« الصحافة ».. رهينة المصالح المالية والقرارات البيروقراطية

0
339
Redouane Boudjema

4 h · 

الجزائر الجديدة 184

أصدر ما يقارب مائة صحفي، أمس، عريضة نددوا فيها بما اعتبروه تضييقا جديدا من وزير الاتصال ضد حرية الصحافة، معربين عن رفضهم لما قالوا « أنه محاولات وزير الإتصال التدخل المباشر في عمل الصحفيين وفرض إملاءات فوقية لما يصح كتابته وما لا يجب نشره »، كما أعلن الموقعون عن تضامنهم المهني والمبدئي مع » جريدة ليبرتي ».
عريضة الصحفيين لم تجد لها اثرا في الصحف وفي غالبية وسائل الإعلام، رغم أن بيان الوزير الذي كان ردا على ما نشرته صحيفة بعينها، تنافست كل العناوين على إصداره، غير أن الأغرب في كل هذا ما حدث اليوم، حيث أن عريضة التضامن مع صحفية « ليبرتي » لم تصدر حتى في الصحيفة المعنية بالتضامن والتي يديرها حسان وعلي منذ مطلع أفريل الماضي، وهو ما يثير أكثر من تساؤل حول أسباب عدم نشر هذه العريضة التي لا يمكن إلا أن تكون في خدمة صحيفة تمت مهاجمتها، من قبل وزير القطاع، بل قد يكون إشهارا مجانيا للصحيفة ويمكن لهذا التضامن أن يضفي عليها حتى بعض المصداقية لدى الجمهور؟ فماذا حدث بالضبط؟ وما علاقة هذا بمالك الصحيفة رجل الأعمال اسعد ربراب فيما حدث؟ فهل تدخل الرجل من أجل رفض أي تصعيد ضد الوزير؟ أم انه لم يكن حتى بحاجة لذلك لأن مدير التحرير يعرف ما يفكر فيه المالك الذي أعطاه التوجه الجديد للصحيفة منذ أن قرر تعيينه؟ وهل عدم نشر عريضة الصحفيين الهدف منه إرضاء الوزير فقط، ام الاستمرار في دعم تبون الذي سبق للصحيفة أن نشرت مواضيع مؤيدة له؟ وهل يمكن فهم ما حدث دون العودة لتاريخ هذه الجريدة وعلاقة مالكها وخطها الافتتاحي بشبكات منظومة الحكم؟

ربراب من « ليبرتي » الخادمة لسعدي إلى الداعمة لتبون ..

جريدة « ليبرتي » التي تأسست في 27 جوان 1992، مرت بمراحل عديدة، كل مرحلة كانت تعبر عن انشغال مالكها باستغلال الجريدة كدعامة تأثير بما يخدم مصالح مجمعات ربراب الاقتصادية، وليس سرا لا داخل قاعة تحرير ليبرتي ولا خارجها، أن يد سعيد سعدي والأرسيدي لم تكن بعيدة عن الخط الافتتاحي للصحيفة، ولا شبكات سعيد سعدي في تعيين أغلب مدراء التحرير والنشر الذين تعاقبوا على الجريدة منذ أن كانت في شارع العربي بن مهيدي إلى أن استقرت ف مقرها الجديد بالعاشور، وفي كل مرة كان الخط الافتتاحي مرتبط بمصالح ربراب الاقتصادية والتي كثيرا ما كانت تتناغم مع شبكات سعيد سعدي داخل منظومة الحكم، وعلاقة هذه الشبكات في الوقت نفسه مع استثمارات ربراب وتمكنه من استغلال النفوذ للحصول على أكبر قدر ممكن من القروض والعقارات والصفقات.
ولذلك مثلا، وقفت الجريدة ضد حكومة الراحل بلعيد عبد السلام، التي عيّنت في عهد علي كافي مباشرة بعد اغتيال محمد بوضياف، رغم أن الجريدة كانت موالية للخط العام للسلطة مع تأييد سعيد سعدي لوقف المسار الديمقراطي في جانفي 1992، لكن ربراب كان في شبكات الجنرال تواتي التي كان فيها سعيد سعدي، ولان السياسة الاقتصادية لبلعيد كانت تؤسس لاقتصاد حرب، اقتصاد يتعارض بشكل مطلق مع مصالح اسعد ربراب وأهدافه، ولذلك كانت حكومة بلعيد محل حملة واسعة من قبل بعض الصحف الخاصة وعلى رأسها ليبرتي، وكان لهذه الصحف ما أرادت الشبكات التي كانت تحركها وهو إسقاط حكومة بلعيد عبد السلام في 21 اوت 1993.
ليبرتي وقفت وتبنت غالبية مواقف سعيد سعدي إلى غاية 2004، حيث أن ربراب بعدما ايد تعيين بوتفليقة في الحكم سنة 1999، والتحاق سعدي به والذي كان يسميه « صديقي بوتفليقة »، ذهب مالك ليبرتي لتأييد علي بن فليس وسعيد سعدي في اقتراع 2004، وكان متيقنا من أن أيام بوتفليقة معدودة لان الرجل كان يرى أن تاييد محمد العماري لعلي بن فليس وتأييد تواتي له ينذر بنهاية وزير خارجية بومدين في قصر المرادية وهو ما لم يحدث لأن سلطة الإدارة وجهاز الاستخبارات كانت على غير خط محمد العماري.
بعد هذه الصدمة وتثبيت بوتفليقة في الحكم، بدأت البرودة وحتى الحرب تشتعل بين اسعد ربراب وعبد العزيز بوتفليقة، وراح ربراب يبحث عن وسيلة لاذابة الجليد، فكان أن عين مسؤول الأمن في مجمعات سفيتال في نهاية 2005، والذي لم يكن سوى ذلك الضابط المسؤول عن الصحافة في جهاز الاستخبارات وهو الراحل الحاج الزوبير، وهو الذي وقف وراء تعيين مدير تحرير ليبرتي منير بوجمعة بغرض واضح وهو تقليص نفوذ خطاب سعيد سعدي في قاعة التحرير، مع توظيف صحفيين جدد يحسنون العلاقات مع مصالح قصر المرادية، وعن هذه الفترة كان الكثير يتحدث بتهكم كبير إن « ليبرتي تحولت إلى نسخة عن جريدة المجاهد الحكومية ».
وحتى لا نغرق القارئ في الكثير من التفاصيل التاريخية، فإنه من الضروري التوضيح أن ربراب واصل تأييده لبوتفليقة، رغم العراقيل التي تعرضت لها بعض استثماراته، وبعد ان حفظ درس 2004 ساهم ماديا وإعلاميا في حملة بوتفليقة سنة 2009، لكن بوتفليقة و شبكاته لا تنسى، وعملت هي الاخرى على خلق جيل ثاني من رجال الأعمال لمنافسة جيل التسعينيات الذي كانت شبكاته من الذين فرضوا بوتفليقة في الحكم سنة 99 وايدوا بن فليس في 2004، لتبدا مشاكل ربراب مع هذه الشبكات قبيل اقتراع 2014، لتزداد تعقيدا سنة 2015 وما بعد 2015 ، وهي الفترة التي حاول فيها ربراب اقتناء جريدة الخبر، وكان مدير الجريدة عبروس اوتدرت الوسيط لدى صديقه حميد قرين وزير الاتصال، وعلى الرغم من ان هذا الاخير قال له ان الرئاسة لن تسمح بهذه الصفقة إلا انه قال غير ذلك لربراب، وفي السنة نفسها يبعد توفيق مدين على رأس جهاز الاستخبارات، ويقال بعدها عبروس اوتدرت من على راس ليبرتي سنة 2018 خاصة و ان الجريدة بدأت تخسر جزءا من رأسمالها واستمرت هذه الخسارة بشكل مثير من 2016 إلى 2020.

ربراب من ثوب الضحية إلى التحالف مع قصر المرادية

عادت يد سعيد سعدي على الأقل من الناحية السياسية بعد تعيين سعيد شكري ورابح عبد الله المقربون من الأرسيدي على راس الجريدة، في الوقت الذي كان ربراب يبحث فيه عن مؤيدين له وهو الذي كان يظهر في ثوب الضحية، وقد وصل به الأمر في ماي 2016 للقول بانه يتعرض للتضييق لأنه « قبائلي »، وهو تصريح آثار الكثير من السخرية حتى في منطقة القبائل، لكن ربراب استخدم هذا الخطاب لأنه نجح في الحصول على تأييد نواب من الأرسيدي ومن بعض المنشقين عن الافافاس ومن جمال زناتي وغيرهم من نشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية، الذين نظموا مسيرات في بجاية للمطالبة بإطلاق ما أسموه بمشاريع ربراب في المنطقة.
واستمرت مشاكل ربراب مع شبكات بوتفليقة، إلى أن بدأت تبرز مؤشرات إعلان بوتفليقة ترشحة للعهدة الخامسة، فراح ربراب يستخدم ليبرتي للدعاية لترشح الجنرال المسجون لغديري، والذي كان من الواضح أنه كان يلقى تأييدا من دوائر الأمن المغضوب عليها.
قدم ربراب للجنرال علي غديري دعما ماديا، وإعلاميا وأعطى له فيلا من فيلاته لاحتضان مداومته، وما أن انطلق الحراك، استغل ربراب الوضع، وحاولت جريدة ليبرتي لعب دور تمثيل الدعاية للحراك و هي في الحقيقة دعاية لأجندات ربراب و مصالحه،، و قد كانت تضره اكثر مما تخدمه في الكثير من الاحيان ، وهو الأمر الذي استمر إلى اعتقاله في نهاية أفريل 2019، بتهمة تتعلق بتضخيم الفواتير، ليطلق سراحه في آخر يوم من سنة 2019.
ربراب وهو في السجن، عانت فيه جريدته من ضغوط عديدة، بسبب ارتباط إدارة تحريرها بسعيد سعدي وبالجهات التي كانت لها حسابات شخصية مع قايد صالح، وبعض المشاكل التي حدثت بين المسؤول الأول للجريدة وأحد أبناء اسعد ربراب، وهو عمر ربراب ، والذي فتحت له قناة « الحياة » التلفزيونية المجال للحديث عن الضغوط التي يكون قد تعرض لها ربراب في عهد بوتفليقة، وعن سوق السيارات وهيونداي وكيف اخذها طحكوت في مكان ربراب، وقضايا اخرى، وهو الحوار الذي كان غير بعيد عن اتصالات كانت قد بدات من أجل اطلاق سراح ربراب، والتفكير في تغيير خط الجريدة ومسؤوليها، ومباشرة بعد مغادرته سجن الحراش، باشر ربراب اتصالات عديدة من أجل تغيير قيادة الجريدة، وهي اتصالات أفضت إلى تعيين مدير التحرير دون تعيين لمدير النشر، وقد أعطى ربراب تعليمات لمن عينه بأنه لا يريد جريدة تنتقد تبون، لأن « تبون حسبه منتخب ولا يهم كيف انتخب »، وهو العهد الذي بدأ بتحرير مقالات في هذا الاتجاه، ولذلك لا يمكن فهم بيان عمار بلحيمر إلا من منطلق تذكير الوزارة لربراب بالتزاماته مع الرئيس، واحجام ليبرتي عن الرد وعن نشر عريضة الصحفيين للدفاع عن المهنة وتأييد الجريدة، إلا من منطلق أن ربراب رجل أعمال يمثل مصالح ولوبيات اقتصادية، وتبون أعرب في خطاباته أنه مع دعم رجال الأعمال الذين لا يخلطون بين المال والسياسة، وهي رسالة وصلت ربراب جيدا، وربراب يعرف أكثر من غيره أن المال لا رائحة له، وبأن الصحافة بالنسبة له لا تعني شيء إلا دعامة للتأثير وصناعة اللوبيات، وهو أمر لا يقلق تبون ولا غيره، ما يهم بالنسبة للجميع هو المحافظة على الوضع الراهن، لأن الوضع الراهن هو الذي سمح لربراب بأن يملك امبراطورية اقتصادية، وهو الذي مكن تبون من دخول القصر، ولن يكون ذلك إلا بالاستمرار في إضعاف الصحفي والصحافة والمجتمع، لأن القرارات الادارية واللوبيهات الاقتصادية تكره كل سلطة مضادة، وهي ترى أن الصحافة هي الاتصال والدعاية لا غير، و كل هذه المعطيات و الطرق و المسارات الملتوية و التشجنجات تبين بما لا يدع مجالا للشك ان تسيير المنظومة و طريقة عملها لم يتغير وهو باق يجدد و يلمع بعض الواجهات و لكن يبقى العمق نفسه.

الجزائر في 12 جويلية 2020
رضوان بوجمعة

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici