دمُ محمد تامالت في رقبة النظام

0
1587

http://www.alquds.co.uk/

criminels en libertéتوفيق رباحي  – Dec 13, 2016

 
 
 

تمهيد ضروري لغير الجزائريين من القراء: محمد تامالت صحافي ومدون جزائري شاب اشتهر بنقده الشديد حد القدح بحق رموز الدولة الجزائرية وزوجاتهم وأبنائهم. بل لم يسلم من لسانه حتى صحافيون ومثقفون ورجال أعمال جزم هو أنهم يسبحون في فلك نظام الحكم.
عاش تامالت في لندن منذ أكثر من عشر سنوات. اشتهر بأنه مزعج لكل الناس وفي كل الاتجاهات. الصيف الماضي حيك له فخ فدخل إلى الجزائر، لكن أُلقي عليه القبض وحوكم وصدر في حقه حكم بالسجن النافذ مع غرامة مالية. احتج على الحكم بإضراب عن الطعام في السجن دام أكثر من ثلاثة أشهر، وكانت نهايته وفاته بأحد مستشفيات العاصمة صباح أمس الأول متأثرا بما لحق به من تعذيب نفسي وجسدي ومن سوء معاملة.
إدارة السجون سارعت إلى إصدار بيان هو بمثابة العذر الأقبح من الذنب، وإن كانت ليست هي المذنب الأول على الرغم من الوزر الذي يقع عليها باعتبارها كانت شاهداً على الفضيحة ومنشآتها مسرحا لها. قالت الإدارة في بيان مكتوب إن الفقيد لم يفارق الحياة بسبب الإضراب عن الأكل، بل متأثرا بالتهاب رئوي أصابه فجأة.
لن أدّعي أنني كنت صديقا للفقيد أو حليفا. لم نكن يوما كذلك، وما فرَّقنا أكثر مما جمعنا. اختلفنا في أول لقاء جمعني به عندما زارنا بمقر هذه الصحيفة وكان حديث عهد بلندن. ألقى أمامي محاضرة صاخبة من شقين، الأول تباهى فيه بأنه من أشد خصوم نظام الحكم في الجزائر الذي قال إنه يعرف كل رجاله ونسائه. وثانيهما أنه حط الرحال بلندن بموجب منحة من الدولة الجزائرية لمواصلة دراسته الجامعية. سألته بخبث: كيف تكون معارضا وأنت تستفيد من منحة دراسية لا ينالها إلا أبناء علية القوم وكبار اللصوص الذين تدّعي أنك تحاربهم؟
ارتفع صوته وزاد من حدّة نبرة كلامه، فأيقنتُ ـ وأيقن هو كذلك ـ أننا لن نكون أصدقاء. حافظنا على ود بعيد نتبادل التحية العابرة في المرات القليلة التي التقينا خلالها لاحقا.
ثم تفرقت بنا السبل. غادرت أنا لندن وازداد تامالت تطرفا في معارضته وشتمه للحكام الجزائريين وذريتهم وكل من انتسب لهم من قريب أو بعيد.
كنت عندما أقرأ كتاباته وأسمع تسجيلاته الصوتية، أخاف عليه من حجم تطرفه وعناده. كنت أتخيّله مثل رجل مغمض العينين يطلق النار من مسدس رشاش باتجاه حشد كبير. كنت أتوقّع انها مسألة وقت فقط ليصيبني منه ما أصاب غيري!
عندما اعتُقل في الجزائر بداية الصيف الماضي كنت ضمن زملاء وأصدقاء خاضوا نقاشا بخصوصه. كان الرأي الغالب أن الرجل لم يترك صديقا ولا حليفا، تطاول على أعراض الناس وتجاوز في كثير من الأحيان حدود اللباقة والعقل. قال أحد الأصدقاء: أرفض بشدة ما حدث له لكنني أجد حرجا في الدفاع عنه!
ولكن.. رغم كل شيء، وأيًّا كان نوع وحجم تطاوله وضرّره، ما كان يجب أن يلقى هذا المصير المشؤوم.
ما تعرض له محمد تامالت جريمة قتل موصوفة ومكتملة الأركان. روحه في رقبة الرئيس بوتفليقة ورئيس الحكومة سلال. أدينها بلا تردد وأدعو إلى محاسبة من خطط لها ودبر ومن نفذها ومن كان في يده أن يفعل شيئا لمنعها وتردد.
عيب وعار أن يحدث هذا لرجل في بلد مثل الجزائر ونحن في 2016. قتله بهذه الطريقة الموغلة في الحقد والوحشية، إهانة للجزائر والجزائريين. لا أحد يستحق هذا المصير المشؤوم. كان يجب أن يسمو القضاء العادل النزيه، ورحمة الدولة حتى مع أبنائها الأكثر جنونا.
لم يمت تامالت بالتهاب رئوي، كما يزعم بيان إدارة السجون، إنما مات لأنه أُهمل ولم يلقَ حقه في العناية. لم يُبذل الجهد الكافي لإنقاذه مما وُضع فيه ومما وضع هو نفسه فيه. الذين قادوه إلى هذه النهاية وأحرقوا قلب أمه عليه (زارته مرة واحدة في السجن منذ اعتقاله في 28/06/ الماضي ـ هكذا تباهت إدارة السجون!)، هؤلاء مجرمون يستحقون المحاكمة والسجن، لأنهم أسوأ منه وأخطر.
طالما تباهى نظام الحكم الجزائري بأذرعه السياسية والإعلامية بأن الجزائر من البلدان القليلة بين مثيلاتها التي لا سجناء رأي فيها. لكن عندما كان هناك سجين رأي واحد، اسمه تامالت، هذا كان مصيره.
هناك احتمالان في هذه المأساة: الأول أن المجموعة المتضررة من تامالت وهو على قيد الحياة أرادت تأديبه من خلال حكم قاس بالسجن يقضي منه فترة لا بأس بها تدخل الذعر إلى قلبه وتعيده إلى الطريق المستقيم. لكن الفقيد لم يمهل أصحاب هذا التفكير ولم يمنحهم فرصة تأديبه، فأحرجهم بموته مثلما أحرجهم في حياته.
الاحتمال الثاني أن المجموعة المتضررة من تامالت بيّتت له النية وقررت التخلص منه بإذاقته أنواع العذاب الجسدي والنفسي والإهانات إلى أن ينتهي به الأمر منتحراً في سجنه. لكنه اختار الموت بإضراب عن الطعام لتُكتَب الجريمة قتلاً في تاريخهم وليس انتحارا في سجله.
إذا كان مرتكبو هذه الجريمة يعتقدون أنهم سيجعلون منه عبرة لغيره، فقد أخطأوا.
على الذين فعلوها أن يخجلوا من أنفسهم لأنهم عار على الجزائر.

٭ كاتب من أسرة «القدس العربي»

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici