« الأقلية » الضامنة للمستقبل

0
666
Nadjib Belhimer

  » هل الذين يريدون التغيير « أقلية »؟ وأي جدوى من التمسك بهذا الأمل الذي صنعته السلمية مادامت « الأغلبية » مستقيلة أو ربما هي « سعيدة » بالوضع القائم؟ هذه أسئلة تبدو مشروعة رغم ما تنطوي عليه من شك وغضب.حديث « الأقلية » و »الأغلبية » مضلل في كثير من الحالات، ويكفي أن نتمعن في الخطاب الرسمي لنعرف كيف يتم التلاعب حتى بالأرقام الرسمية لإيهامنا بأن الوضع القائم قدر محتوم لا مفر منه حتى وإن كان التذمر ظاهرا في كل مكان.

الأقلية التي تواجه المخاطر وتقدم التضحيات هي التي تصنع التاريخ دوما، ينطبق هذا على جميع الأمم ولا تخرق الجزائر هذه القاعدة، وفي مسار التغيير، الذي هو عمل تراكمي شاق ويستغرق وقتا طويلا، هناك دائما مرحلة التشكيك في عقلانية من يخاطرون ويضحون وفي جدوى ما يقدمونه من تضحيات، لكن التاريخ يخبرنا بأن تلك التضحيات جزء من التراكم الذي يكرس التغيير ويسرعه.خرج الجزائريون في 22 فيفري 2019 بعد أكثر من عقدين من اليأس، كان هناك اعتقاد بأن الأمة استسلمت لقدرها الذي يمثله نظام متهالك وعصابات لصوص يدمرون البلد باسم الحكم، وقد كان أكثر الناس حماسا لما جرى في تلك الجمعة العظيمة هم أولئك الذين لم يتوقفوا يوما عن التعبير عن رفضهم للواقع وسعيهم إلى تغييره، وهؤلاء الذين كانوا أقلية قبل 22 فيفري عادوا أقلية اليوم في نظر السلطة وأتباعها الذين سطوا على السلمية وصادروها بعد سعيهم لتشويهها.

« الأقلية » لا تهتم بالعدد أو الكم ولا حتى بموازين القوة، إنها تركز على شرعية المطلب وعلى الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ.ليست السلمية في صراع صفري مع « عدو »، بل هي سعي للبناء على أساس متين، ليست هناك قائمة لمن يجب الإطاحة بهم أو تصفيتهم، ولا بنك أهداف يجب تدميرها.. السلمية قبل كل شيء سعي لإنقاذ وطن مهدد بالتفكيك وأمة تواجه التقسيم والتشتيت، والعدو هنا أفكار خاطئة عن الوطنية والخيانة، ومفاهيم مغلوطة للحكم والفوضى والأمن والاستقرار. التناقض بين منظومة الحكم والمجتمع لا يحتاج إلى دليل إثبات، وسؤال الجدوى الذي يقوم على استعجال جرد نتائج سنتين ونصف من السلمية يغطي على السؤال الأهم المغيب عمدا؛ هل يملك النظام البديل وهل لديه ما يقدمه غير الخراب والفشل؟ ترجح القوة الخشنة التي تستعمل دون حكمة وتبصر كفة السلطة ظاهريا، لكن الأمر أكثر تعقيدا مما يبدو، فالفشل في إيجاد الحلول يدفع بكثير من هؤلاء الذين يصنفون ضمن « الأغلبية »، المستقيلة أو الصامتة، للالتحاق بالأقلية وقد تتغير الصورة في أي لحظة.

التفاصيل متعبة، ومجاراة الأحداث اليومية تفقدنا القدرة على رؤية الصورة في مجملها، لكن الشك الذي ينتاب السلطة، ومخاطرتها بسياسة القبضة الأمنية تخبرنا بأزمة ثقة وغياب رؤية، وفي مقابل ذلك يظهر لنا هذا الإصرار على رفض الخضوع للأمر الواقع تجذرا عميقا للرفض والمقاومة والتمسك بالتغيير الذي بات شرط استمرار الدولة والأمة، وقد نكتشف يوما أن من حسن حظ الجزائر أن السلمية زودتها ب « الأقلية » التي ستحميها من الخراب وتضمن لها مستقبلا أفضل.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici