يسألني مستفسرا والخشية على ملامحه تؤرقه…

1
4565

رشيد زياني شريف

منذ أسابيع، يسألني الكثير من الفضلاء عن الحراك ومآله والخشية بادية عليهم، لا خوفا على أنفسهم ولا حسرة على مكاسب شخصية طال انتظارها، ولا اقتصادا في الجهد أو إدبارا عن مواجهة المكائد؛
يسألوني خشية على « بيضة » الحراك، ومستقبله، والشك ينتابهم، من شدة ما يرونه طول انتظار وترقب، لنتائج لم تتحقق بعدُ، فضلا عن ما يبثه المرجفون من بذور التيئيس؛
أتفهم هذا الشعور، وهو من طبيعة النفس البشرية، وليس مستحيلا أن يدب حقا اليأس والتعب والإحباط في نفوس المرابطين في الحراك، بعد 11 شهرا، دون أن يحققوا ما يعتبروه مطالبهم الجوهرية « إنهاء منظومة الفساد والاستبداد، ليوضع محلها لبنات دولة القانون »؛
يسألوني بإلحاح، يترنح بين لكمات الخوف ونسيم الأمل، وكأنه يصارع نزعة الإحباط، بألم ومشقة وترقب؛
جوابي بكل صدق وثقة ويقين، لا رجما بالغيب ولا جريا وراء السراب ولا بيعا للتمنيات والأوهام، بل إجابة المتيقن بقضيته وعدالتها ومطمئن بمعدن شعب لا زال يبهر العدو قبل الصديق، البعيد قبل القريب، شعب قيل عنه وفيه الكثير، فأدحض مزاعم معظمهم؛
أجيبُ بكل اطمئنان، لا مكان للخوف ولا حظ لليأس، ولن نمكن للإحباط من أن ينفذ إلى النفوس؛
لا مبرر للخشية، ولا للقلق واليأس، إن ما حققه الحراك إلى يومنا هذا، خيرٌ عمِيمٌ، حقيقيٌ وليس أوهام، لم يسبق لنا تحقيقه في حياتنا على مر عقود من الزمن، إن ما يعيشه المواطن كل يوم من أيام حراكه المبارك، لا يمكن وصفه، وكأنه ولادة بعد فناء، ثقة متجددة وأمل فياض، وذلك، حتى قبل تجسيد المطالب الجوهرية المعلنة، دولة مدنية، دولة العدل والقانون؛
إن ما يتحقق كل يوم جمعة وثلاثاء و(سائر الأيام)، على مر الأسابيع المتتالية، لم يكن أحدٌ يتصوره قبل 22 فبراير، أن يخرج المواطن، بالآلاف، للتعبير جماعة، في الفضاء الوحيد المتاح، الشارع، عن آلامهم وآمالهم، بصوت عال، متحدين قوانين الجور والاستبداد التي فُرِضت على الشعب لمنعه من مجرد رفع صوته بعد أن صودر مصيره وكمم فمه، عندما كان يعنف ويقهر بالعصا وخراطيم المياه، لتفريق العشرات فحسب، بحجة أن ذلك مخالف للقانون، وها هو اليوم يخرج بعشرات الآلاف وبل ومئات الآلاف، دون أن تستطيع آلية القمع أن تنفذ « قانونها »، فترضخ لقانون الجماعة والعدد، فتعجز عجزا، لا إرادة أو منة أو حلما منها، عن تفريق الأمواج البشرية المنددة بدولة الاستبداد؛ لو كان هذا وحده وحسب لكان كافيا، ليدلل على أن المواطن حقق هدفا ساميا، وبرهن على قوة وإرادة، يمكنه تجسيدها متى اجتمعت كلمته، لتنكسر العصا ويبطل مفعولها أمام الجدار البشري المتراص؛
ما حققه المواطن، ليس بالأمر الهين، كيف لا وهو اليوم يشعر لأول مرة كمْ هو حر وعزيز، يفتخر بالانتماء إلى هذا البلد الطيب الجزائر، الذي كان مجرد ذكر الانتماء إليه بمثابة وصمة تلاحقه وكأنها لعنة، في حين يشارك اليوم، كلٌ من موقعه، في صناعة مصيره وكتابة تاريخه، بثقة وقناعة وإصرار، أمر لم يسبق له أن فكر فيه من قبل ناهيك عن تنفيذه على أرض الواقع بعد أن أقصِي وهمش واحتقر و ألغي من الوجود الفعلي الكريم؛
منذ 22 فبراير، يستنشق المواطن هواءً نقيا، يتنفس فيه نسيم حرية وكرامة مُنِع منها طيلة عقود، زاده ثقة في النفس، ليعزم أمره ويقرر مصيره ولا يترك غيره يقرر بدله ورغم أنفه، وضد مصلحة بلده؛
هل بعد كل هذه النفحات الربانية، يوجد ما يبرر خشيتنا من التعب واليأس والقنوط، ونخاف من أن ينال المواطن الإنهاك فيعود من حيث أتي، إلى سبات وقهر ما قبل 22 فبراير؟ هل منْ استنشق نسيم الحرية والكرامة، سيرضى بغيرهما؟ هل من عاش عنفوان حياة الكرامة، يرضى الانتحار المعنوي السائد ما قبل 22 فبراير؟
لا أعتقد ذلك، بل أكاد أجزم أن من عاش هذه النفحات، لن يصمد أمام التعب فحسب بل مستعد ليدفع أكثر ويبذل جهدا أكبر، للخروج من جور الاستعباد إلى فضاء الحرية الرحب؛
في الحقيقة، إن كان لا بد من خوف ويأس وإحباط، فإنه موجود على الضفة الأخرى، عند الطرف الذي أصبح يضيق حنقا وخنقا من الهواء الذي أنعش المواطن المتحرر، نفس الهواء، خانق للمستبد، ينتزع روحه انتزاعا، ورحبٌ منعش للمواطن منذ 22 فبراير ويستمر.

1 COMMENTAIRE

  1. يا استاذ زياني لا يوجد احباط و لا يمكن له أن يكون او ان ينبع من عند « مولود جديد » و لاكن فيه خشية تتمثل في ه‍ذا السؤال « هل بإمكان ه‍ذا البرعم ان يعيش لوحده بدون رعاية و دعم ؟ »..علما ان النخبة تخلت عليه وهو في امس الحاجة إلى المساعدة المعنوية اكثر من غيرها و بما ان الشعب يتكفل بالاهم ويقوم بدوره كاملا. امام صعوبة التمثيل او التأطير نرجوا ان يتجمع الرجال و النساء من المثقفين و الجامعيين و النخب التي لا علاقة لها بالنظام في تشكيلات حرة و تعلن سندها و دعمها الحراك و بامكانها ان تنصح و و تقترح على الحراك الخطوات التي يمكن أن ينتهجها الحراك مستقبلا ..و ربما يقبل الحراك ان يجعلها ناطقة باسمه ان وجد بينهم رجال مخلصين و نزهاء . أعقمت البلاد،؟ كلا و الله لا و ما كثرة المعتقلين الا دليل على خصوبة و نوعية الانجاب للرجال و النساء المخلصين للوطن

    Le Hirak ne faiblira jamais même s’il y aura des déprimés sporadiques ici et là. Mais le Hirak a besoin d’une élite qui l’accompagne et le reconforte devant ces coups bas répétés par le pouvoir en déperdition. Le Hirak cherche désespérément une élite sur qui il peut compter. Qui l’oriente en cas de doute et qui l’alerte en cas de danger. Une élite autre que celle qu’on retrouve dans nos plateaux TV …Cette élite qui intervient individuellement doit se structurer pour aider le Hirak. A bon entendeur Salam

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici