https://alsiasi.com
بشير عمري
بظهور أرقام العملية الاستفتائية حول الدستور الجديد، يكون قد انتهى الفصل الثاني من مواجهة الأزمة الخطيرة التي تتهدد حياة النظام السياسي في الجزائر بفشل شعبي جديد يكرس به انتصارا للحظته الثورية المستمرة منذ ما يقرب العامين والتي يرنو باستمراريتها إلى أفق جديد لجيل جديد قاطع على كل المستويات والفهوم المتصلة بالوطنية الأولى، متشبثا بوحدته الترابية والمصيرية مندفع نحو المستقبل بقوة وعيه الذاتية في خضم تهافت الخيال السياسي للنظام ومعارضته البائدة البالية .
بعيدا عن القراءات المجتزءة والكيدية من هذا الطرف أذاك لنسبة المشاركة أو المصاحبة الشعبية الهزيلة عكس ما كان يتمناها النظام لمشروعه في بناء الجزائر الجديدة بأسلوبيته القديمة، ما يمكن التركيز عليه هو الطبيعة التبريرية للفشل التي غصت بها وسائل الاعلام الموالية شأنها شأن الاحزاب الموالية ذلك لأن المولاة صارت مهنية وسياسية، أين ألقت اللوم على عدم الاستجابة في المشاركة الواسعة على أكثر من طرف، إلا النظام ذاته طبعا!
الأولى على القدر، بكون الجائحة عملت على التقليص الكبير من حجم المشاركة خوفا من الناخبين على صحتهم، والسؤال هنا ألم تكن دوائر القرار والتقارير التي تصلها من الجهات الامنية والاستقصائية على دراية بهكذا مشكل، حتى تلجأ إلى استعجال التغيير الدستوري ولو على حساب الأمن الصحي للشعب؟
من اختار التنازل عن الأمن الصحي على حساب تعديل دستوري لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يشكل أساس الأزمة الوطنية الكبرى المتأتية عن ثورة التغيير الشعبية؟ وهل ثمة أطراف داخلية أو خارجية لا يخدمها التأجيل، تكون قد فرطت في الأمن الصحي للموطن بغرض تمرير مشروع التعديل؟
كل العالم في حالة حرب مع كورونا ومعروف أنه في حالات الحروب تؤجل كل الاستحقاقات الديمقراطية والسياسية إلى ما بعد أن تضع الحرب أوزارها، في فرنسا ذاتها تم تأجيل مسارات إنتخابية دستورية للسبب عينه بعد أن أعلن ماكرون في أول يوم من غزو الفيروس الاراضي الفرنسية الحرب على الوفيد19 في حين راح يشجع السلطة عندنا على المضي في مسار الاستفتاء.
ثاني مرامي اللوم وجهت إلى تصريحات المسئولين المستفزة للمواطنين في خطابات وخطب الحملة الانتخابية المتعلقة بالاستفتاء على تعديل الدستور، إذ رأى فيها الطرف الخاسر في رهانه على مشاركة كبيرة تعطي للنظام جرعة شرعية وأمل في ترميم الذات ثم قيام النظام من سقطته المهولة بانفجار ثورة حراك 22 فيفري الماضي، سببا رئيسا وراء خيار المقاطعة الكيدية فقط وليست النابعة من موقف وعي سياسيين مسبقين!
صحيح أن التصريحات تلك كانت مستفزة، لكنها لم تكون قط سببا مباشرا في مقاطعة الأغلبية للدستور، ذلك لوعي الناس بأن من صرحوا بالتفهات التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي ليسوا من حظيرة الثورة الحراكية وبالتالي فأقل ما يمكن أن يصدر عنهم من زلل كلامي هو ما قالوا وصرحوا به، وسبق أن أشرنا إلى سبب تلك السقطات المريعة في السلوك والكلام التي أعادت تأكيده وزيرة التضامن الوطني في عملية الاقتراع حين أخذت ورقة التصويت بـ نعم ولم تأخذ نقيضتها بـ لا وحتى حين تم تنبيهها إلىالأمر أصرت على ذلك والغريب أنها ذهبت لتضع خيارها “العلني” في المظروف خلف الستار المخصص لذلك والحال كان يقتضي بأن تحشوا أمام الاشهاد الورقة في المظروف وتضعها مباشرة في الصندوق طالما أنها لم تحمل سوى ورقة واحدة بـ نعم! صورة عكست المستوى السياسي وثقافة مسئولية الدولة عند من أنيطت بهم هاته المسئولية.
أما ثالث الملامات فكانت بدورها قدرية، إذ لم يتردد بعض المهزومين في معركة الدستور في التأكيد على أن مرض الرئيس ونقله إلى مستشفى راق بألمانيا، شكل صدمة للمواطنين الذين كانوا فلربما يتصورون أنفسهم يوم الاقتراع جيش يمضي خالف قائده في معركة مصيرية في انسجام وتناغم كاملين، قبل أن تحدث الصدمة، وهنا لم يشرح هؤلاء طبيعة الصدمة التي انتابت المواطنين وجعلتهم يقاطعون الاقتراع، هل لكون الرئيس ذهب يعالج في الخارج ضد كورونا في أول حالة دولية لم تحدث لأي من رؤساء العالم؟ أم لكونه سبق وصرح بأن منظومة الجزائر الصحية هي الافضل في شمال افريقيا ومن الأفضل في عموم إفريقيا ليقف عند محدوديتها في أول مرض اصابه؟.
ويمكن إضافة لوم أخر سمعته من أحد المحللين ممن أغاضته نسبة المشاركة الهزيلة ألقى به على الأحزاب السياسية التي لم تلعب دورها في حث المواطنين على أمام مراكز الاقتراع، والواقع أن الأحزاب التي والت كل سلط النظام ولعبت باتقان دور الواجهة له، كانت حاضرة بكل قواها في الحملة الاستفتائية، لكن قواها تلك التي كان الاعلام الكاذب المتواطئ المرتزق يضخمها كما كانت تضخم فواتير الاستيراد لعصابات الفساد، ظهرت في اللحظة الثورية الحراكية الحالية على حقيقتها أنها غير مستطيعة أن تمد النظام الفعلي بقوة دفع جديدة وبالتلي صارت كالخمر ضررها أكثر من نفعها بالنسبة للجماعة الحاكمة
أما إن كان هذا المحلل يقصد غياب الأحزاب المعارضة، فالمتسبب فيها النظام وأجهزته الباطشة في الظلام الصامت حين كانت تغتصب الأحزب وتقلب على بعضها البعض لتظهر داعرة فاجرة مفجرة للوطن في أعين المواطن وبالتالي لم يجد النظام من يمكنه من الأحزاب أن يدعمه في محاولة استنقاذ نفسه من ثورة الشعب واصراره على التغيير.
الحقيقة أن المسار الخاطئ الذي اختاره النظام لاعادة بناء نفسه وترميم هيكله على حساب مصير البلد والمجتمع الذي صار أكثر من وقت مضى في حاجة إلى التجديد الذي ينسجم مع وعييه الجديد ليندرج مع بقية الشعوب والأمم في عصر يُعتصر فيه الضعيف الخفيف من الأمم، كان بمثابة مؤشر انتحار في الزمن وفي السياسة، وحتى وإن كان لا يزال أمامه وقت للمراجعة والتراجع عن هذا المسار وتسليم سلطة وسيادة ووسائل التغيير للمجتمع، فإن نهايته صارت مؤكدة بموجب كل الحتميات.
بشير عمري
كاتب صحفي جزائري