سلطة ضد الدولة وأمة تقاوم تفكيك الدولة!

0
1727

تعيش الجزائر في هذه الأيام حربا نفسية منظمة تستخدم كل الوسائل والأدوات لفرض اقتراع مرفوض شعبيا ويراد فرضه أمنيا وإداريا بشكل افتراضي، وفي هذه الحرب النفسية يتم نشر أخبار مكذوبة وإشاعات ودعايات، عن طريق أجهزة دعاية ساندت كل شيء، ووقفت مع شبكات مولتها الأوليغاؤشيا الموجود بعض رموزها بالسجن، وبعضها الآخر هارب إلى الخارج، وجزء منها لا يزال يمول الاعلام والحملة الانتخابية الجارية التي يطاردها الشعب في الشوارع والساحات والقاعات داخل الجزائر وخارجها.

من الكراهية ضد الإسلاميين إلى عنصرية « الزواف »

هذه الدعاية هي استمرارية لمسلسل بدأ قبل 22 فيفري، فبعض مدراء الأجهزة الاعلامية الذين استفادوا من ريع المال العام وساندوا انقلاب جانفي 92 ومارسوا الكراهية باسم الحداثة ضد الإسلاميين وضد موقعي العقد الوطني، وصفقوا لكل الشبكات و العصب، كتبوا عشية 22 فيفري الماضي افتتاحيات تراوحت بين وصف الداعين للتظاهر رفضا للخامسة بالأيادي القذرة، وبعضها حاول تقزيم التظاهر في يومه الأول وبعضها مارس التعتيم والتضليل، وبعد إقالة أو استقالة بوتفليقة خرجت العديد من الأجهزة الإعلامية والحزبية وحملة الشهادات الجامعية في حملات كراهية من أجل فرض ورقة طريق عنوانها « الشعب يفوض الجيش »، ومن أجل الوصول لذلك تمت ممارسة التضليل والتشويه والتشكيك والتخوين، بل ونزع الوطنية عن عدة أسماء في الساحة واتهامها بالعمالة للخارج، ولم يسلم من الحملة حتى السجين المجاهد لخضر بورقعة الذراع الأيمن للشهيد جيلالي بونعامة، والأخطر في كل هذه الحملة هو انخراط حملة الشهادات الجامعية في حملات كراهية وعنصرية وجهوية من استديوهات القنوات التلفزيونية العامة والخاصة، والمستهدف لمنطقة بذاتها، وكان عنوان ذلك « الزواف »، بل وذهب الأمر إلى النبش في التاريخ ومحاولة إيجاد ما يمكن من أجل تبرير مواصلة نظام مات تاريخيا وأصبح يشكل خطرا على الأمة وعلى الدولة وعلى وحدة النسيج الاجتماعي، بل وخطر حتى على الأشخاص الذين يتحكمون في صناعة القرار في أجهزة السلطة.
ومنذ اندلاع الثورة السلمية في 22 فيفري عاد المتاجرون والناقمون والكارهون والمريدون إلى استغلال مؤتمر الصومام، بل وحتى اتفاقيات ايفيان للتموقع سياسيا، ولتخوين من شارك في الحدثين التاريخيين، وقد شارك في هذه العملية بعض حملة الشهادات الجامعية وبعض القيادات الحزبية من المتشدقين بالوطنية والمتاجرين بالإسلام، وبعض تجار الأدلجة البعثية العنصرية الذين يجهلون حتى فكر البعث في طوبويته الايديولوجية، وكل هؤلاء يعودون في كل مرة للتعبير عن معارضتهم للصومام ولايفيان ،في محاولة لإيجاد تأسيس تاريخي لمواقفهم السياسية المؤيدة للعسكرة، وهو موقف حامل للكثير من المغالطات، وأولها أن هؤلاء قد يجهلون أو يتجاهلون أن غالبية الذين حضروا المؤتمر كانوا من العسكريين ولم يكونوا من السياسيين، كما أن الميلاد التنظيمي والسياسي لجيش التحرير كان في الصومام، وهي أكبر « شتيمة » توجه لضرب الجيش الجزائري في تأسيسه التاريخي، خاصة وأن هذا الفريق في كل مرة يتخندق فيها مع خط العسكر، لا يتردد في تكرار عبارة « الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير »، كما أن البعض لا يخفي عداءه للمؤتمر بكل جهل ووقاحة بسبب مكان انعقاده، والبعض الآخر – كما هو حال أحد المرشح عبد القادر بن قرينة مثلا – لم يتردد في التلفزيون العمومي للقول بأنه نوفمبري وليس صومامي، وهو يجهل وهو الطامح للرئاسة والمدافع عما يسميه بالخيار الدستوري أن هذا التصريح هو خرق للدستور في ديباجته ولمواثيق الثورة المؤسسة للدولة الوطنية.

وزراء الكراهية وأمة الوطنية

أمام خطابات الكراهية التي أججتها أبواق مغامري السلطة والمطبلين لهاـ انتهت بتصريحات خطيرة لوزير الداخلية الذي رمى الجزائريين والجزائريات بالخيانة للوطن، بل ونفى عنهم جزائريتهم، ناهيك عن الشتائم التي تخدش الحياء العام ولا تصدر حتى عن مراهقين منحرفين.
واصل الجزائريون والجزائريات منذ 22 فيفري رحلة المطالبة بإعادة استرجاع الاستقلال المصادر، وواجهوا خطابات الجهوية والتأجيج والوصم ضد منطقة بعينها، بشعارات قوية ترجمت إرادة الأمة في مواجهة خطابات الفرقة بالوحدة، وخطابات الأحادية بقبول التنوع، وتهم العمالة بالتهكم والسخرية والعودة لصور الإهانة التي تعرضت لها الجزائر في سوتشي أمام الرئيس الروسي بوتين، كما أعطى الشعب في مظاهراته وشعاراته أعظم صور الاعتراف في مواجهة الانكار، وتحمل كل تاريخ الجزائر بكل محطاته من نوفمبر إلى 19 مارس، إلى 5 جويلية وإلى 20 أوت بأحدث الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام، ولم يسبق للجزائريين والجزائريات ان احتفلوا بأعيادهم الوطنية وافتخروا بها كما يحدث منذ انطلاق هذه الثورة السلمية.
الأمة الجزائرية في ثورتها هذه تريد أن تعود إلى صناعة التاريخ، لأن منظومة الحكم التي بنيت على الاقصاء والأحادية واحتكار الحقيقة والوطنية والسلطة والثروة، أخرجتها منه، وهذه الأمة ترى بكل أسف أنها في آخر الترتيب في كل مؤشرات التنمية، بل وهي خارج ثورات القرن الحالي واقتصاد المعرفة والحروب الرقمية التي جعلت بعض منصات التجارة الالكترونية تعمل برقم أعمال وأرباح أكبر وبعشرات المرات الدخل الوطني للجزائر.
وأمام كل هذه الطموحات وهذا الإصرار لإعادة بعث الأمة الجزائرية تريد السلطة الفعلية التي فرضت كل الرؤساء أن تفرض مهزلة انتخابية دون ناخبين وبمرشحين صنعتهم منظومة الولاء والفساد والاستبداد، بل وهي تضع حتى النسيج الاجتماعي وتغامر بالوحدة الوطنية من أجل استمرارية منظومة ماتت تاريخيا، وأصبحت قاتلة، بل وهي تهدد وجودية الدولة.
رفض الاقتراع من الجزائريين والجزائريات في الداخل والخارج، يترجم حجم المغامرة بل والانتحار السياسي لسلطة أصبحت ضد الدولة ومنطق الدولة وثقافة الدولة، في مواجهة أمة تريد حماية الدولة من التفكك، لأن المخاطر لا زالت موجودة والذي لا يراها إما جاهل أو مغامر، أو مكلف بمهمة، ولذلك فعلى رجال السلطة أن يفهموا هذه اللحظة التاريخية،
كما أن الطاقم السياسي والنخب الجامعية والثقافية، عليها أن تعي أن السكوت أو المناورة أو مواصلة الحسابات الحزبية الضيقة وتموقعات الأفراد والاستمرار في ممارسات الولاء للأشخاص هو تواطؤ في مؤامرة تفكيك الدولة وسيكتب التاريخ أن الأمة بقيت لوحدها تقاوم تفكيك الدولة من قبل رجال سلطة أنجبتهم منظومة حكم انتهت تاريخيا ولابد أن يبدأ مسار بناء الدولة التي تحافظ على استمرارية الأمة بعيدا عن كل المغامرين والمناورين والمنتفعين الذين مارسوا الولاء والفساد بفضل منظومة الاستبداد.
الجزائر الجديدة التي تطمح لها الأمة لا يجب ان تنتج الاقصاء ولا الكراهية ولا العنف، فلا يمكن بناء وانقاذ الجزائر بطرف ضد طرف، ولا شخص ضد شخص آخر، ولا جماعة ضد جماعة، ولا تيار ضد تيار، ولا انتماء ضد آخر، فوحده التوافق التاريخي الذي سيكفل تنظيم تفكيك منظومة الفساد، وتغيير سلطة تهدد وجود الدولة، وحماية الأمة التي تقاوم بسلمية وبنفس طويل من أجل إنقاذ كيان الدولة من التهالك والتفكيك، فهل من منصت؟

الجزائر في 8 ديسمبر 2019
تحرير وتصوير رضوان بوجمعة

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici