من 9 فيفري 1992 إلى 9 فيفري2020.. « قانون القوة » الذي سجن القضاء ودمر الدولة!

0
2344
Redouane Boudjema

9 février,

الجزائر الجديدة 157

« قانون القوة » الذي سجن القضاء ودمر الدولة!

تحل اليوم الذكرى الـــ 28 لإقرار حالة الطوارئ التي رفعت بعد 19 سنة من ذلك التاريخ (فيفري 2011)، تحت ضغط رياح ما سمي إعلاميا بالربيع العربي، وهو ما لم يغير من الوضع شيئا، لأنه تم نقل الكثير من الأحكام السالبة للحريات الواردة في مرسوم الطوارئ إلى كل القوانين التي تم تغييرها وأعلن عنها بوتفليقة في خطاب مارس 2011 على أنها إصلاحات سياسية تهدف لتعميق الديمقراطية، والكل عرف بعد ذلك أن تلك الإصلاحات المعلن عنها لم تكن إلا خديعة في استراتيجية التسويق السياسي للبقاء في السلطة واستمرارية بوتفليقة والمنظومة التي جاءت ببوتفليقة.
09 فيفري 1992، كان موعدا لبداية الحرب ضد المدنيين، وتمرير كل مشاريع تفكيك النسيج الاقتصادي العمومي وتنظيم نقل الاحتكار نحو شبكات من رجال المال الخواص، والذين سلمت لهم الشركات العمومية التي تم تدميرها بمقابل عملهم على دعم الأجهزة السياسية والإعلامية والجمعوية… التي أيدت انقلاب جانفي 1992، كما تمت تحت مبرر مكافحة الإرهاب من أجل إخفاء كل التجاوزات من الاختطافات والاغتيالات خارج القانون، والتعذيب وفتح المحتشدات في الجنوب لآلاف الجزائريين، وكل هذا تم بعمل ممنهج مُنع عبر الجزائريين والجزائريات من ممارسة السياسة بالترهيب والتخوين والتخويف والقتل… وهي السياسة التي لم تتوقف في غالبية أدواتها وإلى غاية اليوم.

القضاء والاعلام في خدمة منظومة القمع وسلب الحريات

العامل المشترك بين فيفري 1992 وفيفري 2020، هو استمرار الأجهزة القضائية والإعلامية في خدمة منظومة القمع وفي الدعاية للسلطة وتبرير العنف والقمع وممارسة الحكم خارج القانون. فما حدث في التسعينيات كان بكل المقاييس استخداما للقضاء الذي كان ينفذ سياسة القمع وسلب الحريات، ويرفض حتى دعاوى المتقاضين الذي كانوا يشتكون من التعذيب والاختطاف والقتل خارج القانون، ثم يأتي الاعلام بعد ذلك في حملات كذب وكراهية يقوم فيها بنشر الأكاذيب حول الضحايا والفاعلين السياسيين الذين ينتقدون سياسات السلطة، وهو ما يستمر إلى اليوم، كما يقوم بتسويق خطاب كاذب مفاده « لا تعليق على أحكام القضاء »! وكأن القضاء مستقل ولا يخضع لأي ضغط!
وهو ما برز اليوم كذلك وأنا أنتقل بين محكمتي الدار البيضاء وسيدي امحمد، حيث حضرت جلستين، نهاية الجلستين كانت بنتيجة واحدة وهي التأجيل، فرغم اختلاف نبرة كلام وكيلة الجمهورية للدار البيضاء ووكيل الجمهورية لمحكمة سيدي امحمد، فالتأجيل كان حاضرا في قضية فضيل بومالة (يوم 23 فيفري 2020 ورفض الافراج عنه)، وتأجيل الحكم في قضية كمال نميش إلى غاية 23 فيفري كذلك، رغم أن وكيل الجمهورية التمس البراءة، فلماذا التأجيل؟ ولماذا 23 فيفري أي بعد مسيرات الذكرى الأولى لثورة 22 فيفيري؟!
وكيلة الجمهورية في الدار البيضاء كانت تستمع لهيئة الدفاع التي أبطلت بالحجة القانونية تهمة « المساس بالوحدة الوطنية » في حق بومالة، وهو الأمر ذاته الذي فعله وكيل الجمهورية الذي وقف على مسافة واحدة مع هيئة الدفاع، وأكد في الوقت نفسه على عدم استقلالية القضاء بقوله: « أنا اتحمل المسؤولية بصفتي ممثل الحق العام وأرفض التعليمات والمذكرات الفوقية، التي تأتي من الفوق، وتجسيدا لمبدأ استقلالية القضاء، أطلب تطبيق القانون في حق هؤلاء، النيابة تلتمس البراءة »، وهو تصريح يؤكد وجود قضاء الأوامر مما يضع زميلته في الدار البيضاء في قفص الاتهام، والتي اكتفت في تصريحها بالقول: « أرفض طلب الإفراج »، رغم أنها استمعت إلى دروس قانونية تخبرها أن الحبس المؤقت استثناء وليس قاعدة وبأن الوقائع الموجودة في الملف لا تفرض سلب الحرية.
ما حدث في سيدي امحمد والدار البيضاء وفي محكمة برج بوعريج اليوم، كلها مؤشرات تبين أن جهاز القضاء غرق بسبب استخدامه كجهاز قمع لسلب الحريات، وهو ما أكده المحامون والمحاميات اليوم، وأظهره القضاة عبر قرارات التأجيل المرتبطة بمواعيد سياسية واضحة، وهو ما حول القضاء إلى أداة متقدمة في تبرير وفرض سلب الحريات، ومعركة الحريات هي أم المعارك التي انطلق منها الحراك الذي يريد تحرير الانسان والمجتمع من أجل بناء دولة الحق والقانون، الدولة التي يتم فيها اتخاذ القرار داخل المؤسسات، والتي تفرض حق المواطن في المساءلة وحق المساواة أمام القضاء دون تمييز ولا ضغط ولا هيمنة من أي جهاز كان، وهي مسألة لن تتحقق إلا بتغيير شامل لمنظومة الحكم، منظومة قامت على العنف والاقصاء والكراهية، منظومة طبقت سياسة القوة، وهي السياسة التي أنتجت الدمار وأصبح استمرارها يهدد وجود الدولة ككيان قانوني وجغرافي.

الجزائر في 9 فيفري 2020
تحرير وتصوير رضوان بوجمعة

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici