الجزائر: لهذه الأسباب تأزلت ذكرى اغتيال حشاني!

0
1072


https://www.raialyoum.com/
بشير عمري

يحيي المجتمع السياسي الجزائري هاته الأيام الذكرى الثانية بعد العشرين لاغتيال أحد رموز الصراع السياسي في جزائر ما بعد الأحادية، زعيم شاب ألقت به المقادير في الصفوف الأولى لصناعة القرار والمصير في مسار تجربة تعددية أريد لها أن توأد في المهد نتيجة لفقدان متواصل لقوة المناعة الوطنية التي كانت قد بلغت في جسد البلد أقصى مستوياتها مع ثورة التحرير، قبل أن تنجرف منحدرة من علياء قمة ذلك الهرم بسبب الانهيارات الكبرى التي عرفها الوعي الوطني على كامل الصُعد والمستويات.

وهنا قد يتساءل البعض، لماذا يقف الضمير الوطني في الجزائر أمام هاته الذكرى الأليمة، ولا يقف عند ذكريات أخر عديدة لا تقل لحظتها توهجا وقوة في طرح سؤال المأساة والمعناة الجزائرية المستمرة؟

صرفا للنظر عن القيمة المعرفية التي حازها الراحل باعتباره إطارا تقنيا (مهندس في البترول) مزدوج اللغة (عربي – فرنسي) ابن مجاهد كبير وقائد ميداني معروف (إبراهيم حشاني) وهي كلها عناصر تضفي عليه طابع التميز في الحركة الاسلامية وصدر صفوفها الذي عادة ما تجتمع فيه صفات القطائع الكبرى مع السائد في عرف السياسة، حيث الفقيه قائدا مخلدا والعارف والتقني مقودا مخلَفا (من الخلف)، وحيث الأصول العائلية متصلة بالحركة الإسلامية والنشاط الدعوي، أكثر من اتصالها بالحركة الوطنية، والتكوين الألسني والثقافي الأحادي (عربي – عربي)، بصرف النظر عن كل هاته الميزات التي اجتمعت في شخص عبد القادر حشاني، فقد جسد الراحل لحظة مميزة في التاريخ السياسي الجزائر لما بعد الحزب الواحد، إذ أنه لم يقطع فقط مع تلك الأحادية الكلاسيكية في تصوره وتطبيقاته للقيادة حين استلم مقود الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بل قطع مع مشروع “أحادية التعددية” التي كان خطاب القيادة الأولى لجبهة الإنقاذ يمثلها بقوة ويخيف بها شركاءه في المعارضة.

فالساسة من إسلاميين وغيرهم قد لا يذكرون، فضلا عن أن يحتفلوا، بيوم وفاة قائد ومؤسس الجبهة الإسلامية الشيخ عباسي مدني، لأن هذا الأخير مثل المرحلة الأولى من الاندفاع وليس التدافع وفق سنن العقل ونواميس الزمن وشروط التاريخ، ما أفضى إلى حالة من الفوضى استثمر فيها التيار المحافظ من السلطة للتمرد على العهد الجديد وجمد في وعي كما في عاطفة الناس تجربة التعددية باعتبارها خراب للمجتمع وللدولة ومن يومها ولد “المكروه السياسي” و”السياسي المكروه” في فقه المواطنة لا يزال سائدا حتى اليوم يعبر عبر عن حالة اعتوار للسياسة باعتبارها نشاطا انتهازيا، تخريبيا لا نبل فيه ولا طائل يرتجى من ورائه !

لكن هؤلاء الساسة يذكرون كل عام حادثة اغتيال عبد القادر حشاني، لأنه ظل في وعي الجميع يمثل التجربة التي لم تبدأ أو التي أريد لها ألا تبدأ مع أن مِلحها وملامحها قد بدأت تلوح في واقع المشهد السياسي الجزائري، وهذا بفضل ما احتمله الرجل معه من جديد في مقترحات العمل الوطني تقود حتما ليس فقط إلى حلحلة الأزمة المركبة الناتجة عن انقلاب جانفي 1992 بل لمعاودة بناء عهد وطني جديد.

وأصعب ما في السياسة هو أن ألا تبدأ تجربة وقد سطع وميض من أمل كان يرتجى من خلالها، وما أكثر هاته التجارب التي ضاعت عن الجزائر، حتى وصفها أحد الكتاب الفرنسيين “بلد الفرص الضائعة” وهي في الحقيقة فرص مضيعة.

ولأن تلكم التجربة لم تبدأ قط، فستظل عملية التخلص من عبد القادر حشاني تمثل الحلقة المفقودة عبر المسارين معا، الإسلام السياسي والتجربة التعددية بالجزائر، فموت زعيم مخلص للقضية لا يقتل القضية بل يضاعف من أسئلتها ويقوي من حضورها في المسرح السياسي وليس فقط في مسرح الجريمة! هذا ما يبدو أنه يفوت الكثيرين ممن يحملون منزع التخلص الجسدي من التاريخ وليس التخلص الفكري الحقيقي عبر مقارعة السؤال بالجواب والجواب بالسؤال.

موت حشاني بالطريقة التي أرادها له خصومه جعلته نصبا تذكاريا روحيا دالا عن مكمن أزمة الحقيقة السياسية في جزئية الانتقال من عهد ظلمات الزعيم الوحيد للحزب الواحد والفكر المتوحد إلى عهد نور مجتمع متحد بالتعدد، من خلال سلطان إرادته وإدارة عبقريته المتحررة.

هي إذن الحلقة المفقودة التي تعيد طرح سؤال الحقائق المغيبة في مذبح الانتقال السياسي بالجزائر، والتي (الحلقة المفقودة) ستستمر في حضورها الاستفهامي في تاريخ الجزائر السياسي، كما حضرت من قبلها استفهامات وتساؤلات حول جرائم واغتيالات، تأزلت بغموضها في تاريخها الكفاحي الوطني في فترة الاحتلال، يوم كانت أصوات معارضة، فقط لمجرد صدعها بالحق ورفضها الانصياع لمشاريع الضياع، توصف بالفتنة أو توسم بالخيانة فيتم اسكاتها إلى الأبد دون اسكات فكرها ورؤاها.

كاتب جزائري

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici