لماذا نفضل أن يكون البرلمان أعلى سلطة في المرحلة الإنتقالية

0
2194

محفوظ بـــدروني
(نائب رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد)

16 أكتوبر 2019

مقدمة:
المرحلة الانتقالية هي فترة زمنية لا تتجاوز سنتين(02) يتم خلالها الانتقال من نظام سياسي موجود إلى نظام سياسي منشود. و هي فترة ضرورية للإنتقال من نظام شمولي استبدادي دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي تعددي تكون فيه السيادة للشعب و يكون قائما على حرية الاختيار والشرعية الشعبية.
فالمرحلة الانتقالية هي فترة هدم و بناء، هدم لدولة الفساد و الاستبداد و بناء دولة الحق و العدل و القانون و تأسيس لنظام سياسي جديد على أنقاض النظام البائد. و يتم خلال المرحلة الانتقالية هذه إجراء إصلاحات حقيقية و تغييرات جوهرية على منظومة الحكم و إدارة الدولة.

مبررات و حجج جعل البرلمان أعلى سلطة في المرحلة الإنتقالية

نفضل أن يكون البرلمان هو أعلى سلطة في المرحلة الإنتقالية للأسباب والمبررات التالية:

1°)- إنهاء إشكالية تمثيل الحراك الشعبي: بانتخاب البرلمان الذي سيتشكل أساسا ممن شاركوا و/أو قادوا الحراك أو حتى ممن يرضى عنهم الحراك و إن لم يشاركوا لأسباب تخصهم لكنهم هم قلبا و قالبا من الحراك ومع مطالب الحراك..فبمناسبة انتخاب البرلمان ستتاح الفرصة لجميع الفاعلين السياسيين و النشطاء الميدانيين للترشح للانتخابات و من ثم فلا يمكن أن يتحجج أحد بتمثيله للحراك دون المرور عبر صناديق الانتخابات.. و البرلمان هو الفضاء الأمثل و الإطار الأفضل الذي يمكن من خلاله فسح المجال لكل هؤلاء لتمثيل الحراك و بالتالي عموم الشعب في أعلى سلطة و أهم هيئة في المرحلة الإنتقالية.
2°)- ابعاد شبح عبادة الشخصية: و المتمثل في الزعيم الأوحد و الشخص الملهم، مبعوث العناية الإلهية، المهدي المنتظر الذي تأتي على يديه كل الحلول ويقضي على كل المشكلات كما روج لذلك منذ الاستقلال في حق الرئيس(أي رئيس) و هذا الذي يجسد نظام الاستبداد و الفساد الذي عانينا منه طيلة عقود، لذلك نريد أن يكون البرلمان أعلى سلطة في المرحلة الانتقالية مع إضعاف مركز رئيس الدولة الذي هو شخص واحد، يتأثر بمحيطه و يمكن أن يكون عرضة للضغوط الممارسة عليه من أتباعه و أعوانه، مما يؤدي إلى السيطرة عليه و هذا يصعب مع البرلمان..ففي الدول المتقدمة و البلدان المحترمة لا يتمحور السير العام لمؤسسات الدولة، السياسة العامة، التقدم و التنمية و نهضة الأمة حول شخص واحد حتى و إن كان رئيس الدولة حتى و إن كان هذا الرئيس شخصا ملهما عبقريا.. ففي ظل هذه الدول الكل يشارك في عملية البناء لأجل نهضة البلاد وتقدمها: مؤسسات الدولة، المجتمع السياسي، جمعيات و منظمات المجتمع المدني، شخصيات عامة و علمية، جامعات و مراكز أبحاث، مؤسسات إعلامية و مواطنون…و من ثم وجب ابعاد شبه الشخص الأوحد الذي يتركز عليه و يقع على عاتقه عملية الإصلاح و التغيير و القطيعة مع هذا النمط في تسيير شؤون الدولة و المجتمع.
3°)- ابعاد حالة الاستقطاب الإيديولوجي: فالرئيس شخص واحد يمثل تيارا سياسيا واحدا يؤدي انتخابه إلى حدوث حالة من الاستقطاب الإيديولوجي و الانقسام المجتمعي في مرحلة حساسة (بعد ثورة عارمة) فإسناد الحكم إلى رئيس في ظل الدستور الحالي يؤدي حتما إلى انقسام مجتمعي و تبريد للحراك بل إلى إنهائه.. فالرئيس يمثل تيار واحد و قسم من الشعب و ليس كل الشعب بينما في حالة البرلمان فإن كل الاتجاهات السياسية و الأطياف الإيديولوجية ممثلة فيه و بالتالي يمكنهم إيجاد صيغة من العمل المشترك و إطار للتوافق على كبريات القضايا و المسائل المصيرية التي وحدت الشعب الجزائري في حراكه المبارك و إعطائها بعدا سياسيا و ترجمة قانونية تجسيدا لمطالبه و شعاراته التي رفعها خلال المظاهرات بداية من انطلاق الحراك المبارك.

4°)- تحقيق الديمقراطية التشاركية: طبيعة المرحلة تقتضي تظافر الجهود وتجميع الإرادات الخيرة الموجودة حتما في جميع الاتجاهات السياسية و لا تتحقق الديمقراطية التشاركية و التوافق الوطني في ظل وجود رئيس مهيمن الذي يتمتع صلاحيات فرعونية .. و لأجل إسقاط النظام ومنظومته الحاكمة وجب فسح المجال لكل التيارات السياسية لكي تشارك في صياغة و بناء نظام سياسي جديد بينما لا يتأتى ذلك في حال انتخاب رئيس دولة.. و هذا حتى لا نقع في نفس الأخطاء التي وقعت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ عندما انتهجت منهج المغالبة و المجابهة ضد النظام بمفردها و أقصت جميع التيارات الأخرى مما سهل على النظام القائم الاستفراد بها و إزالتها من المشهد بقوة الحديد و النار.

5°)- البرلمان هو المكان الطبيعي لقيادة المرحلة: فهو مشكل من كل الاتجاهات السياسية و التوجهات الإيديولوجية و من ثم فالكل يشارك في بلورة أرضية سياسية و يساهم في إرساء نظام سياسي جديد يقوم على مبادئ السيادة الشعبية، النظام الجمهوري، سيادة القانون، ضمان احترام حقوق الإنسان والمواطن، الفصل و التوازن بين السلطات، استقلال القضاء، التداول السلمي على السلطة، مدنية الدولة، الوحدة الوطنية و السيادة الوطنية. فكل القرارات الهامة تتخذ داخل البرلمان و لا تخرج الخلافات و لا يظهر تباين الرؤى إلى خارج قبة البرلمان و من ثم فإنّ الخلافات تحسم بالتوافق والتنازلات المتبادلة و إن تعذر الأمر فيطبق مبدأ الديمقراطية « أغلبية تحكم و أقلية تحترم ».

6°)- إحداث القطيعة مع النظام السابق: بإعلان سقوط النظام القائم بدستوره وقوانينه، بشخوصه و رجالاته، بهيئاته و مؤسساته، و بنمط تسييره للبلاد و الدولة و إحلال محله نظام جديد يشارك فيه أكبر قدر ممكن من الكفاءات و الخبرات و القدرات في اقتراح الحلول و تقديم البدائل..فالمرحلة الإنتقالية هي فترة تفكيك لمنظومة الفساد و الاستبداد و تجريف لمخلفات النظام الاستبدادي البائد و تصفية آثاره المدمرة على العباد و البلاد و إحداث تغيير جذري عام و شامل لمنظومة الحكم و استرجاع الشعب لحريته و سيادته كاملة غير منقوصة في اختيار نظام حكمه و انتخاب من يحكمه. فهذه المرحلة ضرورية لتجسيد السيادة الشعبية و تعزيز الديمقراطية، هدفها الاطمئنان على متانة البناء الديمقراطي الناشئ و سد الثغرات التي يمكن أن تعود منها الدكتاتورية والاستبداد.. و هذا لا يتأتى إلاّ في ظل برلمان تمثيلي لكل الإتجاهات السياسية و التوجهات الإيديولوجية.

7°)- إعطاء الفرصة للشعب لإعادة بناء دولته: منذ الاستقلال الشكلي الحاصل في عام 1962 لم يشارك الشعب إطلاقا في أي عملية بناء أو إصلاح لمنظومة الحكم و إدارة الدولة وكل ما تم اتخاذه في هذا الإطار تم رغما عن إرادته و رغبته بالقهر و التزوير.
سيشارك الشعب و يساهم في بناء دولته من خلال انتخاب ممثليه ليكونوا أعضاء في المجلس النيابي(البرلمان) الذي سيكون أعلى سلطة في المرحلة الإنتقالية و مناقشة كل القضايا التي تهم مستقبل البلاد و الشعب و المشاركة في بناء الصرح المؤسساتي وهم الذين ينتخبون أعضاء الجمعية التأسيسية لأجل كتابة وصياغة دستور دائم للدولة الجزائرية ثم من خلال مناقشة مسودة أو مشروع الدستور في إطار نقاشات عامة و حوار مجتمعي قبل عرضه على الاستفتاء الشعبي العام و من خلال انتخابات حرة وشفافة تحقق تمثيل حقيقي لكافة شرائح المجتمع وفقا لقانون انتخابي يحقق عدالة تمثيل المواطنين دون تمييز أو إقصاء..

8°)- البرلمان هو المكان الطبيعي لمناقشة القضايا المصيرية: فهو الذي يشرف على المسار التأسيسي من حيث إصدار قانون يتعلق بالجمعية التأسيسية(قانون الجمعية التأسيسية الذي يحدد مهامها، عدد أعضائها، معايير اختيار أعضائها، عدد كل فئة من الفئات المكونة للجمعية، مدة انجاز عملها، قواعد سير عملها و كيفيات و طريقة التصويت)، مراجعة جميع القوانين والتشريعات و إعادة النظر في جميع المعاهدات و الاتفاقيات التي أبرمها النظام غير الشرعي مع الدول و الشركات الأجنبية..و كذا القيام بالإصلاحات الهيكلية لمنظومة الحكم في البلاد و إقرار أهم القوانين التي تعمل على تفكيك منظومة الفساد و الاستبداد و تجريف مخلفات النظام الاستبدادي البائد و تصفية آثاره المدمرة على العباد و البلاد منذ استيلائه على السلطة و استحواذه على مقاليد الأمور و مقدرات البلاد كقانون العدالة الإنتقالية و قانون تنظيم الحياة السياسية و قانون مكافحة الفساد.
9°)- المرحلة الإنتقالية ليست مرحلة تنافسية: بين مختلف التنظيمات السياسية و المتنافسين على المناصب الإنتخابية بعرض البرامج و السياسات على الهيئة الناخبة و الشعب، بل هي مرحلة ثورية بامتياز و فترة زمنية في عمر التحول الديمقراطي حساسة تقتضي تجميع مجموع الشعب و قوى الحراك لأجل مواجهة الدولة العميقة و الثورة المضادة، بالنظر إلى أن مهام المرحلة هو تجريف ما خلفته منظومة الفساد و الاستبداد و ما أفرزته من ممارسات مشينة وهذا يتطلب تظافر جهود كل الفئات و التيارات و الاتجاهات السياسية و ليس قسم منهم فقط و لا يتأتى ذلك إلاّ في إطار برلمان تعددي يعبر بحق عن كافة التيارات السياسية المتجذرة في المجتمع و يمثل بصدق كل الاتجاهات الإيديولوجية المتواجدة على الساحة حتى تكون له القوة التمثيلية و السند الشعبي و الشرعية القانونية للقيام بهكذا إصلاحات و تغييرات.
10°)- توفير الجهد والوقت والمال: تبدأ المرحلة الإنتقالية بانتخاب أهم مؤسسة هذه المرحلة، و هو البرلمان(مجلس وطني جزائري) من قبل الشعب و هذا البرلمان هو الذي بدوره يمنح الشرعية لبقية مؤسسات المرحلة الإنتقالية: رئيس الدولة المؤقت، الحكومة الإنتقالية، الجمعية التأسيسية، و أخيرا الهيئة الوطنية المستقلة لتنظيم الإنتخابات و كذا تعيين هيئات تسيير الجماعات المحلية دونما الحاجة إلى إجراء انتخابات لكل هاته الهيئات و المؤسسات لأن المرحلة مرحلة ثورية بامتياز يتم خلالها تجريف دولة الفساد و الاستبداد و كل ما خلفته من دمار و ما أنتجته من أثار. فبعملية انتخابية واحدة سيتم إضفاء الشرعية على كافة مؤسسات المرحلة الإنتقالية دونما إجراء انتخابات أخرى لبقية المؤسسات.

خــــــاتمة:
على نشطاء الحراك و الثورة السلمية في الجزائر الاستفادة من تجارب المحيط، من نجاحات و إخفاقات ثورات الربيع العربي ..فهناك نجاحات لا شك فيها عند دول أخذت بالبرلمان كأعلى سلطة في المرحلة الانتقالية كتجربة تونس الناجحة نسبيا و إخفاقات لا ريب فيها في الدول التي انتهجت أسلوب انتخاب رئيس الدولة و هذا الأخير أدى إلى تبريد الثورة و عمق الانقسام المجتمعي و أسفر في النهاية عن انقلاب على الثورة و الرجوع بالبلاد إلى وضع أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة كحالة مصر الفاشلة بامتياز.
فنسبة النجاح ستكون بلا شك أو ريب كبيرة في حالة الأخذ بالبرلمان كأعلى سلطة في المرحلة الإنتقالية و ستكون تجربة جديرة بالبناء عليها حتى في مرحلة الشرعية الدستورية في إطار الدستور الدائم للدولة الجزائرية.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici