من يحرر السياسة في الجزائر؟

3
2403

http://www.alquds.co.uk 

بشير عمري

Aug 22, 2017

أقالت رئاسة الجمهورية مجددا الوزير الأول عبد المجيد تبون، بعد نحو شهرين فقط من تعيينه في هذا المنصب، وأعادت مجددا تنصيب أحمد أو يحيى فيه، الذي يُنعت في الساحة السياسية والإعلامية بـ»صاحب المهمات القذرة»، وهذا قبيل دخول اجتماع عاصف مثلما توقعه الجميع، وأيضا قبيل إعداد قانون مالية سيكون الأسوأ والأقسى على جيوب الجزائريين في تاريخ البلاد، مذ استقلت قبل أزيد من نصف قرن.
لكن الاجتماع العاصف وشبح الموازنة العامة المقبلة للبلد هما آخر شيء يمكن إدراجه في تحليل ما يحدث في أعلى هرم السلطة في الجزائر، من حرب تموقع في سباق ما بعد بوتفليقة، الذي بات الكثيرون يرون أنه دخل أمتاره الأخيرة، والصراع على مصادر القرار الفعلي الذي استعر أواره بين لوبيات المصالح التي ملأت الفراغ السياسي المتأتي عن الارتكاس الجمهوري، الذي حدث قبل ربع قرن أي منذ انقلاب 1992 الذي قادته جماعة متطرفة متحالفة أطلقت على نفسها «لجنة إنقاذ الجزائر»، حولت الجزائر إلى أقضية سياسية يبحث من خلالها المحللون عن شيء اسمه بقايا الدولة. بيد أن الإشكال في الحقيقة، صار يتجلى بشكل فاضح في طبيعة اشتغال مراصد الشأن الجزائري، حين يحصرون الأزمة في صراع لوبيات تشكلت فوقيا، وفق آليات مصطنعة وظروف خاصة يسهل اجتثاثها، عوض أن يركز على مصادر إنتاج الأزمات التي تتوالى من ماكينة قديمة مترهلة اسمها النظام (الحاكم) الذي تأسس على خطايا سياسية، ذبحت حلم الأمة في التأسيس لجمهورية حقيقية تقوم على سيادة الشعب.
فالواضح اليوم من خلال الارتجالات الحاصلة على مستوى (الإخراج السياسي) أن البلد أصبح بلا مرجعية مؤسسية، تنتج وفق مشروطيات وآليات محددة وموضوعية معالم السير السليم والصحيح والقانوني لمؤسسات الدولة، وصار الشخص يعوض كل الميكانيزم الجمعي والجماعي لسيرورة الدولة وانتهت هاته الأخيرة (أي الدولة) إلى التلاشي.
لقد حرص النظام بكل مبهمات صفاته وانفلاته عن شتى الصور القانونية والسياسية، على أن يظل فوق الدولة، فوق السلطة وفوق الشعب بالخصوص، في تناس من دهاقنته وأحباره، أن كل أشياء الوجود معرضة للترهل البيولوجي والأيديولوجي، ما لم تتجدد وفق مستجدات التاريخ.
عودة أويحيى لقيادة الوزارة الأولى، وبصرف النظر عن الأجندة التي تحملها، لها دلالة أخرى في قراءة بيوغرافية سلطة 92 من نظام 62، التي تظهر فيها محتبسة على صعيد إنتاج العنصر البشري القادر على ضمان إطالة عمرهما (السلطة والنظام)، وسط حالة من الاضمحلال التام للشأن السياسي، وانقباره تحت رديم المال الفاسد، الذي بات عنوان العشرية الحالية، بعدما كان الإرهاب عنوان العشرية التي سبقتها. أحمد أويحيى الذي يكون قد اقتحم سجل غيتنس للأرقام القياسية في عدد مرات توليه لرئاسة الوزارة الأولى، هو أفضل من يجلي المأزق التاريخي الذي بلغته سلطة الانقلابات، مذ استقلت البلاد ونهاية النفق الذي وصلته، ولربما هو ما دفع وزير الدفاع الانقلابي السابق خالد نزار للتصريح للصحافي سعد بوعقبة بأنه لم يعد من شيء يمكن أن تجبر به الكسور المتتالية للهيكل العظمي للنظام البالي في الجزائر، سوى (الدعوة لانتخاب مجلس تأسيسي يفضي إلى كتابة دستور يعبر بحق عن إرادة الشعب الجزائري بكل أطيافه، ما سيطوي نهائيا أزمة الشرعية التي تفجرت سنة 1962 ولا تزال تتفاعل في المجتمع الجزائري).
وما يظل مستعسرا فهمه إلى الآن هو كيف تغفل أجيال السياسة في دولة ما بعد الاستقلال، حالة الرفض التام والمستمر لتحرير النشاط السياسي من قبل النظام، الذي عدّ دوما خطوة كهذه بمثابة انتحار، وعدم تمكن حتى أبرز قادة الحركة الوطنية من ذلك، في فترة التعددية الحقيقية التي دامت ثلاث سنوات، (89/91) ونعني بهم، حسين آيت أحمد، محمد بوضياف، عبد الحميد مهري، قاصدي مرباح، ويمكن إضافة الرئيسين شاذلي بن جديد وأحمد بن بلة، كي تكتفي هاته الأجيال بإصدار بيانات المطالبة بـ»صدقة» تحرير النشاط السياسي ورفع القيود الإدارية منها والسياسية عليه، وهو الذي استمات في رفض التحرر السياسي للشعب الجزائري منذ مؤتمر الصومام، وتمرد على قراراته بأولوية السياسي على العسكري، وأقدم على ذبح حامله وسمي عليه شارع عبان رمضان وأعاد التأكيد على رفضه المطلق لذلك القرار سنوات 62 و92. من هنا يظل حريا بمن تنزه عن لوثة ولائم وموائد السلطة وفساد أدواتها، معاودة تغيير رؤيته لاستراتيجية التحرر من قبضة نظام الاستقلال والتحول من دولة النظام إلى نظام الدولة، وفق الرسم القانوني والمؤسسي المنطقي الذي استقامت عليه مسيرات ومصائر الأمم في التاريخ.
هي إذن فترة مفصلية في حياة الأمة في الجزائر، إما أن يوضع حد بشكل أو بآخر بآلية من الآليات السانحة لموضوعية التغيير في التاريخ، أن تسري في التجربة الجزائرية، التي وصلت حدا بات الواقع ينذر فيها بالمخاطر، وإما أن تتفجر الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، لاسيما وأن إرادة التغيير مغيبة سرا بإبعاد السياسة كنشاط شرعي وسلمي وقانوني لإدارة الشأن العام، منذ أن قررت لجنة إنقاذ الجمهورية سنة 1992 شل التجربة التعددية الفتية والواعدة، رغم المخاطر التي أحاطت بها حينها، وإعادة المجتمع لحضن سلطة الخفاء وحصاره بأدوات الوصاية بكل أشكالها.
وهكذا إذن، يظل السؤال الحري بالطرح، هل ستستمر قوى المعارضة من نخب سياسية أكاديمية ومثقفة في نقد السلطة وآلية تشكلها وتلونها، وحسبانها المحرك الفعلي لمؤسسات الدولة، بينما الواضح أن مكمن الأزمة في الجزائر، هو الضمور الوظيفي الأزلي لإرادة الدولة، بسبب تغوّل سلطان النظام المتخفي كما مر بنا، ومنحه مقدار ما يراه ويقرره وهو شبه نشاط سياسي لتلكم النخب؟ أم أن هاته الأخيرة ستقتنع بعدم جدوى أدوات تحليلها واشتغالها على نقد ونقض بُنى الدولة بكاملها؟ وهو ما سيعني ضرورة الوعي بلزوم تفعيل فكرة كسر الجبيرة الخاطئة التي استنهض على هشاشتها القطر عقب خروج الاستعمار، واللجوء إلى إعادة التأسيس الجمهوري، الذي تم تركيبه خطأ بانقلاب جماعة وجدة على شرعية الحكومة المؤقتة وعلى المسرى الموضوعي لولادة الدولة الجزائرية المستقلة في التاريخ.
كاتب صحافي جزائري

3 Commentaires

  1. تحليل دقيق للسلطة في الجزائر، لكن من يحرر السلطة فعلا ؟ يظل السؤال قائم

  2. « Toutes les choses de l’Existence sont vouées à la Décomposition Biologique et Idéologique si elles ne sont pas Renouvelées selon les Conjonctures de l’Histoire ».
    Il y a des Mauvaises Herbes qui Poussent par Bouturage,on dirait qu’elles se sont acharnées(sur ce pays)à se Multiplier crescendo depuis les crises successives survenues durant plus d’un demi-siècle après l’indépendance.
    Là haut,on me dit que cette Multiplication a été Artificiellement Provoquée par des Jardiniers Amateurs!

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici