التدخل، بين استنزاف وابتزاز خارجي وتوظيف داخلي

2
2567

رشيد زياني شريف

هناك نوعان أساسيان من التدخل الأجنبي في شؤون الدول المقهورة، إلى جانب أنواع أخرى تدمج بين هذا وذاك، لكن الثابت فيها كلها أنها تتم دائما لخدمة مصلحة المتدخل، بشكل أو بآخر، علنية أو سرا، ولا ينخدع أحد لمزاعم حماية الحريات ونشر الديمقراطية أو نصرة الأقليات التي تستخدم مخلبا لمضايقة الأنظمة التي لا تسير وفق أجندة هذه الدول، وليس خدمة للأقليات المسحوقة كما تدّعي، ورأينا كيف يباد الروهنغا دون أن يزعج أنينهم أحد أو يثير حميته ونصرته، وهم يُقتلون بالآلاف.

أول نوع من التدخل الأجنبي، يتم ضد حكومات معينة (لأسباب محددة)، في غالب الأحيان، تكون هذه الحكومات وثيقة الصلة بشعوبها ونابعة عن إرادتها ومجسدة لطموحاتها ومدافعة عنها، وتحظى بشرعية مقبولة بفضل التلاحم بين الحاكم والمحكوم، بما يضفي عليها حصانة وقوة تسمح لها باتخاذ قراراتها باستقلالية والدفاع عن سيادتها وعن مصالحها، الأمر الذي لا يخدم مصالح القوى الكبرى، فيدفعها إلى التدخل بطرق شتى، ترغيبا وترهيبا، بدءًا من محاولة استمالة هذه الحكومات، وفي حالة فشل سياسة الجزرة تلجأ إلى عصا التهديد المبطن قبل الصريح، ثم تباشر في التدخل عن طريق عملائها في الداخل لإحداث حالة من عدم الاستقرار تبرر تدخلها المباشر “لحماية الديمقراطية” والشعب من استبداد “حكم الطغاة” أو عن طريق الدفع بالبلاد نحو حروب أهلية من أجل زعزعة الوضع والاستقرار قبل قلب نظام الحكم، لاستعادة نفوذها واستدامة استنزافها لخيرات تلك الدول أو إرغامها على الخضوع لكي تضل أداة في خدمة إستراتيجيتها، وتحقيق مزايا لا تستطع تحقيقها في ظل أنظمة لا تخضع لها ولا تحتاج إليها لبسط نفوذها أو الاستقواء بها ضد شعوبها.

ونضرب أمثلة على ذلك، التدخل الأمريكي في القارات الأربعة (يُحصي الخبراء ما لا يقل عن 70 تدخل مباشر أو غير مباشر عبر العالم)، في كل مرة لقلب أنظمة لا تخدم مصالحها ولا تخضع لنفوذها فتصنفها”مارقة”،لتبرير تدخلها في شؤونها، على غرار قلب نظام أليندي المنتخب الشرعي في تشيلي وفرض بدله الدكتاتور العسكري بينوشي؛ محاولة إعادة مرة ثانية فرض شاه إيران بعد الثورة الإيرانية في 1979 (المرة الأولى كانت بقلب نظام مصدق في 19 أوت 1953 عن طريق وكالة الاستخبارات الأمريكية وتكريس حكم الشاه)؛ أو محاولة محاصرة كوبا طيلة عقود لقلب نظام كاسترو دون جدوى(ما يعرف بإنزال خليج الخنازير  (1) في 17 أبريل 1961، عندما حاولت الولايات المتحدة دعم مناوئين كوبيين للنظام، ومساعدتهم على الاستيلاء على الحكم، باءت هذه العملية بفشل ذريع)؛ أو محاولة قلب نظام شافيز في فنزويلا مرات عدة؛ ومحاولاتها المتكررة في قلب النظام في تركيا (خاصة 2016) وتحريضها على ماليزيا إلخ، الملاحظ في جميع هذه الدول، أن ما أغضب الولايات المتحدة (والعالم الغربي عموما) أنها تسعى إلى ترسيخ استقلاليتها عن نفوذ القوى الاستعمارية، وبناء دول قوية ذات سيادة فعلية، لا تقوم على استجداء “حماية” القوى العظمى. وفي جميع هذه الدول وبدون استثناء، كان الدافع الأساسي للتدخل الخارجي قلب أنظمة قوية بشرعية شعوبها وتدافع عن مصالحها بقوة ولا تسمح للقوى العظمى بفرض شروطها عليها. ومثلما أشرنا إلى النموذج الأمريكي في القارات الأربعة، يمكننا الإشارة إلى عدة أمثلة للتدخل الفرنسي السافل في القارة الأفريقية على وجه الخصوص.

ثانيا،هناك التدخل الخارجي، لدعم الأنظمة الدكتاتورية في العالم وخاصة في الوطن العربي، بكل ألوانها، سواء كانت أنظمة علمانية متطرفة أو عسكرية انقلابية أو حتى إسلامية “سلفية”، يكون العامل المشترك الأساسي في التدخل، أن تضمن هذه الأنظمة للطرف الأجنبي المتدخل مصالحه غير المشروعة، أي بمعنى آخر، استنزاف موارد تلك الدول على حساب حاجيات شعوبها ومصالحهم المشروعة، مصالح تضمنها لهم هذه الأنظمة الفاقدة للشرعية بشكل لن تحصل عليها في ظل أنظمة ديمقراطية شرعية، ورأينا كيف كان التدخل سافرا على مرّ عقود دعما للأنظمة العربية المستبدة، بكافة الوسائل، دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا، لكسر شوكة الشعوب وحرمانها من حقها في التحرر من هيمنة وجبروت حكامها. تقوم هذه الدول الغربية بمثل هذه التدخلات التي تنتهك كافة الحقوق والأعراف، ضاربة عرض الحائط كل مزاعمها حول دعم انتشار الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات. نكتفي ببعض الأمثلة عن ذلك:

فرنسا، بلد “إعلان حقوق الإنسان والمواطن”، دعمت تونس في أعز نظامها الإجرامي، في عهد المقبور زين الدين بن علي، وكان الرئيس شيراك يصف تونس بنموذج الديمقراطية في العالم العربي، عندما كانت تونس عبارة عن سجن مفتوح، يعتقل فيه الآلاف بغير جرم، وتنهك فيه كافة الحقوق، حتى انكشفت أهواله بعد ثورة الياسمين 2011 واضطر المخلوع على الفرار واللجوء إلى…بلد الحرمين،وحتى أثناء ثورة الشعب التونسي، عرضت الوزير الفرنسية أليو ماري، تقديم خبرة بوليسها لمكافحة شغب الشعب التونسي.

ولنا أيضا في مثال دعم فرنسا (وأمريكا وكافة الدول الغربية تقريبا) للنظام السعودي، رغم ارتكاب هذا النظام كل الجرائم التي تدعي فرنسا محاربتها وانتهاك كل الحقوق التي تدعي حمايتها، من سجن وتعذيب واغتيال المفكرين والصحفيين والعلماء والنساء دون أن نرى أي موقف حقيقي من فرنسا أو غيرها لإدانة هذه الوحشية ومحاصرتها أو مساءلتها، بل تستمر كافة الدول في إبرام الصفقات بملايير الدولارات دون وخز ضمير، وتستمر حتى بعدما اقترف النظام السعودي بأمر مباشر من محمد بن سلمان، جريمة نكراء أمام العالم، في تقطيع جسد صحفي (الشهيد جمال خاشقجي) داخل قنصلية آل سعود في اسطنبول،فرغم ثبوت الجريمة لم يدفع نظام آل سعود ثمن جريمته (بل ربما دفعها في شكل الرضوخ لمزيد من الابتزاز ومزيد من الصفقات لصالح هذه الدول) واستمرّ استقباله رسميا في كافة عواصم العالم الغربي، وكل ذلك لإبقاء وضمان استمرار تحكم نظام دكتاتوري مستبد يحقق لهم مصالحهم في حين تستمر معاناة الشعب السعودي المتضرر مرتين، أولا من استبداد محلي وثانيا من تواطؤ خارجي.

الأمر ينطبق على حالات كثيرة، مثل الدعم الغربي الفج للمجرم السيسي (ومن قبله لنظام مبارك) الذي قتل شعبه على المباشر بعد انقلابه الدموي على رئيس منتخب شرعيا وبرلمان منتخب، وسفك دماء المئات من الأبرياء واعتقال عشرات الآلاف وتعذيب واختطاف الآلاف دون أن ينبسوا ببنت شفة تجاهه واستمر هو الآخر يصول ويجول في عواصم هذا العالم الغربي “الحريص على الحريات والديمقراطية” مثلما يسوّق لنفسه في تصريحاته، وخاصة إعلاميا.

طبعا لا يفوتنا التذكير بالتدخل الفرنسي في الجزائر منذ تنصيب عناصرهم من دفعة لاكوست )بلخير، نزار، غزيل، تواتي، قنايزية …) (2) إلى يومنا هذا، ونذكر على وجه التحديد الدعم الفرنسي الرسمي للانقلابيين في إجهاض انتخابات 26 ديسمبر 1991. رغم ادعاء الانقلابيين أن العالم تواطأ عليهم ودعم الإرهاب بسكوته، كل الأدلة تؤكد أنهم حصلوا على كافة أوجه الدعم لاسيما من بعض الدول العربية، السعودية على وجه الخصوص، مثلما كشفه نزار في مذكراته، التي قال فيها أن السعودية أمدت النظام بمليارات الدولارات عندما كان في ضائقة مالية في تلك الفترة، لكن أكبر دعم جاءهم من فرنسا، عندما وجد الانقلابيون أنفسهم معزولين دوليا نظرا لعدم رغبة العديد من الدول أن تبدو مساندة للانقلاب، فكانت فرنسا بالتحديد الركن الركين، وأكبر داعم لهم على كافة المستويات، عكس ما ادعاه الانقلابيون آنذاك، لتسوّق صورة العدو اللدود للقوى الاستعمارية (لعلمهم مدى حساسية المواطن إزاء المستدمر الفرنسي)، ومارست فرنسا ضغوطات هائلة على المستوى الأوربي، وفرضت على المؤسسات المالية قرض النظام الجزائري، فضلا عن الدعم الدبلوماسي الكاسح لكسر الحصار عنهم، ووقفت في وجه كل المطالب بإنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في جرائم العشرية، وأجهضتها مخافة افتضاح تورط نظرائهم في السلطة، وتحت غطاء مساعدتهم على محاربة الإرهاب، أمدتهم بعشرات الطائرات المروحية من نوع سناجب (3) استخدموها لقصف القرى والجبال وقتل العشرات من العزّل، عندما كان يُفترض فرض حظر على بيع الأسلحة لنظام يقتل شعبه. وشمل الدعم الفرنسي لجنرالات الانقلاب التغطية على جرائمه بحق آلاف الضحايا سواء من معتقلين أو معذبين أو مختطفين أو مغتالين، على غرار التستر على عملية الاختطاف المزيفة التي تعرض لها ثلاثة موظفين فرنسيين في قنصلية بلدهم في الجزائر، الزوجان ثيفنوا وألان فريسيي (4) في 24 أكتوبر 93، عملية نُسِبت للجيا (الجماعات الإسلامية المسلحة) في حين صرح المختطفون لاحقا أن كل الدلائل والملابسات تبين أن مختطفيهم كانوا رجال من المخابرات الجزائرية وأن حتى عملية الإفراج عنهم كانت مدبرة من نفس الجهاز بحضور كاميرات الدولة لتصوير المشهد (5)، وقد أحرجت هذه التصريحات السلطات الفرنسية، فقامت فور عودتهم إلى باريس بنقلهم للعمل في قنصلية فرنسية في أحدى الجزر على بعد آلاف الكيلومترات (جزر فيدجي)، لكي لا يدلوا بأي تصريح أو شهادة عن قضية اختطفاهم وتورط المخابرات الجزائرية بتواطؤ فرنسي في العملية.

وبما يؤكد أيضا التدخل دائما لصالح العصب في الحكم، اعترف جان شارل ماركياني (6) مسؤول المخابرات الفرنسية، في حاور على قناة فرنسية،تدخل فرنسا الواضح في دعم إلغاء الدور الثاني في الانتخابات التشريعية بأمر من الرئيس فرنسوا متران نفسه، وتدخل شارل باسكوا،وزير الداخلية آنذاك (1993) دعما لنظرائه وأصدقائه الجنرالات اليناريين ورضوخا لمطالبهم، من خلال التضييق على المعارضين السياسيين في فرنسا وتنظيم حملات اعتقالات بالجملة في باريس وسجن البعض، ما عرف بقضية معسكر فولبراي (7) وترحيل العشرات الآخرين إلى بوركنا فاسو بعد تلفيق تهم ودس وثائق مزيفة في بيوتهم عبارة عن بيانات للجيا، فيما يعرف بعملية الأقحوان (8) تم حبك العملية للتستر وإتلاف كل الدلائل التي تبين تورط وتنسيق النظامين الفرنسي والجزائري في هذه العملية، عن طريق قاضي مكافحة الإرهاب  جان لوي برغيار وظلت الأمور متكتم عنها إلى غاية استبدل برغيار بالقاضي مارك تريفيديك الذي كشف أيضا تورط النظام الجزائري وتواطؤ نظريه الفرنسي في عملية اختطاف واغتيال رهبان تبحرين في 1996، دون أن ننسى عملية تفجير مترو باريس التي اتضح أنها من فعل عناصر مخابرات جزائريين، لإرغام النظام الفرنسي على مساعدة الانقلابيين بشكل أكبر، وكان عناصر أمنية فرنسيين كشفوا أنهم اشتكوا من تكاثر عناصر المخابرات الجزائريين في تلك الفترة في باريس بما أثار شكوكهم بل ومخاوف من عمليات “إرهابية” مرتقبة.

ودائما من جملة أنواع الدعم الفرنسي، استفاد النظام الانقلابي بخدمات مسؤولين سياسيين وأميين سابقين، كانوا من أشرس المدافعين عن نظام الانقلاب والترويج لبراءته حتى عندما تواترت الشهادات من أفراد داخل أجهزة الأمن والاستخبارات الجزائرية عن عمليات مموهة تورطت فيها هذه الأجهزة وأحيلت لجماعات إسلامية مزعومة (كشهادة العقيد محمد سمراوي في كتابه « وقائع سنوات الدم » (9) والنقيب حبيب سوايدية الملازم في القوات الخاصة في كتابه « الحرب القذرة » (10) ، إلى جانب شهادة الضابط في الاستخبارات عبد القادر تيغا وغيرهم). من بين هؤلاء المسؤولين الفرنسيين، وزير الداخلية الأسبق،جان بيار شيفنمون (11) ومسؤول المخابرات سابقا إيف بوني (12)، المعروفين بصداقة وثيقة مع الجنرالات وخاصة الجنرال سماعين، الذي جمعته علاقة أعمال مع إيف بوني، عن طريق شركة تملكها ابنتيهما، لاستيراد الأدوية من فرنسا إلى الجزائر.

شمل هذا الدعم أيضا، تجنيد مرتزقة القلم والفكر، من صحافيين أو مثقفين، من بينهم برنار هنري ليفي وأندري غلكسمان (13) الذين نظمت لهم جولات في العصمة وضواحيها تحت حراسة قوات الأمن، في محاولة من السلطة تبرئة نفسها من المجازر المرتكبة في سنة 97 و 98 ، راح ضحيتها الآلاف، على مسافة رمي حجر من ثكنات عسكرية، في عمليات إرهابية استمرت ساعات كاملة، وحامت حولها شكوك كبيرها، مثلما جاء في شهادة أحد الناجين من المجزرة، نصرالله يوس وألف بشأنها كتابا « منْ قتل في بن طلحة « ، فاستنجدت السلطة بهؤلاء المرتزقة الفرنسيين لنشر رواية الإرهاب الإسلامي وتصوير الجنرالات كمنقذين للجزائر وللجمهورية.

درجة تواطؤ وتدخل فرنسا لدعم النظام الجزائري وصلت إلى حد تضحيتها ببعض مواطنيها للتستر على جنرالات الانقلاب والحفاظ على حكمهم، مثل تكتمها على حقيقة التفجير الإرهابي لمترو أنفاق باريس سان ميشال 25 جويلية 1995 الذي أودى بحياة 8 مواطنين فرنسيين وإصابة 117، العملية التي ارتكبتها المخابرات الجزائرية لإرغام السلطات الفرنسية على دعم أكبر، وظلت القضية مغلقة إلى حين استخلاف القاضي مارك تريفديك القاضي جال لوي بروغيير، المقرب من قصر الإليزي. طبعا من نافلة القول أن الدول تبحث عن مصالحها ولا يهمها هوية أو نوعية النظام الذي تدعمه، طالما ينفذ أوامرها، وهذا الذي جعل فرنسا وغيرها تحمي كل عصابات الحكم في الوطن العربي أو غيره.

إلى جانب هذين الصنفين من التدخل هناك صنف ثالث يجمع بين الاثنين، تكون بدايته الإطاحة بنظام معين، ثم تعفين الوضع والدفع نحو عدم الاستقرار بل وأحيانا حروب أهلية، عندما تدرك أن البديل غير مؤكد بالنسبة لها، وقد يحمل معه مخاطر تهدد مصالحها، مثلما تبين عقب الثورات العربية، حيث تدخلت هذه القوى في أول الأمر للتخلص من أنظمة بائدة أصبحت تشكل عبئا عليها نظرا لثورة الشعوب عليها، وعلى مصداقيتها، كما هو الحال في ليبيا القذافي وسورية الأسد، ويمن علي صالح، لكن، ما إن أدركت أن البديل قد يكون شرعية شعبية وطنية حريصة على سيادتها وحماية خيراتها، انقلبت وزرعت بذور حروب أهلية، لتستمر في استثمار فزاعة الإرهاب والإبقاء على تواجدها لحماية مصالحها.

في الختام، هناك نقطتان هامتان، لا بد من تظل نصب أعيننا لكي لا ننخدع بأي مناورة.

أولها، في كل حالات التدخل الأجنبي، تكون الشعوب أكبر المتضررين فيها والأكثر معارضة لها، والثابت في كل هذه التدخلات، أن المستفيد الأول والأساسي، هو القوى المتدخلة، وحتى عندما تتدخل هذه الدول لصالح نظام معين أو قلب آخر لاستبداله بنظام عميل لها، ما يستفيد منه هذا النظام المحلي مجرد “استفادة جانبية”، ولن تترد القوى الخارجية أن تنقلب عليه دون أن يرف لها جفن متى تيقنت أنه لا يخدمها بما يكفي او أصبح يشكل عبئًا عليها، فتستبقه بعملية الإطاحة به لتستبدل بآخر، والنقطة الثانية، لتنطلي خدعة النظام الجزائري اليوم، في إشهاره فزاعة التدخل الأوروبي، لأنه اليوم مثل البارحة كان أول مستفيد من التدخل الخارجي بل ومستجدٍ له (بؤس استجداء بن صالح أمام بوتين لن تمحى من ذاكرة الشعب الجزائري لسنوات بل عقود من الزمن) لحمايته وضمان بقائه، مثلما بيناه أعلاه، واليوم مثل البارحة الواقع يؤكد أن النظام الجزائري المترهل يقدم كل التسهيلات والصفقات بالملايير لهذه الدول التي لن تجد أفضل منه، وهو ما يفسر سكوتها عنه طيلة 10 أشهر من حراك الشعب ولا تزال الأطراف الرسمية الفاعلة تدعمه وتقدم له كافة أصناف المساعدة، وتترك لبعض الجهات عديمة الأثر التظاهر وكأنها تدينه (مثل البرلمان الأوربي منزوع الأسنان)، في حملة “علاقات عامة”.

لكن ما يبدو أن النظام الجزائري لم يفهمه حتى الآن هو أن مواطن اليوم ليس مواطن البارحة، ولن ينخدع بفزاعة التدخل الخارجي، ولن يجدي السلطة توظيف هذه الورقة لصد الأنظار عن لب المشكلة وتعفين الوضع لترتيب أوراقها، وتستعمله اليوم على مقربة أقل من أسبوعين من مهزلة انتخاباتها، تستعمل هذه الورقة من جديد بعد أن فشلت في استعمال أوراقها المعتادة الأخرى، كإذكاء الأحقاد والنعرات العرقية ودق أسفين بين علمانيين وإسلاميين مزعومين.


 

2 Commentaires

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici