« قصتي مع زغماتي و »أسرار الزوجين

0
827

Hamid Goumrassa
In Facebook

 في أحد أيام صيف 2009 جاءني بروتوكول النائب العام بالعاصمة بلقاسم زغماتي، إلى مقر « الخبر »، ليسلمني استدعاء كتب عليه « يريدكم السيد النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر لأمر هام ». الوثيقة عليها ختم وتوقيع المسؤول القضائي الذي كان هيلمانا بالعاصمة. مسؤول التشريفات قال لي: »لازم اليوم تجي عندنا حتى لو كان الوقت متأخرا.. المهم الشاف لازم يشوفك اليوم ».اتصلت بمحامي « الخبر » خالد بورايو وعرضت عليه ما جرى، فضرب لي موعدا بمجلس قضاء العاصمة لمرافقتي عند زغماتي. صعدنا إلى الطابق الثامن ، حيث يوجد مكتب النائب العام، بعد أن اجتزنا حواجز عديدة في طريقنا الطويل، بين شرطي وحارس خاص وموظف اداري وأعوان قسم البروتوكول. حكاية كبيرة هذاك النهار، وكنت أرى نفسي في السجن مباشرة بعد انتهاء اللقاء المحفوف بالمخاطر.
بعد فترة قصيرة دخلت مع المحامي إلى مكتب النائب العام. نظر زغماتي لبورايو وقال له: »لا داعي لحضورك أستاذ فالامر لا يتعلق باتهام الصحفي ». عاد المحامي أدراجه وبقيت وحدي يستفرد بي النائب العام. استفسر عن صحتي وأحوالي، وعينه مشدودة إلى 10 شاشات موصولة بكاميرات تعطيه نظرة شاملة على كل ما يقع داخل بناية حي رويسو وخارجها. مساحة المكتب لا تقل عن 80 متر مربع، أكثر اتساعا من شقة عدل F3 ، ومنه يظهر مشهد بانورامي للصابلات والبحر.وضع زغماتي فوق مكتبه مقالا، وقال لي: »هذا الموضوع كتبته أنت، يتضمن مذكرة بعثها السيد وزير العدل (الطيب بلعيز) للجهات القضائية وقد وصلت عندك قبل المعنيين بها، ماسبب لنا قلقا فأرجو أن تساعدنا ». الوثيقة، تتناول حدا أقصى مطلوب من القضاة عدم تجاوزه، بخصوص تأجيل الفصل في القضايا في مادتي الجزائي والمدني. وكانت المذكرة غير قانونية وتدخلا في عمل قضاة الحكم ومساسا باستقلالهم (نظريا)، وقد كتبت ذلك على ألسنة متخصصين في القانون.قلت للنائب العام: »واش المطلوب مني بالضبط ». ردَ علي: »عندنا مشكلة في ديوان الوزير، حيث تم تسريب المذكرة خارج الوزارة، وعلينا أن نجد من يقف وراء التسريب.. فكيف حصلت عليها؟ ». كان جوابي: »بفضل تواصلي في إطار مهنتي مع مشتغلين بقطاع القضاء ».
راح زغماتي يخوض في « ضرورة أن يتحلى الصحفي بالمسؤولية عندما يكتب »، وبأن « بعض المقالات قد تضرَ أكثر مما تنفع ». حكاية يهوى المسؤول الحكومي أن يرويها على سبيل إعطاء دروس في الوطنية ومصلحة البلاد، وقد أبديت اهتماما وأنا أهزَ رأسي، بسماع أطوراها. ثم أعاد طرح نفس السؤال: »كيف وصلت المذكرة إليك ». سمع مني نفس الجواب: »بفضل اتصالاتي بمنتسبين لقطاع القضاء ». لم أشعر بأنه يريد الضغط علي أكثر. وبعد حوالي 40 دقيقة من تحقيق غير رسمي، طلب مني مغادرة مكتبه « لكن إذا احتجناك سنطلبك من جديد ».بعد حوالي 10 أيام، جاءني شرطي من مجلس قضاء العاصمة ليبلغني شفويا بأن النائب العام يريدني وفي نفس اليوم. رحت إليه من دون المحامي هذه المرة. وقبلها كنت استشرت الصديق القاضي الجهبذ عبد الله هبول، الذي كان استقال حديثا من القضاء (أحد محاميي معتقلي الحراك حاليا)، فنصحني بأن لا أجيبه عن أي سؤال لان الأمر يتعلق بتحقيق إداري يجريه الوزير داخل أقسام ومصالح جهازه. وقال لي « إذا طلب منك زغماتي ان تبيعه المصدر، قل له إذا كنت متهما ما عليكم إلا أن توجهوا لي التهمة رسميا، لتأخذ القضية الإجراءات القانونية المعروفة وفي إطار قانون الاعلام.حفظت الجملة عن ظهر قلب، وسردتها على زغماتي في اللقاء الثاني. فطلب مني أن أقول هذا الكلام في محضر وأوقع عليه، ففعلت. ثم دعاني إلى مغادرة المكتب على أساس أن القصة انتهت.بعد شهر جاءني شرطي، هذه المرَة من محكمة سيدي امحمد، قال لي يطلبك وكيل الجمهورية وفي أقرب وقت من دون ذكر السبب.
استفسرت من أصدقاء في القضاء عن هذا القاضي، فقالوا أن اسمه « رشيد »، مختص في ملفات الارهاب وقبيح وحاجة خشينة. شعرت أن رأسي سيقطع لا محالة على يديه.دخلت عنده وكانت معه سكرتيرته في نفس المكتب.. طلب منها الخروج ليستفرد بي. أظهر لي نفس المقال وطلب مني المصدر. أعدت عليه نفس الكلام الذي سمعه مني زغماتي: »حصلت على المذكرة من مصادري الخاصة أستاذ، وإذا أنا متهم أرجو أن توجهوا لي التهمة بصفة مباشرة ». ردَ عليه بكلام عجيب وغريب. قال: »هل تعرف الخطيئة التي ارتكبتها؟ ما فعلته يشبه الأسرار التي يبوح بها زوج لزوجته في بيتهما، وقد استرقت انت السمع وأطلعت عامة الناس على أسرار الزوجية ». رديت عليه: »التشبيه لا يستقيم أستاذ في هذه الحالة، لأن كل ما يجري في وزارة العدل، التي يتقاضى موظفوها أجورهم من المال العام، هو شأن يخص الناس جميعا وبالتالي من حقهم أن يعرفوا كل ما يجري بها ». حدَق فيَ رشيد بعينية الخضراوين طويلا، كلامي لم يعجبه وطلب مني مغادرة المكان « ولكن إذا احتجناك نعاودوا نعيطولك ».
مرَ وقت طويل وما عاودوش عيطولي. وبعد سنة (2010) اتهمني قاضي التحقيق بمحكمة باب الواد بـ »إفشاء أسرار التحقيق » في حادثة اغتيال مدير الشرطة العقيد علي تونسي.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici