ما تخوفوناش…

0
88

111 الجمعة


!نصرالدين قاسم
تتماهى الملامح الإيديولجية وتذوب ألوان الطيف السياسي، وتتلاشى الفوارق الاجتماعية، وتتداخل الهيئات والصفات وتتقاطع دوائر التفكير والتقدير، لترسم فسيفساء لوحة متكاملة لحراك شعبي متفرد ومتميز يهتف بشعارات واحدة ويهفو لأهداف واحدة نحتتها معاناة طويلة وتجارب مريرة، أكسبتها الجراح المفتوحة مناعة ومقاومة أسطورية استعصت عن كل محاولات التفتيت أو التفكيك.السلمية في أسبوعها الحادي عشر بعد المائة، لم تعد عصية عن مؤامرات التصفية والسيناريوهات المسرحية، وأفلام المغامرات، بل أصبحت نافية داحضة للتحليلات المزاجية، والتشخيصات التخويفية.. العفوية وصدق النوايا وقبول الآخر أكسبت الحراك الشعبي مناعة وحصانة رهيبة، ومكنته من تجاوز المتاريس البولسية، والحواجز الفكرية، والعقبات التشهيرية..
تناقض التحاليل حول تناقضات مزعومة داخل الحراك تؤكد خلو السلمية من هذه التناقضات. فعندما يؤكد بعض العلمانيين أن الحراك مخترق من طرف الإسلاميين، ويدعي بعض الإسلاميين بأن الحراك استأثر به العلمانيون فهذه شهادة بأن الحراك بريء من ذلك وأنه لا يزال ملك الشعب بكل أطيافه : أي حراك سياسي يهدف إلى تغيير نظام الاستبداد وإرساء نظام ديمقراطي يوفر شروط التنافس النزيه بين مختلف التيارات الإيديولوجية وليس للتيارين العلماني والإسلامي فقط، لكسب ثقة الشعب..
وعندما يدعي بعض المحللين بأن التوجه العام للحراك الشعبي يسير للرجوع بالجزائريين إلى عشرية الدمار والدماء والدموع وتمكين المتطرفين ليحققوا بالسلم ما عجزوا عن تحقيقه بالحرب، ويدعي بعض آخر أن « السلمية » أضحت في خدمة رؤوس الفتنة، وأتاحت الفرصة لعودة جنرالات الحرب والحل الأمني..
فإن هذا يثبت بالاستنتاج المنطقي أنها تحاليل مجانبة للصواب، وأن السلمية أبعد ما تكون عن هذه الثنائية الجهنمية.وعندما يعمد بعض « الخبراء » إلى تصنيف الحراك الشعبي تصنيفا اجتماعيا وينسبون لفئة من فئاته مواقف معينة تطعن فيه، أو تهدد بمغادرته أو مقاطعته بسبب تطرفه أو تجاوزاته، ويجنح فصيل آخر من « الخبراء » إلى التأكيد بأن ثمة من فعاليات الحراك ما يعيب عليه سلبيته وعدم تصعيده بمضاعفة المسيرات أيام الأسبوع، والانتقال إلى أشكال أكثر فعالية من الاحتجاج ويهدد بالانسحاب منه ما لم ينتقل إلى مراحل الإضراب والعصيان.. فهذا لعمرك دليل على وسطية الحراك الشعبي واعتداله وخلوه من الغلو والتطرف، وتمسكه بسلميته الحضارية وماهيته السياسية باعتباره مقاومة سلمية تضغط باتجاه التغيير السلمي السلس.كل التهم الموجهة لثورة الشرف الجزائرية، والتوجسات المروج لها تحمل في ثناياها بذور خطئها، وحجج دحضها، ودلائل قصورها..
فإما هي تبرير لمواقف سياسية واستدراك بالتنظير للتغطية على ممارسات غير منسجمة مع سوابق سياسية، أو أعذار واهية للقعود والتخلف عن الركب..وإما هي تحليلات مزاجية تعبر عن أماني أصحابها الشخصية، متخندقة في سنوات الثالوث الجهنمي، حبيسة توجسات وترسبات كرستها سياسة الاستئصال والحل بالحرب، ورسّمتها ترتيبات ما يسمى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية وإما هي مجرد وصف لما يجب أن يكون عليه الحراك وليس كما هو، أي تشخيص ذاتي لا يخضع لمعطيات علمية ولا مؤشرات موضوعية تؤكد صحة نتائجها، أو تسمح باستنتاج حقائق ميدانية دقيقة عن ثورة يذوب فيها الجميع في بوتقة واحدة..لذلك حملت الجمعة الحادية عشرة بعد المئة الحجة البالغة والقول الفصل: »ما تخوفوناش بالعشرية.. سلمية سلمية.. تحيا الجزائر دولة مدنية »..
وإذَا قَالَتْ « السِّلميةُ » فَصَدِّقُوهَا.. فَإِنَّ القَولَ مَا قَالَتْ « السِّلميةُ »

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici