الجزائر: صناعة واجهة سياسية جديدة بالانتخابات

0
555


منذ يوم واحد

نجيب بلحيمر 
https://www.alquds.co.uk/

بعد شهر من تنصيبه رئيسا للجزائر تحدث عبد المجيد تبون للصحافة عن خطته لتجسيد مشروعه السياسي الذي اتخذ له عنوان «الجزائر الجديدة». تبدأ الخطة بتعديل الدستور أما هدفها النهائي فحدده بالقول «في الأخير سنصل لخلق طبقة سياسية جديدة بعقلية جديدة، لأننا نملك طاقة شبابية كبيرة في البلاد» وهناك انقسام كبير بين خطة السلطة والحراك الشعبي حول كيفية بلوغ هذا الهدف.
منذ اندلاع مظاهرات الحراك الشعبي في 22 شباط/فبراير 2019 أصرت السلطة على التمسك بما تسميه المسار الدستوري في التغيير، والذي يعني التقيد بما جاء في الدستور واستبعاد الخيارات السياسية التي طرحتها عشرات المبادرات التي اقترحتها أحزاب وشخصيات معارضة منذ ذلك الحين، فبالنسبة للسلطة لا يمكن التغيير إلا من خلال الانتخابات، لكن رأي الفريق الآخر يعتبر الانتخابات في نفس الظروف وضمن القواعد التي فرضتها السلطة في فترات سابقة سيفضي حتما إلى تكريس الوضع القائم، وما يزال هذا التجاذب بين السلطة والحراك الشعبي قائما إلى اليوم ويلقي بظلاله على الانتخابات البرلمانية المزمع تنظيمها يوم السبت 12 حزيران/يونيو.
خلف جدل القانون والسياسة تختفي قراءتان متناقضتان لما يجري في الجزائر منذ شباط/فبراير 2019؛ بالنسبة للسلطة فإن الجزائريين خرجوا إلى الشارع من أجل منع بقاء عبد العزيز بوتفليقة في الحكم لولاية خامسة بعد أن قضى عشرين سنة في المنصب، ورفضا لتمديد ولايته الرابعة بتأجيل الانتخابات، ومطالبة بمحاربة الفساد، وكل هذه المطالب تمت تلبيتها حسب الخطاب الرسمي، إذ استقال بوتفليقة وتم اعتقال رموز عهده المتورطون في الفساد وجرت محاكمتهم، لكن المعارضين المنخرطين في الحراك الشعبي يرون أن المطلب الأساسي الذي رفعه الجزائريون كان تغيير نظام الحكم رغم أن ما تم تحقيقه كان ضمن مطالبهم فعلا غير أن خريطة الطريق التي تنفذها السلطة ستؤدي حتما إلى تجديد واجهة نظام الحكم دون تغييره في العمق بالحفاظ على آليات عمله ومراكز القوى فيه.

القانون كأداة للتطهير السياسي

خلال أكثر من سنتين عملت السلطة على تغيير جملة من القوانين كان الهدف منها إعطاء المصداقية للانتخابات بإبعاد شبهة التزوير عنها، وبدأ الأمر بإسناد مسؤولية تنظيم الانتخابات ومراقبتها وإعلان نتائجها للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بدلا عن وزارة الداخلية، وبعد اعتماد الدستور الجديد الذي عرض على الاستفتاء في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 وضع قانون جديد للانتخابات تضمن شروطا جديدة للترشح وعدل النظام الذي يحكم الانتخابات البرلمانية، وأكثر من هذا منح سلطة الانتخابات ومن ورائها الإدارة سلطة إقصاء بعض الأشخاص من الترشح للانتخابات بعد استيفائهم الشروط القانونية بحجة علاقتهم بأوساط الفساد مثلا.
وضعت المادة 200 من قانون الانتخابات شرطين جديدين للترشح لعضوية البرلمان الأول هو «ألا يكون معروفا لدى العامة بصلته بأوساط المال والأعمال المشبوهة، وتأثيره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الاختيار الحر للناخبين وحسن سير العملية الانتخابية» والثاني «ألا يكون قد مارس عهدتين برلمانيتين متتاليتين أو منفصلتين». يمنح الشرط الأول للإدارة سلطة تقديرية غير محدودة لتطهير القوائم من المرشحين غير المرغوب فيهم، في حين أن الشرط الآخر يقصي نحو ثلاثة أرباع أعضاء البرلمان السابق، الذي أعلن عن حله في شهر شباط/فبراير الماضي، من الترشح وهو ما يضمن تشكيل برلمان أغلبيته من الوجوه الجديدة.
تمكن هذه الآلية القانونية السلطة من استبعاد الشخصيات السياسية التي ارتبطت بفترة حكم بوتفليقة وبقيت تغير مواقعها وانتماءاتها الحزبية من أجل الحفاظ على الامتيازات المترتبة عن المهمة النيابية، وتعتبر السلطة أن هؤلاء يشكلون عقبة أمام كسب ثقة الجزائريين واستعادة مصداقية الانتخابات المتضررة من عمليات تزوير منهجية ظلت ملازمة لها. ويعبر وضع قواعد قانونية لإخراج مئات الشخصيات السياسية من المشهد عن الرغبة في تغيير الواجهة بدل إحداث التغيير العميق، فقد كشفت لجنة الحوار الوطني التي تم إنشاؤها في شهر تموز/يوليو 2019 عن افتقاد السلطة لشبكات دعم أخرى غير الشبكات التي اعتمد عليها الرئيس السابق بوتفليقة خلال عقدين من توليه الحكم، حيث سارعت أحزاب الأغلبية في البرلمان التي تسمى الموالاة إلى إعلان ولائها لرئيس أركان الجيش الذي أصبح يمارس الحكم بشكل واضح ومباشر بعد استقالة بوتفليقة، وانخرطت تلك الأحزاب، وأغلبية أعضاء البرلمان بغرفتيه في دعم خريطة طريق قيادة الجيش، وشاركت في الانتخابات الرئاسية التي أتت بتبون إلى الرئاسة في شهر كانون الأول/ديسمبر 2019 ما جعل الخطة التي جرى تنفيذها تبدو كاستمرار لعهد بوتفليقة، ويضاف إلى ذلك شغل وزراء سابقين لمناصب في الحكومة الجديدة التي شكلها رئيس قضى معظم فترة حكم بوتفليقة يشغل مناصب وزارية وتولى الوزارة الأولى قبل أن تتم تنحيته بعد أقل من ثلاثة أشهر من تنصيبه.
لاستبعاد شبهة «استمرارية» عهد بوتفليقة كان لا بد من التدخل بشكل مباشر، تحت غطاء القانون، لمنع المئات من الترشح، وعلى جبهة أخرى تدخلت الإدارة من خلال إسقاط مرشحين بحجة العلاقة مع أوساط المال الفاسد، وقد لجأ عشرات المرشحين إلى القضاء للطعن في قرارات سلطة الانتخابات التي تستند إلى التحقيق الإداري، لكن المحاكم الإدارية أيدت في المجمل قرارات الإقصاء رغم عدم تعرض من تم إقصاءهم إلى المتابعة القضائية بشبهة الفساد، لكن مرشحين آخرين تم إسقاطهم بسبب نشاطهم السياسي المرتبط بالحراك الشعبي، وهو أمر بدا مناقضا لتشجيع السلطة للمتظاهرين بدخول الانتخابات والسعي إلى التغيير من داخل المؤسسات، ويؤكد استماتة في مقاومة التغيير ووضع حدود له حتى لا يمس جوهر نظام الحكم وآليات عمله.

تحالف جديد للموالاة؟

مثلما رفضت السلطة فكرة مجلس تأسيسي ومرحلة انتقال ديمقراطي فإنها رفضت أيضا وبشكل قطعي اللجوء إلى حل الأحزاب التي كانت أدوات في عهد بوتفليقة، كانت الحجة التي تم استعمالها هي أن الناخبين هم من سيقررون مصير أحزاب مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر والجبهة الشعبية الجزائرية، والذين سجن قادتهم بشبهات الفساد، بعدم التصويت لهم، لكن مفارقة أثارت الشكوك حول نوايا السلطة حيث رفضت منح الاعتماد للأحزاب التي تم الإعلان عن تأسيسها بعد انطلاقة الحراك الشعبي مثلما حدث مع حزب التيار الوطني الجديد الذي أسسه سيف الإسلام بن عطية، وحركة عزم التي لم يشفع لها دعمها لخريطة طريق قيادة الجيش ومساندتها لخيار الانتخابات الرئاسية.
من الواضح أن رفض اعتماد أحزاب جديدة كان ضمن الأدوات التي استعملتها السلطة لمنع بروز أحزاب سياسية خارجة عن السيطرة، فالرئيس الجديد يقدم نفسه على أنه غير مرتبط بأي حزب سياسي، وانه مرشح الشباب، وبذلك فهو لا يملك أي سند سياسي من الأحزاب المسيطرة على الساحة وسيكون بحاجة إلى هذا السند في المرحلة القادمة عندما يتم تنصيب برلمان جديد، فلم يكن هناك من مجال لتعزيز فرص تشكيل برلمان من أغلبية ما تسميه السلطة «المجتمع المدني» والذي تقصد به الجمعيات المعتمدة، دون حرمان الأحزاب الجديدة من الحصول على الاعتماد الرسمي رغم أن تبون قال للصحافة إن الباب مفتوح أمام كل من يريد أن يؤسس حزبا لممارسة النشاط السياسي دون انتظار الحصول على الاعتماد، وقد أضيف إلى هذه الإجراءات تشجيع مادي مباشر للشباب من خلال إعلان تكفل الدولة بنفقات الحملة الانتخابية وتقديم مبلغ مالي لكل مترشح حر لم يتجاوز الأربعين.
لقد ظهرت نتائج هذا الخيار من خلال أعداد كبيرة من القوائم الحرة تمثل ثلثي المرشحين للانتخابات الذين وصل عددهم إلى نحو 23 ألفا يتنافسون على شغل 407 مقاعد ضمن نظام انتخابي جديد جعل المنافسة تتم حتى داخل القائمة الواحدة وهو ما سيؤدي إلى مزيد من تشتيت الأصوات ويسمح باستقطاب النواب مستقبلا لتشكيل قوة سياسية جديدة تكون مهمتها بالأساس دعم الرئيس وبناء تحالف مع أحزاب أخرى لتكرار تجربة التحالف الرئاسي الذي ارتكز عليه بوتفليقة خلال فترة حكمه.
ستخبرنا نسبة المشاركة في هذا الاقتراع عن مدى نجاح خطة السلطة في تجديد «الطبقة السياسية» خاصة أن كثيرا من داعمي بوتفليقة مرشحون لدخول البرلمان لأول مرة بعد أن أعلنوا دعمهم لمشروع «الجزائر الجديدة» الذي أزاح أسلافهم الذين عمروا طويلا في المؤسسة التشريعية، وعلى الطرف الآخر يراقب الحراك الشعبي ما ستسفر عنه الانتخابات ليعزز أطروحته التي تقوم على أن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتم من خلال انتخابات تجري وفق قواعد فرضتها السلطة بشكل منفرد.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici