وهم البرنامج وسراب الشرعية

0
949
Nadjib Belhimer

 « أقولها بصفة رسمية، وأكرر لأنه سبق وقلت هذا الكلام قبل سنة، أقسم بالله العلي العظيم أن برنامج فخامة رئيس الجمهورية لن يتوقف »، من أطلق هذا التصريح هو عبد المجيد تبون الذي كان يتحدث في ندوة صحفية عقدت في الثامن جانفي 2017، كان حينها وزيرا للسكن وكلامه جاء ردا على الأسئلة التي طرحت حول مصير برامج السكن بعد أن اتضحت علامات أزمة مالية واقتصادية خانقة، ولم يكن غريبا أن يتم تبون قسمه بالتوجه إلى أولئك الذين يريدون الوصول إلى المرادية عن طريق دبابات الناتو بالقول « ما زال الحال »..

نعم كان من ينتقد بوتفليقة يصنف على أنه من العملاء الذين يريدون الوصول إلى المرادية على ظهور دبابات الناتو.التصريح المذكور أعلاه قد يكون أكثر تصريحات تبون انتشارا، ويجري إخراجه في كل مرة يظهر تماثل بين فترة بوتفليقة والفترة الحالية كدليل على وفاء الرجل وبره بيمينه، وكانت العهدة الأخيرة من حكم بوتفليقة قد تميزت بتكريس هذه اللازمة التي كان تتردد بشكل آلي على ألسنة كل المسؤولين على مختلف المستويات، فما من منشأة تدشن أو قرار يتخذ إلا ويتم الإعلان عنه بتصريح يبدأ بعبارة « تطبيقا لبرنامج فخامة رئيس الجمهورية »، وحتى نشرات الأخبار كانت تبدأ بهذه اللازمة.بعد فترة اكتشف الجزائريون أنه لا وجود لبرنامج رئيس الجمهورية هذا، وقد صرح أحد وزراء بوتفليقة إنه لا وجود لبرنامج محدد لكن كل وزارة تعد مخطط عملها على مستوى القطاع ويتم تقديمه للحكومة، وفي مقابلة صحفية معه قال عبد المجيد تبون إن بوتفليقة لم يكن يحكم ولم يكن قادرا على الكلام، ولعل هذا التصريح كشف لنا أن الرئيس في حد ذاته لم يكن موجودا وليس برنامجه فقط الذي لم يكن موجودا.في مظهر آخر من مظاهر التماثل بين العهدة الرابعة والفترة الحالية بادر المنتخبون إلى الإعلان عن استعدادهم لدعم برنامج الرئيس، وقال متحدث باسم جمعية تسمى الحصن المتين إن منتخبيها سيتجمعون ضمن كتلة انتخابية تدعم برنامج الرئيس، وقبل ذلك كان نائب من تندوف قد سبق الجميع وأعلن هو أيضا دعمه للبرنامج الذي يشبه تماما برنامج بوتفليقة في أن الجميع يتحدث عنه ولا أحد يعرفه، ومن دون تلك الوعود الانتخابية الـ 54 التي دخل بها تبون الانتخابات، وهي جملة أهداف وأمنيات غير مفصلة ولا أحد يعلم كيفية بلوغها ولا الموارد التي جندت لها، ولا السياسات التي ستساعد على تحقيقها، فلا أحد بوسعه شرح هذا البرنامج ولا ما تحقق منه بعد سنة ونصف من تولي المسؤولية.

امتلأت الخزائن في عهد بوتفليقة بفضل ارتفاع أسعار النفط فغرف منها بدون حساب، لجأ إلى الصينيين لتغيير وجه البلد، طريق سيار وجامع كبير وسكنات بصيغ مختلفة كانت أشهرها عدل، كل شيء كان متوفرا للإسراع في الإنجاز والقلة التي كانت تسأل عن الكلفة وآجال الإنجاز وتلمح إلى شبهات فساد كانت ترمى بالخيانة والعمالة والتآمر، بل إنها صارت متهمة بالسعي إلى المرادية على ظهر دبابة الناتو الذي يتربص بنا الدوائر.في سنة 2002 التقيت صدفة في المطار مع صديق مهندس معماري وصاحب مكتب دراسات، كانت رحلتنا واحدة وأثناءها تحدثنا عن مشروع عدل، كان معنيا باعتبار أن مكتبه شارك في بدايات المشروع، قال لي  » هذا مشروع سياسي يريده بوتفيلقة ليثبت أركان حكمه، وبعد سنوات سيضطرون إلى الاستنجاد بصندوق التوفير والاحتياط، وسيتحول المشروع إلى مصدر كبير للصداع عندما يظهر الفشل في التسيير » اليوم أرى كل التفاصيل تتحقق أمامي، لكن أذكر أيضا أن تبون كان أسعد وزراء بوتفليقة لأنه في كل مرة كان يملك ما يعرضه كنتائج، أرقام يجري تقديمها في كل مرة بطريقة مختلفة لنبلغ ملايين السكنات، وحتى عندما صار تبون رئيسا جاء وزيره الأول ليتحدث عن الأرقام المليونية ويضمها إلى منجزات عهد انقضت بدايته في أسوأ الظروف.لا تتحدث الصحافة اليوم عما آلت إليه سكنات عدل بعد أكثر من عقد ونصف من بداية تسليم أولى مشاريعها، لا أثر في نشرة الثامنة لصور المصاعد المعطلة، ولغياب عاملات النظافة، فالمهمة انتهت عندما استلم « المستفيد » ( هكذا تعرفه الحكومة) مفاتيح شقته ودون اسمه ضمن قائمة طويلة من أولئك الذين يشهدون على كرم السلطة ووفاء الحاكم بوعوده. في أيام الجفاف التي نعيشها أضيف تفصيل آخر للصورة، « مستفيدون » من السكن يحملون الدلاء ويتجولون بين أحياء العاصمة يبحثون عن عين في مكان ما للحصول على الماء الذي لم يعد يعرف أحد متى سيسيل من الحنفيات، فقبل فترة بدأ المسؤولون يذكرون الناس بأننا نعيش أزمة وأنه لا بد من برنامج جديد لتوزيع الماء..

بعد رمضان أصدرت سيال بيانا تقول فيه إن برنامج التزود بالماء سيكون بين الثامنة صباحا والثانية زوالا لكن سرعان ما تم سحب البيان وحل محله تأكيد بأن برنامج رمضان لن يتغير، والذي حدث هو أن البرنامج تغير دون صدور بيان، ولم يعد الملايين من سكان العاصمة يعرفون متى سيتوفر الماء في الحنفيات، وهم اليوم مدعوون للتكيف مع الوضع مجددا.في بلد يعاني من الجفاف منذ أكثر من عشر سنوات لم يكن هناك أي استعداد لمواجهة هذا الظرف الذي نعيشه اليوم، لماذا؟ لأنه لا وجود لبرنامج رغم أن الجميع كان يفتتح كلامه بعبارة « تنفيذا لبرنامج الرئيس » مثلما تم شراء سكنات جاهزة من الصينيين، تم شراء محطات لتحلية مياه البحر يقال إنها تعطلت وتأخرت صيانتها، وكذلك تم استلام ميترو جاهز وهو الآن متوقف لسبب لا يعرفه الجزائريون بعد أن رفع غطاء « كورونا » الذي ستر كثيرا من قصص الفشل.يمكنك الحديث عن برنامج عندما تكون لديك تصورات واضحة عن الحكم وأهداف دقيقة ترصد لها موارد وكفاءات، وعندما تكون صاحب رؤية يتوقع ويستعد، ولا شيء من هذا كان عند بوتفليقة، ولا توحي سنة ونصف بعد تولي تبون المنصب بأنه يملك أي برنامج أو حتى فكرة بسيطة يمكن البناء عليها، هنا يحضرني تصريح أنقله كما جاء على لسان صاحبه: « المواطن لا يطلب معجزة، يطلب حل مشاكله، قلنا بالنسبة لمناطق (الظل) وما أكثرها، لم أطلب منك أن تجلب له الماء من على 10 أو 15 كيلومتر لأنني أعرف أن هذا يتطلب صفقة ودراسة، قلت لك اجلب له صهريجا حتى لا يذهب ولده ليجب الماء من أماكن تبعد 10 أو 15 كيلومتر على ظهر حمار..

هذه المناظر البشعة يجب أن تزول من البلاد » كان هذا كلام عبد المجيد تبون متحدثا إلى الولاة في 12 أوت 2020 بعد أن أكمل شهره الثامن في منصب الرئاسة. لم يكن تبون يعرف أن صهريج ماء قد يصبح حلما لسكان عدل في عاصمة البلاد التي يزحف عليها الظل منذ فترة ليضمها إلى تلك المناطق التي يعيش فيها جزائريون آخرون يعتبرهم سكان عدل أوفر حظا لأنهم لن يضطروا لحمل الماء إلى بيوتهم المعلقة في أبراج لا تشتغل مصاعدها أو تتعطل باستمرار، لم يكن يعرف لأنه قبل عام من الآن لم يتوقع أن البلاد ستواجه أزمة ماء ستمس الملايين، فكل الذي يهم هو السعي وراء سراب الشرعية الذي يأتي على شكل بيان دعم من نائب منتخب في تندوف رغم أن دورس رفض الانتخابات المتكررة أبلغ وأنفع لمن قرأ واستوعب.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici