سلطة أغلبية/الأقلية تنافي الديمقراطية وتهدد الوحدة الوطنية

0
891
Redouane Boudjema

 

بعد أكثر من 70 ساعة عن غلق مراكز الاقتراع، خرج محمد شرفي مسؤول سلطة الانتخابات التي يقع مقرها بمحمية نادي الصنوبر، ومن قاعة المؤتمرات التي شيدها بوتفليقة وحملت اسم أحد أصدقائه ومستشاريه، ليعلن عن نتائج الاقتراع التشريعي الذي لفظته فيه الغالبية الساحقة من الجزائريين والجزائريات. التغيير عند السلطة.. بيولوجي وليس سياسي! استفاض شرفي كثيرا في الأرقام، مؤكدا أن برلمان 12 جوان سيتشكل من أغلبية من الشباب والنساء والجامعيين، وهو ما يعني أن مفهوم التغيير عند السلطة يقتصر في ثالوث بيولوجي وليس سياسي، مرتبط بالسن النوع الاجتماعي وحمل الشهادة، وحتى هذا المفهوم يصطدم بمشروع عائلي يهدف إلى توريث الآباء للأبناء، مع دخول قصر زيغوت يوسف أبناء كل من بن قرينة وبوقطاية وبن خلاف…

وعدد البرلمانيات الذي لا يتعدى 34 نائب(ة).هذا الاقتراع الذي شارك فيه 28 حزبا وأكثر من 22 ألف مترشح، و تنشيط أكثر من 16 ألف تجمع، وصرفت فيه أكثر من 100 مليار كدعم مالي للشباب الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة، واستخدمت فيه كل وسائل الإعلام في حملة دعاية تخوّن من لا يصوت، إلا أن المشاركة لم تقتصر إلا على 23 بالمائة! اقتراع عنوانه « المشاركة لا تهم »! شرفي رغم كل هذا الوقت، تكلم في كل شيء إلا في نسبة المشاركة في الاقتراع، لكن أعطى مؤشر تم اغراقه في سيل من الأرقام التي تتعلق بتفاصيل دعائية، فالأهم فيما قال إن كل القوائم المرشحة لم تنجح في تحقيق العتبة في الدوائر الانتخابية الكبرى وهي 5 بالمائة من الأصوات المعبر عنها، وهو ما يبين أن المشاركة لم يكن لها أي معنى بلغة الإحصاء، وعلى الرغم من أهمية هذا المؤشر لم يسأل أي صحفي أو صحفية عن عدد هذه الدوائر وما هي النسبة أو النسب المتبقية لوصول هذه العتبة؟!

وهو مؤشر كاف حول انهيار مستوى الصحفيين والصحفيات وذهاب الأغلبية في ممارسة الدعاية عوض الصحافة. عدم الخوض في نسبة المشاركة من قبل شرفي والصحافة قد تكون مرتبطة بمن عين شرفي، والذي قال صبيحة الاقتراع إن نسب المشاركة لا تهمه، والمهم هي الأغلبية التي سيفرزها الصندوق، أغلبية معارضة تعين رئيس حكومة، أو ما أسماه بـ » الأغلبية الموالية لبرنامج رئيس الجمهورية ».. »أغلبية » من نسبة مشاركة من 39.83 إلى 23.03! شرفي أعلن على مضض عن مشاركة بنسبة 23 بالمائة، وهي نسبة تقل عن اقتراع 12 ديسمبر 2019 الذي فرض تبون في القصر، والتي أعلن عنها بنسبة 39.83 بالمائة، وهي تقل كذلك عن نسبة المشاركة في اقتراع دستور تبون في أول نوفمبر 2020 المعلن عنها، وهي 23.14 بالمائة.

واذا ما عدنا لعملية حساب الأصوات – ومن منطلق الأغلبية والأقلية التي تحولت إلى ايديولوجية حكم في خطاب تبون نحو الداخل والخارج – فإننا نلاحظ أن عدد الأصوات التي أعطيت لتبون ليشغل كرسي المرادية قدرت بأربعة ملايين و945 ألف صوت، مقابل 3 ملايين و356 صوت قالت نعم لدستور تبون في اقتراع أول نوفمبر 2020، وهو انخفاض بأكثر من مليون ونصف مليون صوت، واذا جمعنا المقاعد التي أعطيت لكل من حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم، الذين شكلوا الأغلبية الرئاسية لبوتفليقة، وأعلنوا مساندتهم صراحة لبرنامج عبد المجيد تبون، بل وذهب عبد الرزاق مقري إلى أبعد من هذا عندما خرج يهلل لتصريحات تبون للمجلة الفرنسية اليمينية بالقول إن تصريحاته أثلجت صدره، فإننا نكون أمام أغلبية رئاسية بـ 226 مقعد، وبعدد أصوات لا يتجاوز مليون صوت في أحسن الأحوال، وهي الأغلبية التي سيشكل بها ما أسماه تبون يوم الاقتراع الأغلبية الموالية لبرنامج الرئيس وفق خريطة طريق بوتفليقة، وحتى وأن أقنع باقي الأحزاب التي ستشكل كتلا برلمانية بالمشاركة في أغلبيته الرئاسية، فإن عدد الأصوات مجتمعة لا تتعدى مليون ونصف مليون صوت.

هذه الأرقام تبين أن تبون الذي فرض بالقوة، وهو الذي لم ينشط إلا ثلاثة تجمعات، اتفق مع كل منافسيه على عدم الذهاب إلى ولايات منطقة القبائل للقيام بالحملة، وكأنها خارج خريطة الجزائر، ولم يزعجه عدم تصويت هذه المنطقة في ثلاثة انتخابات وطنية، ولا يظهر أنه منشغل بقراءة هذه الأرقام، فقد أسرع ليعلن الذهاب إلى فرض انتخابات محلية، قريبا، والتي قد تزيد من تدعيم مواقع سلطة شبكات الفساد والولاء. الأقلية التي تحكم دون أية قاعدة اجتماعية..

تبون ومن يساندونه في هذا الاقتراع وغيره، عمليا وفعليا هم أقلية لا يمكن أن يعتد بها في لغة الاحصاء، ورغم ذلك لا يزال يفرض ما تريده منظومة التعيين باسم ايديولوجية الأقلية والأغلبية، هذا المنطق المقلوب قد يرشح النظام الجزائري لأن يعمل على تصدير تجربة بناء منطق جديد في الإحصاء وفي تعريف الأقلية والأغلبية في الممارسة السياسية، تماما مثل افتخاره بتصديره لتجربة مكافحة الإرهاب الذي لازالت البيانات الرسمية تعلن عن مواصلة مكافحته إلى غاية اليوم، بعد ما يقارب 30 سنة، وعقب أكثر من 19 سنة عن إعلان نهايته على لسان بوتفليقة الذي بنى مجده الوهمي على استتباب الأمن والسلم! المنطق الرياضي والعقل السياسي والعمران البشري، يقول إن السلطة في « طريق مسدود »، وإن تبون كشخص غارق في أوهامه، ومنظومة التعيين بلغت حدودها، والحكمة تقتضي تغيير الطريق لأنه « مسدود »، ولأن سلطة أغلبية/ الأقلية تنافي الديمقراطية وتنذر بتفكيك النسيج الاجتماعي وتهدد الوحدة الوطنية، فهل من مبصر؟ وهل بقي في دواليب السلطة من يفكر؟

الجزائر في 15 جوان 2021

رضوان بوجمعة

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici