شجاعة التوافق وجبن التواطؤ!

0
148
Redouane Boudjema

1 جسور للغد


يدخل الحراك الشعبي شهره الثاني من العام الثالث.. العام الثالث من السلمية التي تجاوزت توقعات غاندي الهندي في جزائر الشهداء التي قادت حربا تحريرية دامية دامت سبع سنوات، غاندي الذي مات قبل أن يشهد ثورة الجزائر من أجل تحريرها من الاستعمار الفرنسي، الجزائر التي تحولت إلى قبلة للثوار وكل مناهضي الاستعمار. غاندي في مسيرته السلمية لتحرير الهند، كان يقاوم كل تواطؤ يبرر الاستعمار في مسار النضال من أجل الحقيقة، ولكنه كان يقول إن مسار الحقيقة علمه جمال التوافق، ولذلك قاوم التواطؤ وعمل على بناء التوافق، هو الذي كان يقول « التوافق، كل توافق يبنى على الأخذ والعطاء، ولكن لا يمكن الدخول في اي تنازل متبادل عن المبادئ الأساسية »، ورغم كل العنف الرمزي والمادي والسجن الذي ذهب ضحيته نجح غاندي بمساهمته في تحرير الهند عام 1947، ورغم كل حملات التطرف والاقصاء ضده بقي سلميا ومسالما، هو الذي قتل من قبل أحد المتطرفين الهندوس عام 1948، لكن قاتله لا يعرف اسمه أحد، في حين أن اسم غاندي بقي رمزا لكل نضال إنساني سلمي على وجه الأرض، كما أن سلمية الحراك الجزائري سيتم ضمه للتاريخ الانساني، وستحفظه الأجيال التي تدفن الأحقاد وتحكي صور جمال السلمية للأحفاد.
حراك عظيم بطاقم سياسي عقيم! هذا الحراك الجزائري العظيم عرى كل الطاقم السياسي الذي نشأ بعد أحداث أكتوبر 88، طاقم ساهم في غالبيته الساحقة في كل المآسي التي عرفها الشعب الجزائري، وبمختلف ألوانه الأيديولوجية التي لم تكن في غالب الأحيان سوى » سجلات تجارية » للاستفادة من الريع من قبل موظفي السياسة الذين يعيشون من البولتيك، وقد وصل غالبيتهم إلى مقاعد البرلمان على جثامين الضحايا من كل الطبقات والأطياف، وفي هذا يشترك « علمانيو الدمار » و »اسلاميو البازار » و »وطنيو الاستعمار ».
هذا الطاقم السياسي، كان من المفروض أن يعترف ويعتذر عن مساندته لكل قرارات العسكر من جانفي 92 إلى اليوم، طاقم صفق للاستئصال من على كافي إلى الجنرال اليمين زروال، كما دخل كل الاقتراعات لفرض زروال وبوتفليقة في قصر المرادية، وشارك في غالبيته في كل الحكومات، من حكومة غزالي إلى حكومة جراد، وصفق لمصالحة الإفلات من العقاب مصادرة الذاكرة، كما ساعد بوتفليقة على خرق الدستور في 2008، ومكنه من ضمان البقاء في قصر المرادية إلى أن ينقل إلى مقبرة العالية، وهو اليوم غارق في عملية تضليل واسعة النطاق تريد نقل مآسي التسعينيات للجيل الجديد، وهو كان طرفا فيما حدث وبمستويات مختلفة، وهي عملية تريد إغراق الحراك السلمي في مآسي دماء ودموع الماضي لتفادي زرع بذور التوافق لبناء غد الجزائر. آمال الغد لدفن آلام الأمس الطاقم السياسي العقيم المتواطؤ في كل المآسي لا يزال ودون أدنى حياء يتصدر المشهد، تارة باسم المصلحة العليا للبلاد، وتارة باسم الإسلام وخالق الكون، وتارة أخرى باسم الديمقراطية والحداثة، إنه يسير هذه الأيام وفي كل الاتجاهات في هرولة للمساهمة في اقتراع انتخابي ينظم بالأدوات والقواعد نفسها التي نظمت فيها كل الاقتراعات، وبهيئة انتخابية يترأسها شخص كان يفتخر بالقول بأن قائد الأركان الراحل هو الذي عينه على رأس الهيئة، رغم أن الذي عينه لا يملك لا الصفة القانونية ولا السياسية للقيام بذلك.اقتراع آخر سيفرض مرة أخرى بوجوه غالبيتها لم تتغير منذ أكثر من 30 سنة، أو بوجوه جديد بعقلية قديمة، طاقم لا يرى بدا من مرور بالقوة ولا يجد حرجا في تنظيم اقتراع يهرب منه المترشحون من الناخبين، في اقتراع يكون فيه المرشحين أكثر من الناخبين!
اقتراع الإنكار و إعدام السياسة …هذا الاقتراع إن فرض سيكون الاقتراع الانتحاري الثالث الذي ينظم بالقوة في حالة انكار شاملة من السلطة وتوابعها للتحولات التي يعرفها المجتمع، الاقتراع الثالث الذي من المحتمل جدا أن ينظم دون منطقة جغرافية كاملة في البلد، لأنه يجب التذكير في كل مرة ان الاقتراع الذي فرض تبون في قصر المرادية اقتراع تم بعد حملة انتخابية اتفق فيها كل المرشحين الخمسة على عدم دخول منطقة القبائل، وكأن سكانها ليسوا معنيين بها! وهو أمر كاف لو كان الحد الأدنى من الأخلاقيات السياسية باقية في البلد ليتم اتهام كل المرشحين بالخيانة العظمى وبتهديد الوحدة الترابية للجزائر… غياب هذه الأخلاقيات هو الذي يجعل القيادات السياسية التي كانت تصف بوتفليقة بــ « الصديق »، وبـ « المجاهد الأكبر » و »الدبلوماسي »، وحتى « الإمام »، تتحول اليوم في عملية تضليلية وبلغة الذباب الالكتروني لممارسة الاغتصاب الجماعي للجماهير باسم « الله » وباسم « الوطن » وباسم « الديمقراطية »، وهي تستعد للذهاب جماعيا لمكاتب الاقتراع، في أجندة انتخابية دون برنامج ولا رؤية سياسية، رغم أن التحولات الاجتماعية تفرض على كل « النخب السياسية والعسكرية » الذهاب نحو تبني شجاعة التوافق و تطليق جبن التواطؤ، لأن شجاعة التوافق هي التي تبني الدولة والمستقبل ، أما جبن التواطؤ فيعيد إنتاج منظومة الماضي، ولأن التوافق يزرع بذور مشاتل الغد ، أما التواطؤ فيزرع أشواك اليأس، فهل يعلم هؤلاء وأولئك أن التوافق يصنع الأمل أما التواطؤ فيعمق الألم، وأن الجزائر ككيان سياسي وقانوني يهدد ها جبن التواطؤ، أما شجاعة التوافق فتحمي الجزائر.. فهل من منصت؟!
2021 الجزائر في 30 مارس
رضوان بوجمعة

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici