بوكروح “الزدّام”.. بوتفليقة.. العسكر.. وسوق الحمير

2
2939

 TSA  عربي

  • 19.09.2017

« الحلقة الأولى : ومازال بوكروح يعتقد بأننا “غاشي”

 

رغما عني جذبني الحقل المغناطيسي للرداءة والتفاهة العامة التي غرقت فيهما البلاد والناس.. الرداءة في كل شيء.. وتتفيه أي شيء.. السياسة.. الاقتصاد.. الإعلام.. الثقافة.. الفن.. الأخلاق.. القيم.. المبادئ.. البشر.. كل شيء وأي شيء.

اليوم أصبحت الرداءة والتفاهة ركيزتان من ركائز الحكم في الجزائر، تماما مثلما أصبحت الشيتة العملة الوطنية الرسمية للمسؤولين على مصير البلد والشعب.. فما أكثر الخدم.. والعبيد.. والجواري في عهد بوتفليقة !

فجأة خرج من وسط قطيع الخدم والعبيد والجواري الممتد على طول البصر، من يدعو للثورة على فخامة الرئيس.. شخصيا لا أعرف إلى أية فئة ينتمي.. الخدم.. العبيد.. أم الجواري؟! لذلك أترك لكم حرية اختيار تحديد الفئة التي كان ينتمي إليها وكان فيها عضوا “كامل العضوية” أو مجرد “عضو شرفي”؟

لكن قبل أن نتحدث عن “بوكروح الزدّام “.. أُذكّر فقط ولكي نكون واضحين مع بعض.. بأنني لست في حاجة إلى التذكير بمواقفي من النظام الريعي، المرتشي، الفاسد المتعفن الذي انتهت مدة صلاحيته منذ عقود.. وكذا مواقفي من السيد بوتفليقة الرئيس “غير الشرعي” منذ اللحظة التي قبل فيها تسلم السلطة والى غاية اللحظة التي سيتغمده الله فيها برحمته.. ولا التذكير بمواقفي من “العسكر” المسؤول الأول عن محنة الجزائر.. وموافقي من كل “الشياتين” كل في منصبه.

وأعود إلى موضوعنا.. في العاشر من الشهر الجاري، طالعت وبالصدفة الحوار الذي أدلى به السيد نورالدين بوكروح لجريدة “الوطن”.. ولأكوّن فكرة كاملة عن المواضيع التي أثارها اضطررت إلى قراءة كل ما كتبه السيد نور الدين طيلة شهر ونصف تقريبا.. قرأت مقاله عن “الجيش الصامت”.. ورده على “العبد” الذي طالب بمحاكمته مع العلم أن سي بوكروح قد تعايش مدة 15سنة كاملة مع هذا العبد” في نفس “المطبخ”.. مطبخ سيدهما بوتفليقة !

وبقراءة كل تلك المادة اكتشفت أمرين.. الأول هو.. زيادة على أن بوتفليقة مريض، هناك مريض آخر اسمه.. نورالدين بوكروح ومريض ثالث .. هو كاتب هذه السطور.. لأنه حشر نفسه في “هوشة” بين المرضى.

الأمر الثاني هو.. أن النظام في طريقته في تفاعله وتعامله مع كتابات بوكروح.. أكد للمرة الألف بأنه فعلا نظام “تافه” وصغير.. لأنه اعتقد للحظات بأن الكلام الذي جاء به بوكروح.. كلام جديد وكلام خطير! الكثيرون في هذا البلد يرددون ما ردده بوكروح ويفكرون في ما يفكر فيه.. الفرق الوحيد أن نور الدين انتقل من المرحلة الشفهية إلى الكتابة.

لكن الأمر الذي حيّرني أكثر هو غياب الذاكرة لدى الكثيرين.. الناس تنسى بسرعة عجيبة وغير مفهومة بالإضافة إلى غياب أبسط قواعد المنطق في التحليل والنقاش.. لأن قضية بوكروح لا تحتاج إلا لقليل من الذاكرة الحية وقليل من المنطق السليم ليس أكثر.

أول ما لفت انتباهي في مقالات بوكروح وحواره و”نداءه “الثوري”.. استعماله المتكرر لمصطلح الشعب.. دون أن يضعه بين مزدوجين أو قوسين لأننا بالنسبة إليه كنا، منذ 27 سنة خلت، مجرد “كمية من الأفراد” ومجرد “غاشي” ليس أكثر.. ولكي أكون دقيقا دعونا نستحضر ماذا قال عنا بالضبط وماذا كنا يعتبرنا وقتها.. قال رئيس حزب التجديد الجزائري وبالحرف سنة (1990) في حصة “لقاء الصحافة” :”.. هدفنا السياسي هو في الحقيقة الوصول إلى إنشاء المجتمع الجزائري المسلم .. لأنه أحنا في اعتقادنا ماراناش مجتمع منسجم، مهيكل حول أفكار أو مصالح معينة.. بل أحنا عبارة كمية من الأفراد.. عبارة .. على غاشي كيما انقولوا أحنا بالتعبير الشعبي”.

وإذا وافقنا السيد بوكروح على وصفنا بأننا “عبارة كمية من الأفراد” وبأننا مجرد”غاشي”.. فالسؤال الذي يجب أن يرد عليه بوكروح، هو:” متى وكيف تحولنا، والأصح وبلغة نور الدين الداروينية، كيف ارتقينا إلى سلالة “شعب” في أي “حقبة” حدثت تلك الطفرة البيولوجية، كي يخاطبنا اليوم بوكروح مستعملا هذا المصطلح “الأنتربولوجي” و”الحضاري” الجديد في لغة نور الدين بوكروح؟

دعونا نحسب الأمور بالمنطق وبالمنطق وحده .. من المفروض منطقيا أن تكون الفترة التي ارتقينا وتحولنا فيها من مجرد ” كمية من الأفراد” ومجرد “غاشي” إلى سلالة “الشعب” حسب تحليل بوكروح، يجب أن تمتد فترة “تطورنا” خلال 27سنة الماضية أي من السنة التي أطلق فيها علينا هذا الوصف وهذا الحكم (1990) الى غاية اللحظة التي يخاطبنا فيها بمقالاته وبياناته على الفايس بوك في2017.. باختصار منطقيا يجب أن يكون التحول والتطور والارتقاء إلى سلالة “الشعب” قد حدث ما بين 1990 (وليس قبل) و2017.

و لأن “حبل الكذب” قصير و”حبل النفاق” اقصر منه.. سيرتكب سي بوكروح خطأ مخجلا بالنظر إلى مكانته في عالم الكتابة خاصة وقد كان من قراءه ” شخصيات بارزة من كبار الشخصيات في تاريخنا الوطني”.. يسعدون باستقباله في بيوتهم “لمناقشة مقالاته”.. كما “ورد اسمه” في “كتب بعض المستشرقين” ولم “يتجاوز الثلاثين”.

في مقاله عن “الجيش الصامت” يكتب بوكروح باكيا أو متباكيا :”.. عندما نهض الشعب في أكتوبر 1988 وفي بلاد القبائل في 2001 أطلقتم عليه النار وصرعوا كحيوانات الغاب الشرسة”؟ !

والسؤال هو كيف يمكن أن نكون في نظرك “شعبا” في 1988 وقد كنا حسب “سلّم النشوء والارتقاء”البوكروحي في سنة 1990، أي عامين من بعد، مجرد “كمية من الأفراد”.. ومجرد”غاشي” ليس أكثر؟

كان من المفروض على بوكروح “الدارويني” أن يبقي ويحتفظ ولا يغير “مصطلحاته” السوسيوأنتروبولوجية السابقة التي أطلقها في حصة “لقاء الصحافة”.. كان عليه يكتب وبأمانة وبلا غش ” عن تلك “الحقبة” التاريخية، قائلا :” .. عندما نهض الغاشي وكمية الأفراد تلك في أكتوبر 1988 وفي بلاد القبائل في2001 أطلقتم عليهم النار”.. احتراما للأمانة “العلمية الانتروبولوجية” محتفظا بنفس الشجاعة الأدبية التي تحدث بها في 1990.. باختصار القضية ليست اتفاق أو اختلاف في الرأي مع بوكروح بل القضية قضية احترام وأمانة علمية وأدبية وسياسية.

مشكلة سي بوكروح وغيره هو أنهم ينظرون إلينا كشعب عندما يتعلق الأمر بطموحاتهم وخصوماتهم.. فنحن الشعب.. الشعب السيد.. الشعب العظيم.. عندما يريدون أن يستعملوننا كسلالم وكصدريات واقية من الرصاص والقنابل ليصعدوا فوق ظهورنا إلى سدة الحكم.. أما باقي الوقت فنحن مجرد .. “كمية من الأفراد” ومجرد “غاشي”.

شرعية بوتفليقة أولا.. لا مرضه يا سي بوكروح

كتب بوكروح متباكيا على “الجمهورية”.. وساخطا على “البيعة”.. ومتحسرا “على الشعب السيد”.. قائلا في مقاله عن “الجيش الصامت” : ” .. ما معنى أن نقر بالولاء للجمهورية حين نعلم أن هذه “البيعة” ليست “للشعب السيد” بل لرجل مخفي، لا ينطق ولا يتحدث”.

والسؤال الذي يطرح هو.. ماذا فعل سي نور الدين لمقاومة هذه المهازل وأين كان “قلمه” السيّال البتار وفكره المستنير؟

الإجابة : لقد “طبل” مع توفيق والعماري ومساعدية ومع سعداني وشيهاب وولد عباس وبلخادم وأويحي والشيخ نحناح وسعيد سعدي ، للعريس(بوتفليقة) وأصحاب العرس(العسكر) ورقص ورقصوا في العرس كما لم “ترقص” أية رقاصة مصرية في عرس اغتصاب الشرعية والحرية والديمقراطية.. وقد كان من “أهل العرس” لا من الضيوف !

في الحوار الذي أدلى به لجريدة “الوطن” يعترف بوكروح قائلا :” فعلا.. لم أنشر شيئا في الصحافة الوطنية ما بين 1999و2011″ ويضيف بوكروح بأن كل ما كتبه هو مقالة واحدة في أواخر سنة 2013.. كتب مقالة يدافع فيها عن ” الرئيس المريض الذي كان يعالج في فال دو غراس”.. يعني.. أن سي نور الدين بوكروح لم ينشر طيلة 14 سنة كاملة إلا مقال واحد يدافع فيه على بوتفليقة المريض عندما ارتفعت الأصوات تنادي بضرورة تنحيه أو تنحيته ؟ !

المعلوم والمعروف عند الجميع في بداية “البيعة” الأولى ،على حد وصفه، كان نور الدين بوكروح “يضرب” الشيتة لعبد العزيز بوتفليقة .. وقد أثمرت شيتة بوكروح لأن فخامته عينه وزيرا على رأس ثلاثة وزارات متتالية من 23 ديسمبر 1999 إلى غاية الأول من ماي 2005.. أي أن سي نور الدين اشتغل عند فخامته ستة أعوام وزيرا وكان أيضا”son  Nègre littéraireson” فقد خط بيده ما لا يقل عن عشرين من خطب فخامته للاستهلاك الداخلي والخارجي.. وقد كان سعيدا بذلك غاية السعادة لأنه وكما قال ” الرئيس كان معجبا بأسلوبي في الكتابة” !

فهل لنور الدين بوكروح أن يضع تحت أيدينا العشرين خطاب التي خطتها لبوتفليقة لنرى إن كانت ستعجبنا وتبهرنا نحن أيضا كما أعجبت أبهرت رئيسه بوتفليقة ؟

إذا أثناء “البيعة” الأولى في 1999، بايع سي نورالدين عبد العزيز بوتفليقة والذين “جابوه” و”حطوه”، أولئك الذين يطلب منهم اليوم ضرورة “فعل” شيء ما لتخليصه من الرجل الذي فضل وقتها أن يبايعه بدل أن يدينه ويفضحه ويفضح ويندد بالذين يستغيث بهم اليوم لأنهم لم يحترموا إرادة “الشعب السيد” وحقه في الاختيار الحر لمن يحكمه في انتخابات الصندوق هو الذي يفصل فيها.. ولكن التاريخ سجل بأن بوكروح وقف إلى جانب المزورين والغشاشين الذين “عفسوا” على الشعب وعلى حقه في اختيار من يحكمه بكل حرية وشفافية وقد كان الشعب وقتها مستعدا للذهاب إلى مكاتب الاقتراع لاختيار رئيسه الشرعي الأول منذ الاستقلال.

وتكررت نفس الحكاية ونفس السيناريو عندما حان موعد “البيعة” الثانية في 2004، فضل بوكروح “التمرغ” على كرسي الوزارة لذلك لم نسمع له صوتا ولم نقرأ له حرفا بخصوص الاعتداء الثاني أو النكبة الثانية على الشرعية وعلى الديمقراطية.. وعلى إرادة “الشعب السيد” وحقه في الاختيار الحر، عندما قرر بوتفليقة الأول الاستمرار في الحكم لخمس سنوات أخرى دائما بمساعدة وتواطؤ الذين يطلب منهم سي نور الدين اليوم، أن “يزيحوا” الرئيس المريض؟ !

وحتى عندما وقعت “الطامة” الكبرى في 2008، عندما قرر بوتفليقة الثاني أن يعدل الدستور بتبريرات سخيفة وحجج واهية من أجل “التمديد لحكمه” دائما بمساعدة وتواطؤ الذين يصرخ اليوم بوكروح راجيا منهم وضع حد للكابوس الذي يؤرقه.. وقتها وكما قلت لم نسمع لبوكروح صوتا ولم نقرأ له حرفا لا في الصحافة ولا على الفايس بوك ولا تويتر كما يفعل الآن؟ !

لا حديث ولا كلام ولا مقالات للتنديد بالاعتداء الصارخ على الطابع الجمهوري للدولة الجزائرية التي حولت إلى “إمارة” يحكمها الإخوة بوتفليقة وأحبابهم.. ولا حرف عن الحرية المغتصبة.. ولا حرف عن الديمقراطية المستباحة والقوانين المداسة والمؤسسات المشلولة.. ولا حرف عن التداول عن عدم استشارة “الشعب السيد” في الأمر ولا أخذ موافقته ولا حتى الاستماع إلى رأيه!

دائما نفس الحكاية.. نفس السيناريو.. في 2009.. يقرر بوتفليقة أن ” يرتقي “من بوتفليقة الثاني إلى بوتفليقة الثالث.. فماذا فعل بوكروح الكاتب والمفكر الكبير، القلم الحاد اللامع الذي كان يقرأ له كبار رجالات الثورة وتاريخنا الوطني أمثال :” فرحات عباس، بن بلة، حسين لحول، عبد الرحمان كيوان، عبد المجيد مزيان، عمار أو عمران وغيرهم وهم” الذين كانوا “يسعدون باستقباله في بيوتهم أو مكاتبهم للتحدث عن مقالاته”؟؟.. ماذا فعل وماذا كتب سي بوكروح لما قرر بوتفليقة الثاني أن يتحول إلى بوتفليقة الثالث وبمساعدة أولئك الذين يلح اليوم على ضرورة تحركهم لتخليصه من شبح بوتفليقة؟.. أيها السادة.. بوكروح لم يفعل شيئا ولم يكتب حرفا.. بوكروح دفن رأسه في الرمل وفضل طيلة تلك السنوات، الاهتمام بأموره العائلية بدل أمور “الشعب”.. والسفر الى أمريكا لجمع أوراق مالك بن نبي لأنها أهم من الديمقراطية.. والتفرغ للبزنس بدل الوطن !!

و ها هو اليوم وبعد أن نام في العسل وبعد أن أكل منه حتى شبع، يكتب على صفحته في الفايس بوك صارخا باكيا ومشتكيا من بوتفليقة إلى العسكر :” اليوم ( في أوت2017) أنا ضحية ( وماذا كنت قبل هذا التاريخ) من بين أربعين مليون ضحية أخرى للتسيير السيئ للبلاد (بوكروح سير 03 وزارات لمدة 06سنوات؟ !) ولإهانة أن يحكمنا رجل لم يعد يملك القدرة الجسدية والذهنية”؟ !

لقد جئت متأخرا جدا سي بوكروح لأن مشكلة بوتفليقة ليست في مرضه اليوم.. في 2017.. بل في شرعية حكمه منذ 1999.

2 Commentaires

  1. Ya3tik essaha yalbaraka pour ce rafraîchissement des mémoires.
    Comme son alter ego Said Saadi, Boukrouh continue de se tromper de société et de ghachi. Sans doute ceci est-il du, pour paraphraser F. Burga, au fait que leur degrer de communication avec leur propre société est voisin de zero!

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici