ظل زاحف كالظلام

0
3319

Nadjib Belhimer

لم نعد نسمع في وسائل الإعلام عن « مناطق الظل »، تبخرت الوعود بعد سنتين من إطلاقها وكل ما تحقق هو مزيد من زحف هذا « الظل ».

عندما جئت إلى جيجل لقضاء عطلة الصيف لم أتفاجأ من تدهور حالة الطرقات، والفوضى العارمة والأوساخ التي تنتشر في كل مكان، ومن الحالة المزرية التي آل إليها الشريط الساحلي ولم تسلم منها الغابات أيضا، كل شيء متطابق تماما مع ما نراه فيما نسميه تجاوزا « المدن »، فالجزائر صارت كلها « منطقة ظل ».

شيء واحد لم أفهمه وهو أن هذه الولاية التي تسجل أعلى معدل لتساقط الأمطار في البلاد ما زالت تعاني من مشكلة توزيع المياه، لم أفهم، رغم أنني سألت وحاولت بجد، كيف لحي في عاصمة الولاية ينقطع عنه الماء بشكل دوري ولفترات تصل إلى أربعة أيام في حين أن حيا مجاورا لا يفصله عنه إلا الطريق لا ينقطع عنه الماء على مدار الساعة؟ كيف يضطر سكان أحياء إلى نصب خزانات الماء على أسطح العمارات أو في شرفتاهم حتى يضمنون ما يحتاجون من ماء ومنهم من يتفاجأ يوما بأن الخزان فارغ لأنه قضى أياما يستهلك ما فيه في حين كان الماء مقطوعا؟

زرت حي أبلوط على مشارف تاكسنة فلاحظت أن سكان العمارات التي بنيت حديثا يحملون الدلاء بحثا عن الماء، سألت شابين هل لديكم مشكلة؟ قالا لي يتم تزويد الحي بالماء مرة كل ثلاثة أيام، قلت ما السبب قال : يقولون إنه الجفاف ! الجفاف في ولاية سدودها في مستويات امتلاء هي الأعلى وطنيا، قلت: وما حكاية ذلك الحاجز المائي القريب من الحي؟ قال لي أحدهما ربما لديهم مشكلة في الضخ.

لا أحد يعطيك إجابة واضحة، لكن المؤكد أن الطبيعة بريئة من هذه المعاناة، طريقة التسيير توحي بكثير من الاحتقار للناس والاستخفاف بهم، فقد روى لي أحد المتضررين من هذا الوضع أن أحد العاملين في الجزائرية للمياه قال له نحن نقلل من تدفق الماء وننتظر رد فعل السكان حتى نضبط التوزيع، النتيجة هي أنه من المستحيل أن يصل الماء إلى الطابق الخامس في العمارات.

هذا هو وضع توزيع المياه بعد سنتين من إطلاق حملة تنمية « مناطق الظل » في ولاية لا تعاني من أي شح في مصادر المياه، وأعيد تأهيل شبكة التوزيع في عاصمتها قبل سنوات من طرف شركة صينية، وهذا الوضع عينة عن واقع مأساوي تجري التغطية عليه بالتصريحات والمهرجانات.

لا أشعر بأي استغراب من هذا الوضع، فقبل أن أذهب إلى جيجل كنت قد تركت مصعد العمارة في العاصمة معطلا والناس يعيشون معلقين في أبراج أريد لها أن تكون مفخرة عهد بوتفليقة فتحولت إلى معلم للفشل.

أقطع مئات الكيلومترات متنقلا بين منطقة وأخرى فلا أعبر إلا « مناطق ظل » لم تعد تراها وسائل إعلام تفرغت للتسويق لوعود أخرى وبيع أوهام أخرى.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici