو أسود، أو أحمر.
لكن المؤكد أنّ هذه الكتب لن ترى النور لأنّ طائفة الانقلابيين ليس لديها وقت للتفكير والكتابة. فكلّ اِنقلابيّ لا يفكر إلاّ في الانقلاب، وكلّ اِنقلابيّ يصير إلى مُنقلبه كما يقول المثل.
العقيد هواري بومدين اِنقلب على رئيسه أحمد بن بلة بحجة الانحراف وبدعوى التصحيح الثوريّ، فكان الانقلاب عنيفًا .
وقادة الجيش أزاحوا الشاذلي بن جديد خوفا من أن يسلّمهم إلى الفيس وأوقفوا المسار الانتخابيّ، فكان التوقيف دمويا.
والمافيا السياسيّة الماليّة قتلت محمد بوضياف خوفا على مصالحها وريوعها، فكان القتل صادما على المباشر.
والجنرال خالد نزار نحّى علي كافي بحجة أنّ هذا الأخير كان عروبيّا بعثيّا، تنحيةً بالاكراه .
والجماعة الحاكمة دفعت زروال إلى تقليص عهدته بسبب خلاف حول الملف الأمنيّ، وكان التقليص بالتراضي.
واليوم.. فإنّ الأحزاب والطبقة السياسيّة من النقيض إلى النقيض، الداعية إلى تغيير النظام، ورحيل بوتفليقة، أو المطالبة بتدخل الجيش، كلّها في حقيقة الأمر، في نفس المنطق الانقلابيّ المعتمدِ على العنف والقوة واللاغي لقيِّم وأبجديات الحداثة السياسيّة. وهو منطق ليس فيه ديمقراطيّة، وليس فيه تداول على الحكم، وليس فيه اِنتخابات، وليس فيه إرادة شعبيّة، وإنّما هو ردّ مفضوح، ومكشوف على اِنقلابات، ومقالب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي قام بما قام به لويس نابليون بونابرت سنة 1851 حين اِنقلب على الدستور، وعلى الجمعية الوطنيّة من أجل تثبيت حكمه الفرديّ.
اِنقلابات .. ومقالب.. تقفز على كلّ الإرادات، وتسمو فوق كلّ المؤسسات، والنتيجة عنف… عنف…عنف …
عبد العزيز بوباكير

1 COMMENTAIRE

  1. It’s a shame if you think that your president is like Napoleon ;it’s unbelievable, you know who is Napoleon? How about your president?

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici