الانتقال الديمقراطي.. الفراغ السياسي والعبث الانتخابي

0
2224

Redouane Boudjema

الجزائر الجديدة 120

ستولد الجزائر الجديدة، لما تقطع نهائيا مع عصب وشبكات منظومة الحكم، قطيعة مع آليات وممارسات وأشخاص هذه العصب والشبكات، التي كانت عندما تتوافق تتقاسم الريوع والمكاسب والمناصب، وعندما تتناحر تستخدم المجتمع مطية وميدانا للقتل والانتقام وتصفية الحسابات، وما حدث في تسعينيات القرن الماضي وأحداث الربيع الأسود أحسن مثال على ذلك.
منذ 22 فيفري الماضي، نجح المجتمع بسلميته ووحدته وضغطه ووضوح رؤيته، في أن ينقل معارك الشبكات والعصب إلى صالونات ومحميات وإقامات السلطة، وقد تمكن من تفكيك جزء من الشبكات والعصب بأذرعها المالية والسياسية والأمنية والإدارية، وهو ما جعل كل الشبكات تعمل على اختراق الشارع بغرض استخدامه كورقة ضغط، دون جدوى، بسبب بصر وبصيرة الأمة التي رفعت شعارات تدعو للقطيعة النهائية مع المنظومة كلها وضرورة التحرر النهائي منها، وهو ما اختصر في عبارة « يتنحاو قاع »، التي تعبر عن إرادة تغيير النظام في عمقه الاستراتيجي الذي رهن البلاد والعباد من أجل ضمان مصالح شبكات الفساد والاستبداد.

الانتقال الديمقراطي والمرحلة الانتقالية والخطاب المغلوط

السلطة منذ انطلاق الثورة السلمية وهي تناور، فمن مناورة الانتخاب من أجل عهدة بسنتين لتنظيم بيت السلطة المهلهل، إلى إلغاء الانتخابات وتمديد بقاء بوتفليقة، إلى إقالة أو استقالة بوتفليقة ومحاولة فرض اقتراع الرابع جويلية، إلى نجاح الأمة في إلغائه، إلى اقتراع 12 ديسمبر القادم الذي تحول إلى عبث انتخابي بكل المقاييس، لأن غالبية المترشحين من خدم بوتفليقة ومن الذين كانوا من أسباب الأزمة التي نعيشها، ومن أبرز الوجوه التعيسة لشبكات الولاء والفساد، ولأن كل الآليات الموجودة لا يمكنها – وفي أحسن الحالات – إلا أن تعيد تركيب النظام المفكك والهرم.
مرت أكثر من ثمانية أشهر عن انهيار وتفكك بعض عصب الحكم، والسلطة الفعلية تسوق لخطاب ضرورة التقيد بالدستور، رغم أن هذه الوثيقة خرقت على أكثر من صعيد، بداية من وجود بن صالح بشكل غير دستوري بعد انقضاء عهدته الدستورية المؤقتة، إلى العديد من القرارات المتخذة خارج ما ينص عليه الدستور، كما أن السلطة استخدمت أجهزتها السياسية والإعلامية لإنتاج خطاب مغلوط ومشوه ومشحون بالتلويث الرمزي، خطاب يتعمد الخلط بين الانتقال الديمقراطي والمرحلة الانتقالية، ويسعى للتأكيد أن المرحلة الانتقالية هي ما عاشته الجزائر في جانفي 92.
آخر هؤلاء الذين كانوا في سبع حكومات لبوتفليقة كوزير مكلف بتسيير حقائب عديدة من حكومة بن بيتور إلى حكومة بن فليس إلى الحكومات الخمس التى ترأسها سلال، قبل أن يعين لمدة شهرين كوزير أول، هو عبد المجيد تبون الذي بقي وفيا لبوتفليقة وساند عهدته الخامسة، وخرج اليوم بعد إيداعه لملف ترشحه بخطاب أقل ما يقال عنه، إنه غير متناسق ويقفز على الواقع ويشوه ويحرف التاريخ، ويؤكد أننا أمام رجال سلطة لا يعرفون الحد الأدنى من ثقافة الدولة واحترام ذكاء الجزائريين والجزائريات.
تبون أكد في مقر محمية نادي الصنوبر، أن السيادة الشعبية لا يترجمها إلا الانتخاب، والانتخاب المقصود طبعا هو اقتراع 12 ديسمبر القادم، كما أكد أنه ضد التعيين وأن المرحلة الانتقالية هي التعيين، وبأن الجزائر عرفت مرحلة انتقالية سنة 92، وبأن هذه المرحلة كانت مبررة، وهو ما يعني أن كل المآسي التي عرفها الجزائريون والجزائريات كانت مبررة، وبأن الضحايا من قتلى ومختطفين ومعتقلين ومعذبين كانت قدرا محتوما، وهو سقوط أخلاقي يعطينا فكرة عن مضمون برنامج تبون « الأخلاقي » الذي وعد به الجزائريين والجزائريات.

رجال السلطة وشخصنة المؤسسات

إلى جانب هذا العيب الأخلاقي، فإن تبون يمارس تزوير التاريخ، لأن جانفي 92 كان انقلابا ضد الإرادة الشعبية، لا يختلف عن الانقلاب الذي يراد فرضه يوم 12 ديسمبر القادم، وما حدث بعد ذلك كان إعادة تشكيل النظام لتفادي الانتقال الديمقراطي بتواطىء من إسلاميي البازار وعلمانيي الدمار ووطنيي الاستعمار.
وهذا هو لب الموضوع الذي تريد السلطة أن تجهضه في كل مرة نضجت فيها فكرة الانتقال الديمقراطي، ففي جانفي 92 كان الانقلاب قد بدأ مع أحداث جوان 91 استقالة حكومة مولود حمروش، ثم الانقلاب ضد الشاذلي بن جديد، من أجل تفادي انتقال ديمقراطي داخل النظام، فتم إجهاض الانتقال بفرض حالة الطوارىء وتخوين كل من عارض الانقلاب وفرض انتخابات نوفمبر 95 التي فرضت اليمين زروال في الحكم، وهو ما مكن السلطة من إعادة ترتيب أوراقها قبل أن يفرض العسكر كعادتهم عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجمهورية سنة 1999.
اليوم وأمام ضغط الملايين، تحاول السلطة تنظيم انقلاب آخر بفرض اقتراع يؤدي لإعادة ترتيب بيت السلطة وضمان تداول شبكات أخرى على تقاسم الريع والمغانم من أجل إنقاذ نظام مات رمزيا وعمليا وسياسيا، فانقلاب 12 ديسمبر القادم، يهدف لاستخدام صندوق الانتخاب كآلية من آليات القهر السياسي ضد الأمة، لإجهاض الثورة وإسقاط آمال الملايين في تغيير المنظومة من أجل إنقاذ الدولة وبناء المؤسسات والمجتمع المفتوح، وهو مسار انتقال ديمقراطي يبني آليات جديدة تلغي القوانين السالبة للحريات، مما يمكن الأمة من ميلاد مجتمع مفتوح يبني الدولة، ويفرض ممارسة السلطة بوجود سلطات مضادة، وينقذ كل المؤسسات من أمراض الشخصنة التي تعجز كبريات مستشفيات الأمراض العقلية من معالجة أعراضها، لأن شخصنة المؤسسات هي التي أنتجت الفراغ السياسي القاتل للدولة، وحولت الانتخابات إلى عبثية لا يمكن أن يشارك فيها إلا رجال سلطة صنعتهم شبكات الولاء والفساد، رجال سلطة يحتقرون الأمة ولا يؤمنون بقدراتها، ويسعون لإطالة عمر منظومة التعيين على رأس قصر المرادية.

الجزائر في 26 أكتوبر 2019.
تحرير وتصوير رضوان بوجمعة.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici