أخطاء رئيسية للنخب السياسية إثر الانفتاح السياسي(عام 1989)

1
443

ALGERIA – OCTOBER 09: Headquarters State In Algiers, Algeria On October 09, 1988. (Photo by Georges MERILLON/Gamma-Rapho via Getty Images)

محفوظ بـــدروني

(نائب رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد)

27 غشت(أغسطس) 2020

تمهيد:

لقد عرفت الجزائر انفتاحا سياسيا محدودا إثر الأحداث التي وقعت في شهر أكتوبر من عام 1988 تجلى ذلك بإقرار دستور جديد عام 1989 اعترف بالتعددية السياسية و الحزبية و لو باحتشام و أقر كذلك بالتعددية الإعلامية و لو تحت السيطرة و التحكم عن بعد. لقد كان هذا الانفتاح فرصة أضاعتها النخب السياسية و الفكرية بسبب جملة من الأخطاء أظهرت عدم كفاءتها في إدارة الصراع مع المنظومة الحاكمة التي كانت في حالة من الضعف و الهوان بسبب تراكمات سنين من الاخفاق في التسيير و فشل في إدارة الدولة بما يحقق مطالب وطموحات الشعب الجزائري.

الأخطاء الرئيسية للنخب السياسية:

و بعيدا عن البحث عن السباب النفسية و الشخصية لا سيما ما تعلق بالبحث و التحقق في صدق النوايا أو سوئها و بواطن الضمائر التي هي في علم الله يمكن إجمال الأخطاء الرئيسية للنخب السياسية  التي تصدرت المشهد السياسي بعد الانفتاح السياسي الذي وقع إثر أحداث أكتوبر من عام 1988 فيما يلي:

1°)- قبول أن تتولى السلطة القائمة تحديد معالم النظام السياسي الجديد: و تحديد حدود النقاش السياسي و إدارة المشهد السياسي بمفردها من خلال استفرادها بكتابة و صياغة و إقرار دستور جديد للبلاد في عام   1989 و إصدار مجموعة قوانين مختلفة لتنظيم الحياة السياسية و الإعلامية و الجمعوية و كذا إقرار قانون انتخابات و تعيين المشرفين على تنظيمها دون الاتفاق مع الفرقاء السياسيين أو استشارتهم.

2°)- عدم مطالبة رموز وأعوان النظام بالانسحاب من المشهد السياسي: وذلك من باب إيجاد مخرج أمن لهم بالنظر إلى ما سببه هؤلاء من كوارث في تسييرهم لشؤون الحكم و إدارة الدولة و هذا تطبيقا للقاعدة و المبدأ القائل أنّه « من كان سببا في الأزمة لا يمكن أن يكون سببا في حلها » و أكثر من ذلك القبول بأن يتولى هؤلاء إدارة المشهد السياسي و كأنّ شيئا لم يقع في البلاد.. إنّ هذا لأمر عجاب؟؟؟!!!!.

3°)- عدم مطالبة النظام بالاعتذار العلني عن ما ارتكبه من جرائم و انتهاكات لحقوق الإنسان: لا سيما و أن دماء ضحايا أحداث أكتوبر 1988 لم تجف بعد فكان لزاما من باب أخلاقي عدم مباشرة أية عملية سياسية حتى تتم محاكمة قتلة المتظاهرين السلميين و المصابين و المسجونين مع تعويض المتضررين  طبقا لأحكام القانون العام أو بإقرار قانون خاص « قانون العدالة الانتقالية ».. و إنّه لمن السخرية أن يقوم النظام المجرم خلال هذه الفترة بإصدار قانون يتم بموجبه العفو عن الذين خرجوا عليه و/أو ثاروا ضده.

4°)- الاحتكام إلى نظام غير شرعي بدلا من العمل على تفكيكه: حيث عمد الفرقاء السياسيون على العمل مع النظام القائم و الاحتكام إلى دستوره وقوانينه و تشريعاته و الاعتراف برموزه والتعامل معهم وكأن شيئا لم يحدث في الجزائر طيلة المدة التي حكم فيها الحزب الواحد أو بالأحرى منذ استولى الإنقلابيون العسكريون  وسيطروا فيها على الحكم بقوة الحديد و النار منذ 09 سبتمبر من عام 1962.. و هذا بدلا من العمل سويا و بالتوافق على تفكيك منظومة الحكم الاستبدادية و الفاسدة بل أكثر من ذلك رأينا أفرادا من « النخبة » و رموزا من « المعارضة » تتسابق على لقاء « أصحاب القرار » و منهم جنرالات و لا سيما قادة المخابرات، هذا الجهاز الذي ارتكب حتى قبل العشرية الحمراء انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وكان أداة وسوطا لخنق أنفاس الجزائريين و مطاردتهم و الزج بهم في غياهب السجون و المعتقلات.

5°)- عدم المطالبة بمرحلة انتقالية تقضي بزوال المؤسسات الموروثة عن نظام الحزب الواحد: إذ لا يعقل

أن تعتمد التعددية السياسية و منها التعددية الحزبية و تبقى الدولة مسيرة من قبل مؤسسات موروثة عن نظام الحزب الواحد و قوانين تمت المصادقة عليها من قبل برلمان الحزب الواحد حيث مازالت الكثير من النصوص القانونية – التي تم إقرارها خلال حقبة الحزب الواحد -لا سارية المفعول إلى يوم الناس هذا ؟؟؟!!!!. إن نجاح أية تجربة للانتقال الديمقراطي مشروط بالمرور بمرحلة انتقالية يتم خلالها تصفية تركة النظام الاستبدادي ومخلفات منظومة الفساد و إصدار التشريعات الخاصة بإدارة المرحلة الانتقالية تفضي في النهاية إلى إقرار دستور جديد. 

6°)- عدم التوافق على مضمون الاصلاح السياسي: حيث يلاحظ أن ما سمي أنذاك بالمعارضة أنها لم تجتمع مع بعضها و لم تفتح حوارات و نقاشات فيما بينها و لم تقم ببلورة أرضية مطالب تحتوي على مضمون الإصلاح السياسي المنشود بعيدا عن دوائر السلطة و الحكم،  لهذا سهل على النظام الاستفراد بكل أطيافها و تفكيكها و إضعافها لأنّ كل طيف كان يظن أنه هو الذي يملك الحقيقة المطلقة و بيده الحل وأنّه يمكنه حكم البلاد بمفرده بل الأدهى و الأمر أن كل طيف كان يجتهد ليكون هو المحظوظ دون غيره عند أصحاب القرار.

7°)- السقوط في فخ الاستقطاب الإيديولوجي: وعدم الاستثمار في المشترك الممكن و الانحراف بالنضال السياسي من المواجهة العمودية (ضد النظام) إلى المواجهة الأفقية (بين مكونات المعارضة فيما بينها)..  فإذا كانت النخب والتيارات المحسوبة على الدولة العميقة قد عادت إلى ممارسة أدوارها في محاولة إرجاع النظام القديم من أجل استعادة مصالحها المرتبطة به، فإن النخب والتيارات والأحزاب المحسوبة على المعارضة قد شكلت أخطر الحواجز في مسار الانتقال الديمقراطي، حيث لم تنجح لا التيارات الإسلامية و لا القومية و لا اليسارية و لا حتى اللبرالية المعارضة أو المستقلة في تجاوز خلافاتها الأيديولوجية وصراعاتها الفكرية التاريخية في سبيل إنجاح التجربة الديمقراطية الوليدة.. بل إنها وجدت في مناخ الحرية الجديد إطارا مفتوحا وغير مشروط من أجل تصفية الحسابات القديمة واستعادة الصراعات التاريخية التي خلقت جوّا من الاحتقان سهّل كثيرا بقاء المنظومة القديمة في المشهد والحكم.

خاتمة

لقد أدت العوامل المذكرة أعلاه إلى سقوط التجربة الديمقراطية الوليدة و سيطرة العسكر على المشهد السياسي  إثر قيامهم بالانقلاب العسكري و استيلائهم على السلطة بشكل مباشر.

و في حقيقة الأمر، فإنّ النخب السياسية في تلك الحقبة لم تكن مهيأة تماما و لم يكن لديها الوعي الكامل لتجاوز خلافاتها و العمل سويا لأجل القضاء على النظام الاستبدادي و إنهاء حكم العسكر الذي سيطر على المشهد السياسي منذ استقلال البلاد.

وأنّه مهما افترضنا حسن النية في هؤلاء الذين تصدروا المشهد السياسي غداة أحداث أكتوبر من عام 1988 و ما تلاها، فإنّه يمكن الجزم أن النية الحسنة لا تبرر أبدا العمل الخاطئ طبقا لما هو مقرر شرعا وقانونا.

 لذا وجب على النخب الحالية و العاملين من أجل إحداث تغيير جذري حقيقي في منظومة الحكم وإدارة الدولة استخلاص الدروس و العبر من هذه التجربة الفاشلة للنخب السياسية و العمل على تلافي كل أخطائها و ما ذلك على الله بعزيز لو صدقت النوايا و ساد الإخلاص.  

1 COMMENTAIRE

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici