بشير عمري
https://alsiasi.com/
وعد بتشبيب طاقم حكوماته الأولى، فها هي ذي التعيينات الأولى تكشف عن إستراتيجية النظام الجديدة في نسخته “التبونية” بإعطاء الفرصة للشباب في العشرينيات والثلاثينيات من العمر لقيادة البلاد وبالتالي تحقيق القطيعة مع الممارسات السابقة التي كانت تجعل من شيوخ السلطة وكهولها قادة للبلاد وفق الأبوية الثورية التي فرضها النظام مذ اغتصب الشرعية صائفة 1962 بحجة إنقاذ الوحدة الوطنية من تهديدات الحرب الأهلية التي كانت وقتها وشيكة بسبب الصراع على غنيمة حرب التحريرية بين مختلف فرقاء الثورة.
تعيين أكاديمي ستيني ورئيس حزب سبعيني تواليا، رئيسا للحكومة وناطقا رسميا باسم رئاسة الجمهورية، يؤشر إلى أن ثمة تغيير في الرؤية لكيفية التعامل مع المعضلة الثورية الحراكية حدثت بعد رحيل قائد الأركان، فتشبيب الحكم الذي كان من أهم النقاط التي ارتجلها في أولى نداوته الصحفية مباشرة بعد إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية المطعون في شرعيتها شعبيا، ستعود لتأخذ طابعها الأول الديكوري الذي شكل بها نظام بوتفليقة مشهدا من مشاهد المكياج الحداثي والديمقراطي العصري الذي كان يضفيه على جهاز حكمه القاطع في الحقيقة مع كل تحديث فعلي أو عصرنة حقيقة إذا ما توغلنا في أعماقه ولامسنا هشاشة أساساته، مثل توسيع مشاركة المرأة، منح الشباب حقائب وزارية هامشية.
فما الذي أراد الوصول إليه تبون بإعلانه السابق بالتشبيب؟ وهل سيقف هذا التشبيب عند حد التعيينات القطاعية على مستوى الحكومة والأجهزة التنفيذية؟ أم سيصل حد الفكر والسلوك ومصادر القرار الوطني؟
ليس يخفى على أحد بأن غياب المشروع الوطني الذي يأخذ بعين الاعتبار تطور الحالة الوطنية عددا وعدة، كما وكيفا من قبل النظام، قد راكم من عوامل أزمة هذا الأخير فجعلته يعيش غربة تاريخية يتخبط فيما بين الرؤى ونتاج الواقع الدولي والمحلي الذائبين والدائمين في التجدد، ما فصله عن الشعب وفصل الشعب عنه فانهار في الفردانية التي قادت قادته إلى الفساد فهوى بأول ضربة حراكية شعبية عبر من خلالها الشعب الجزائري لأول مرة منذ الاستقلال عن وحدة كلمته حيال هذا النظام.
اللا مشروع مثلما أشرنا إليه في العديد من كتاباتنا السابقة، يعني بالضرورة اللا فكر، وبالتالي لا تفاعل جيلي يقوم على تبادل الرؤى للحاضر والأفاق البعيدة، فكيف والحال هذه التفكير في التشبيب؟ فعندما يظهر شباب الأحزاب التي حُكم باسمها في الواجهة عبر مختلف القنوات التلفزية يحملون ذات الخطاب القديم المنسوج بخيوط المؤامرات الخارجية والداخلية ومحاولة ضرب استقرار البلاد، وتهديد الوحدة الوطنية بحجة تفعيل التعددية ولتنوع، في حين يعتقل المجاهد الكبير لخضر بورقعة صاحب الـ86 سنة من العمر لمطالبته بالتغيير ودعوته للنظام بضرورة التنحي وترك الفرصة للفكر الشبابي الجديد، فعن أي تشبيب خارج الحظيرة الكلامية لنظام استهلك كل القواميس القديمة الحافلة بكل مفردات الوهم والخديعة في الانجازات والتدشينات والإحصاءات الصاعدة بالأرقام الصاروخية الكاذبة، والخالية تماما من مفردات الضياع الوطني الكلي، الفشل، الانسداد، الاستبداد والفساد الذي يطحن الأوطان نتكلم؟
تشبيب جهاز اتخاذ القرار وليس التنفيذ !
من هنا يصير التشبيب مجرد خدعة ديكورية لا غير، ذلك لأن الشباب في الطبيعة السياسية ليسع عمرا بيولوجيا، بقدر ما هو عمر فكري رؤيوي، التشبيب الذي تلجأ إليه النظم الشرعية الديمقراطية المنبثقة حقا عن إدارة الشعب هو ذلك الذي يعبر بفكره عن الحاجة الراهنة التي تتفاعل آليا مع أشياء التاريخ ومنجزاته.
وعليه فإن التشبيب الذي لا ينفذ إلى داخل القوقعة حيث يطبخ القرار السياسي والمصيري للبلاد، والاكتفاء فقط بمنح حقائب وزراية فارغة أو مليئة بالتوصيات والوصايا والتوجيهات والامتلاءات من أجل إنزال حيز التنفيذ ما يتقرر داخل المطبخ السلطوي، فهذا في الحقيقة تشييب بالشباب أفضل منه تشبيب بالشياب كما هو سار في عديد الديمقراطيات العريقة في العالم.
فماذا أفاد البلاد سابقا مثلا تعيين أسماء شابة في الأجهزة التنفيذية كحمراوي حبيب شوقي، الذي كان أول فتية النظام ممن أعطوا حقيبة وزارية وهم في بداية ثلاثينيات أعمارهم، ثم فاطمة ورواطي وخاصة وزيرة الاتصال هدى الفرعون التي حققت أعظم انجاز شباني لهذا النظام وهي المرتبة ما قبل الأخيرة للجزائر في مجال سرعة تدفق الانترنت !
الثورة على الاستبداد الأيديولوجي أكثر منه بيولوجي
وهنا يبدو النظام كما لو أنه يأبى التجديد على صعيد التاريخ والعنوان الوطني، بإصراره على رفض الطابع الثوري للحراك الذي تقوده جحافل الشعب من شباب وشيوخ من الجنسين يحملون معنى التشبيب الحقيقي وهو ذلك المتعلق بتشبيب مرجعية الدولة الثورية التحريرية وفق نظام جديد يقطع مع لا مشروعية النظام السابق التي قادته في الأخير إلى اللا مشاريعية وبالتالي إلى الغربة الوطنية والدولية في التاريخ.
لقد انهارت مبررات النظام في التغيير داخل قوقعته المظلمة الأولى واستحال إلى شيخوخة بيولوجية مست حتى عقوله الشابة لكونها ظلت حبيسة ورهينة لفكرته الوحدة الوحيدة وهي الاستدامة في الحكم، وصار بالتالي مصدر خطر بشيخوخته المرضية تلك على المجتمع وكذا الدولة الوطنية ككل.
تشبيب القديم و ليس تقديم الشباب
ما تحتاجه الجزائر اليوم هو تشبيب القديم وليس تقديم الشباب فقط، البلاد تحتاج إلى إعطاء جرعة لثورتها التحريرية التي رسمت الخط الوطني الواجب تتبعه لتحقيق لاستقلال التام وتفعيل الذات الوطنية داخل المرجعية التأسيسية الثورية وليس مرجعية النظام (جماعة وجدة بمختلف أجيالها) التأويلية لنص التأسيس.
البلاد في حاجة إلى تشبيب كل ما حجبه عجز وشيخوخة نظام أخطأ حين قطع الحبل السري الذي كان يشد بعضا منه بالحركة الثورية الوطنية واغتنم البلاد وقادها بلا مشروع إجماع ثوري وطني فألفى نفسه أمام نهاية طريق مقطوعة، مبهمة عطل بها مسيرة التطور الوطني في الوعي والممارسة التي كان يكتسبها أجيال المجتمع بشكل مواز ومتمرد على أطره الديماغوجية والدوغمائية.
فليحذر الجميع من فصل آخر من فصول قصة النظام الفعلي والواجهات الديكورية التي وسمت طبيعته ومساراته، فبعد الواجهة المدينة لحكم عسكري، ثم واجهة تكنوقراطية (عصابة) لسلطة فعلية يتجه النظام إلى فصل جديد عنوانه الواجهة الشبابية لسلطة المشيخة في نظام أُستهلك واستحال إلى خطر هالك.
بشير عمري
كاتب سياسي جزائري