الجزائر… لم تُهزم الديمقراطية بعد

0
1491

https://www.alaraby.co.uk/

عثمان لحياني23 فبراير


2022أعاد الحراك إحياء جذوة المطلب الديمقراطي (رياض قرامدي/فرانس برس)

نجح الحراك الشعبي أم فشل؟ يسيطر هذا السؤال على قطاع واسع من الجزائريين في الذكرى الثالثة لأكبر انتفاضة شعبية سلمية تشهدها الجزائر منذ الاستقلال، ضد السلطة القائمة، وللمطالبة بالديمقراطية والحريات.

وهو سؤال مشروع، لكنه بالغ التعقيد في تفكيك استحقاقات النجاح ومؤشرات الفشل.

إذا وضع الحراك الشعبي في سياقات تاريخية تخص الحالة الجزائرية، والظروف التي رافقت بناء الدولة الوطنية، وتشكل النظام السياسي وتمركز الجيش في قلب الحكم، فهو لحظة لاستئناف المطلب الديمقراطي من قبل الجزائريين. 

يأتي هذا بعد سلسلة محطات سابقة، ومتعددة الأشكال في النضال السياسي منذ الاستقلال، وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى محطات الربيع الأمازيغي في إبريل/نيسان 1980، وأحداث قسنطينة عام 1986، وانتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 1988.

وإذا لم يكن للحراك من نجاح سوى أنه أوقف انهياراً شاملاً للدولة، وغيبوبة كابحة للمؤسسات، وأنقذ بلداً كان على مشارف أن يبتلعه « الكارتل » المالي، فهذا نجاح ما بعده نجاح، يحسب له تاريخياً. لكن أكبر ما حققه الحراك أيضاً أنه أعاد إحياء جذوة المطلب الديمقراطي، بعد ثلاثة عقود، تضمنت عشرية ساد فيها العنف السياسي.

ولذلك سيبقى مطلباً قائماً، وستعاني معه السلطة طويلاً، ويتدخل في خياراتها وقراراتها (قرار إلغاء الضرائب كان تخوفاً من انتفاضة الشارع). ويمكن اعتبار تصريف السلطة لفائض من التدابير المتشددة في الشوارع والاعتقالات، في الأيام الأخيرة، دليلاً على أن الحراك ما زال يحاصر السلطة ويسكن هواجسها.

في السياق السياسي، لا يمكن إنكار أن الحراك لم يصل- لعدة عوامل موضوعية وذاتية- إلى الأهداف السياسية القصوى. فما زالت قضايا الحريات والصحافة المستقلة والعدالة تطرح نفسها بإلحاح في الجزائر، وهي قضايا أساسية في علاقة بالديمقراطية، وتحتاج إلى إعادة تشكيل فهم السلطة لهذه القضايا بالأساس. 

الكثير من القراءات في مآلات الحراك الشعبي تُحمل النخب السياسية المسؤولية عن ذلك، وتلقي عليها أسباب الإخفاق في تحويل الحراك إلى حركية ديمقراطية منتظمة.

الحقيقة أن النخب السياسية قدمت ما تستطيع وبالأدوات المتاحة لها، وطرحت من المبادرات ما هو جدير بالتقدير، لولا تصلب السلطة والجيش، ورفضهما إنتاج أية خيارات تشاركية خارج تدبير « الغرف المظلمة ». وإذا كان هناك فحص نقدي يوجه لهذه النخب، فهو في عدم قدرتها على الابتكار والإبداع السياسي الذي يوائم زمنية الحراك الشعبي.

صحيح أن السلطة، التي توجد في خصومة دائمة مع خيارات التوافق الديمقراطي، فرضت خيارها بالإجبار، وأن بعض القوى والفعاليات الملتزمة بالمسألة الديمقراطية، توقف بها الزمن الثوري عند اللحظة الثورية واستحقاقاتها، ولم تستطع الخروج من أسر تلك اللحظة والعودة إلى سياقات النضال السياسي. وكلاهما يشكل عرقلة بالنسبة للمطلب الديمقراطي، لكن ذلك لن يلغي أبداً أنه ما زال لدى القوى الحية في الجزائر أقوال أخرى في محضر بناء الدولة العادلة، وأن الديمقراطية لم تٌهزم بعد.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici