السلمية باقية ولن تهزم

0
480
Nadjib Belhimer

  ماذا أنهت السلطة بحصارها للعاصمة في جمعتين متتاليتين؟ ماذا أسقطت عندما أغلقت كل المنافذ المؤدية إلى المدينة وجعلت التجول فيها تهمة تستوجب الاعتقال؟ الذي سقط يوم الجمعة هو تلك التكهنات والقراءات التي ظل « الكتبة » و »المثقفون » و »البراغماتيون » يروجون لها منذ انتخابات 12 ديسمبر. سقطت تلك النبوءات التي تم تسويقها عبر مقالات كتبت تحت الطلب في وسائل إعلام أجنبية ونشرت على عجل مع بداية الحجر الصحي في شهر فيفري من السنة الماضية، لقد بقيت عبارة « الحراك انتهى » الأكثر تكرارا فيما يكتبه هؤلاء وما ينشرونه على منصات التواصل الاجتماعي، وبقي هذا « الحراك المنتهي » الوحيد الذي يوجه إليه النقد والتجريح وللملتزمين به التسفيه والتحقير.يجدر بنا الآن أن نذكر بأن إغلاق عاصمة بلاد لمنع الناس من السير هو علامة على فشل سياسي، ويصير هذا الفشل مدويا عندما نتذكر أن شاغل منصب المسؤولية الأول في البلاد كان قد قال قبل فترة قصيرة إن استمرار المظاهرات لا يزعجه وبالنتيجة فهو لا يزعج السلطة.
على الذين راهنوا على نهاية السلمية أن يراجعوا قراءتهم لما يجري، ينطبق هذا على « المحللين » و »الساسة » وقبلهم على السلطة، فما يجري في البلاد والآفاق التي ترتسم صورتها تستحق إجراء مراجعات عميقة، لأن الذي حدث ليس نهاية للسلمية بل هو منع بالقوة للمظاهرات التي تمثل التجلي الأبرز لهذه السلمية، وقد تم المنع من خلال تسيير دوريات راجلة للشرطة في العاصمة فضلا عن حصارها، وهو ما حدث في كبريات مدن البلاد الأخرى أيضا، وهذه الصور لا يمكن أن يفخر أي نظام حكم في العالم بتسويقها عن البلاد التي يدير شؤونها.من الجمعتين الأخيرتين يمكن أن نرى مواطن فشل السلطة بكل وضوح، لقد فشلت في إقناع أعداد كبيرة من الجزائريين من التوقف عن رفع مطلب التغيير، وهذا الفشل يطيح بما يسمى « الجزائر الجديدة »، ولا يجرؤ أحد من أولئك الذين يسكتون على السلطة، خوفا أو طمعا، أن يجازف بالدفاع عن وجود أي مؤشر على التغيير بعد سنة ونصف من انتخابات 12/12، فحتى الحد الأدنى المتمثل في جلب وجوه جديدة إلى الواجهة لم يتوفر، أما الفشل في إدارة شؤون البلد والرداءة الطافحة من كل المؤسسات الرسمية، والمستوى الذي بلغه الخطاب الرسمي وما آلت إليه الوظائف السامية من تسفيه، فلا تحتاج إلى أن يتم التذكير بها.
بعد هذا فشلت كل حملات التضليل والتفرقة، وهي متواصلة، ومعها فشلت حملة التخويف والترويع بالاعتقال والسجن، وهذا يعني ببساطة أن كل ما تم اعتماده من استراتيجيات خلال أكثر من سنتين ( من ضمنها 11 شهرا لم تشهد أي مظاهرات في الميدان بسبب وباء كورونا) فشل تماما، وعلامة الفشل هي تجريم التجول في وسط العاصمة ومدن أخرى بالإضافة إلى الاعتقالات والمتابعات القضائية وسجن المتظاهرين.إن فهم الفرق بين منع المظاهرات ونهاية السلمية مهم لقراءة الوضع السياسي للبلاد عموما، فالمنع بالطريقة التي رأيناها يتطلب بالأساس تجنيد أعداد كبيرة من عناصر الشرطة لفترة بكل ما يترتب على ذلك من أعباء مالية كبيرة وفرض حالة استثنائية لا يمكن تسييرها لفترات طويلة إلا إذا كان الهدف هو بلوغ الانتخابات التشريعية وانتظار أن يغير تنصيب برلمان جديد قناعات أولئك الذين يرون السلمية فرصة تاريخية لإنقاذ البلاد من الانهيار، والتجربة الماثلة أمامنا تقول أن انتخابات 12/12 عمقت أزمة نظام الحكم بدل حلها، وتأكد هذا من خلال الانتكاسة التي مثلها الاستفتاء على الدستور، وهذا يعني ببساطة أن الانتخابات التشريعية ستكون خطوة أخرى في الاتجاه المعاكس لطريق الحل.يقول كثير من الذين اتخذوا من انتقاد السلمية وتسفيهها حرفة إن ما يجري اليوم هو نهاية كانت متوقعة بسبب غياب مشروع سياسي واضح وهذه مغالطة كبرى، لأن معركة الحريات التي تخوضها السلمية بإصرار هي الشرط الأساسي لأي مشروع سياسي، ثم إن السلطة أعطت، من خلال رفضها لكل مقترح أو فكرة وشيطنة من يطرحهما، الأدلة الدامغة على أنها لا تريد إلا شيئا واحدا فقط هو إبقاء الوضع على ما هو عليه بأسوأ الخيارات.يمعن بعض من لا يتجرأ على الوقوف إلى جانب السلطة علنا في تسفيه من يصرون على الخروج من دون جدوى، ويتجاهل هؤلاء أن مسيرات الجمعة بالنسبة لكثير من الجزائريين صارت الطريقة الوحيدة التي يمارسون من خلالها مواطنتهم، وفي الشارع فقط يشعرون بأنه ينطبق عليهم ذلك التعريف المدون في ديباجة الدستور « الشعب الجزائري حر ومصمم على البقاء حرا »، مقولة ليس لديها ما يسندها على أرض الواقع حيث لا وجود لإعلام حر أو نقابات مستقلة أو حرية تأسيس أحزاب حتى وفق شروط السلطة، ومن هذه الزاوية فقط يمكن أن نقرأ حالة الحزن التي طبعت ردود أفعال الآلاف الذين منعهم القمع من ممارسة هذا الحق المكفول دستوريا، لكن هذه الصورة غائبة عن أولئك الذين لا يجرؤون على مساءلة السلطة عن حصيلتها أو عن خططها، فهناك دائما من يفضل التوجه بالنقد إلى من يعتقد أنه الأضعف ولا بأس بتوجيه طعنات خفية لمن يقبعون في السجون دون جرم.
لقد تكرس جوهر السلمية في رفض مواجهة عناصر الشرطة، لكن في مقابل ذلك يزداد الشرخ بين المجتمع والسلطة اتساعا، فالاعتقال لم يعد يخص المتظاهرين فقط بل أصبح معمما على كل « المشتبه بهم » وتحت هذا العنوان يقع المصلون في مساجد وسط العاصمة والمتجولون في شوارعها أو من ساقتهم الأٌقدار إلى تلك الأماكن التي اعتاد المتظاهرون السير عليها.إن الجمع بين القمع والفشل في التسيير خيار ينطوي على مخاطرة كبيرة، وهو علامة على هزيمة كاملة لنظام حكم يعطي مزيدا من الأدلة على نهاية صلاحيته، أما مسألة المظاهرات فإن نهايتها الحقيقية لن تكون إلا عندما يكف الناس عن التظاهر حتى في غياب أي تضييق أمني، نتيجة لا يمكن أن يفضي إليها إلا حل سياسي حقيقي لا يمكن تجاهله إلى الأبد.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici