ما الذي ستكتبه “العصابة” في مذكرات الغد؟

0
181

https://alsiasi.com/
بشير عمري

كل الأنظمة السياسية التي لها مشاكل في الحاضر، لها بالضرورة مشاكل في الماضي، لهذا تشمل في دأبها ضرب حرية التعبير على مستوى المديات الزمنيبة الثلاث، الماضي، الحاضر والمستقبل، بمعنى أنها تحتكر التاريخ وحكاية الوجود الوطني، قبل أن تحدث الثورة أو الانتفاضة في الوعي فتفتح سراديب الذاكرة بالعنف الثوري مثلما حدث في أكثر من حالة في تاريخ الدول والأمم.

في الجزائر اعتبر التاريخ الوطني دوما مجالا لاشكال الحاضر وعنصر من عناصر الأزمة على كل المستويات، إذا ما ترك متحفه السردي مفتوحا للجميع، لهذا عمل النظام على بسط سيطرته عليه وتدثيره بغطائه الغامق الغامض، والاكتفاء بروايته الخاصة التي تخدم بقاءه وتبرر وسيلته في السيطرة على الحكم، والسيطرة على التاريخ هي بشكل من الأشكال سيطرة على العقل على المعرفة.

بذات الأسلوب عاد نهاية القرن الماضي أحد رجالات النظام ممن حرفوا حقائق التاريخ الوطني لا سيما في مجال العمل السياسي والوطني وتبلو الفكر الثوري إلى غاية انبثاقه وتفجر الخلافات بين شركائه، ونعني به عبد العزيز بوتفبيقة الذي جيئ به لينحت في الظلام والصمت مصالحة وطنية تحمل في حيثياتا ما ينقضها بالاساس وهو كونها جاءت مفروضة شكلا ومسارا وقانونا لأن المصالحات في العالم إنما يفرزها مخاض الحقيقية بين أطراف النزاع والصراع، وهو ما يجعل الحقائق تتجلى والتاريخ يتموضع!

في ظل هاته التقاليد في التعامل مع تاريخ البلد التي رسخها نظام الحكم المأزوم المثقل بالمشاكل مذ سطى على السلطة بالقوة بذريعة تجنيب البلاد حرب أهلية، يتساءل البعض ما الذي ستكتبه عناصر ما تسمى بـ”العصابة” اليوم في مذكرتها إن هي كتبت طبعا؟

المذكرات السياسية التي حتى وإن اعتبرها الكاتب لجزائري عبد العزيز بوباكير ليست بالوثيقة التاريخية، كونها تتصل أكثر بالرواية الذاتية المنصرمة عادة من مساقات ومستلزمات الموضوعية، إلا أنها بتضارب مضامينها والسجالات والردود التي تحدثها وسط الفاعلين في التاريخ تتيح فرصة للاجيال من خلال تلك التناقضات والتعارضات أن تشكل صورة تاريخية بمعزل عن تلك الذاتيات وعن هلامية الرواية الرسمية، وثقافة المذكرات في الجزائر هي في عموم ظاهرتها جد حديثة ومما أتاحه عصر ما يمسى بالانفتاح السياسي بعد أكتوبر 1988 إذ مثلما خرجت الحزبية من سريتها خرجت الذاكرة أيضا لكن باحتشام واستحياء من سراديبها، إما خوفا من الامتيازات المادي المتحصل عليها في ما يسمى بـ”العائلة الثورية” وإما مخافة أن يتعرض صاحب المذكرات لعرض حقائق ضده !

بالعودة إلى سؤال العصابة ومرحلتها الوسخة والتي لم تزد شريط النظام القاتم سوى قتامة بما طبع فترتها من فساد واضطهاد وتكسير للقيم الوطنية وأخلاق الدولة، مستظلة في ذلك لعقدين من الزمن تحت عرش بوتفليقة وعائلته وأزلام نظامه، فما الذي ستكتبه حقا عن مرحلتها تلك للأجيال القادمة؟

المؤكد أنها ستتبرأ من كل ما يدينها من الحقائق التي جلاَّها التاريخ وخلدها بوسائله وتكنولوجياته الاستثنائية، وستخترق هاته المعطيات في المنافحة والمدافعة على عذريتها بالقول أن الصور والأصوات كانت محرفة والمحاكمات موجهة، وهي كلها حقائق على الحقائق، ما يعني أن التاريخ الوطني لا يحرف في آليات ومحتويات سرده فقط بل في مجراه ومسراه، حين يتم مزج السياسة بالقضاء والاعلام وفق استراتيجية معقدة لاحتواء المرحلة والمرور من مأزق اللحظة .

فسيكتب لا محالة أويحيى ويوسفي وسلال وغيرهم ممن وصلوا إلى مستويات عليا في السلطة، وعاثوا فيها فسادا وإفسادا أن ما حدث (يحدث الآن) داخل الأجهزة لم يكن سوى مسعى للافلات من ثورة الحراك، وأنهم كانوا مجرد قرابين ليس غير، ويستغرقون في سرد تفاصيل خلافاتهم الشخصية مع من ضحى بهم على مذبح الثورة، غير مكترثين بسرد بالعناصر الاشكالية الكبرى في السياسة والتاريخ الوطني التي أوصلتهم وأوصلت الأمة معهم إلى هكذا وضع.

إذن التاريخ ليس ذكريات بل هو سيرورة ممتدة كالنهر عبر الزمن، وما يحصل حاليا إن لم تهتم به نخب الحراك تفكيكا وتحليلا وتدوينا فستكون قد خانت الأجيال القادمة، مثلما خان الجيل الأول من تبعه بخصوص اشكالات الثورة والاستقلال، لا سيما إذا تضاعفت أزمة هاته الاجيال القادمة بأن تستمر أزمة الحكم الحالية وتسلتم معها الارث المسموم الثقيل أسمه الحقائق المدفونة وتعاظم بالتالي سؤال التاريخ الوطني المحرف.

بشير عمري

كاتب صحفي  جزائري

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici