فسادٌ خطير يُسمّى السّرقات العلمية

2
3709
2016/02/17Khaled Saadallah 
أبو بكر خالد سعد الله

أستاذ جامعي قسم الرياضيات / المدرسة العليا للأساتذة- القبة

 

تعرف حالات الغش في الامتحانات والسرقات العلمية في عديد البلدان تزايدا ملحوظا، ومنها الجزائر. والسبب الرئيس هو انتشار وسائل الاتصال السريعة وعلى رأسها شبكة الإنترنت ومحركات البحث فيها والهواتف الحديثة. كما أن تكاثر المجلات المحكَمة وغير المحكمة وسهولة الوصول إلى محتوياتها زاد في هذا السياق الطينَ بلة. وتبحث الآن عديد الجهات في العالم عن كيفية الحد من هذه الظاهرة. فأين نحن من كل ذلك؟

حالنا وحالهم

لقد بلغ الوضع عندنا حدا جعل الجمهور العريض يشكك في الأخلاقيات التي أضحت منتشرة بين من نعتبرهم القدوة من العلماء والجامعيين ورجال التربية والسياسة… ولا شك أن كل ذلك يضرب في العمق جدية العمل الأكاديمي والشهادات الممنوحة في جامعاتنا، فضلا عن سمعة البلاد.

وإذا نظرنا من حولنا نلاحظ أننا لم نكن نسمع بهذه الظاهرة في بلادنا، ليس لأنها لم تكن موجودة، بل لأنها كانت نادرة ووسائل الإعلام لم تكن تُثير ذلك. أما الآن فصار الجميع يتناولها في كل مستويات الدراسة. والواقع أن الظاهرة متفشية بين طلبة الليسانس والماستر، ووسائل الإعلام تشير إلى استعمال العنف بين الغشّاشين والمراقبين من الأساتذة.

 

 
 

 

عندما نستمع اليوم إلى الزملاء وهم يصفون -كمشرفين أو كأعضاء لجان مناقشة- رسائل الدكتوراه، فإننا نصاب بالصداع لما يشيرون إليه من السّرقات المفضوحة التي يغضّ عليها الكثيرُ الطرف. وإذا ما شذّ أحدٌ وفضح في تقريره الوضع، قيل له إنه « مجرد رأي » عليه الإدلاء به خلال المناقشة أمام اللجنة ! وتمرر الفضيحة

أما لدى معدّي مذكرات التخرّج، فحدث ولا حرج، حتى أن السائد لدى الكثير من الطلبة هو أن النقل المباشر من مذكّرات أو مراجع دون ذكرها أمرٌ طبيعي. ومنهم من استغرب عندما أشرنا إليه بأن ذلك من الممنوعات  !

وعندما نستمع اليوم إلى الزملاء وهم يصفون ـ كمشرفين أو كأعضاء لجان مناقشة- رسائل الدكتوراه، فإننا نصاب بالصداع لما يشيرون إليه من السّرقات المفضوحة التي يغضّ عليها الكثيرُ الطرف. وإذا ما شذّ أحدٌ وفضح في تقريره الوضع، قيل له إنه « مجرد رأي » عليه الإدلاء به خلال المناقشة أمام اللجنة! وتُمرَّر الفضيحة. وهذه القضايا لا نجدها في كليات العلوم الإنسانية فحسب، بل منها ما حدث في الفروع العلمية المختلفة.

وهناك ظاهرة أخرى تمس أولئك الذين يطمحون إلى نيل المناصب الإدارية والسياسية والحزبية. يتحرك هؤلاء عموما من أجل الفوز بشهادة « تسجيل » في الجامعة حتى يكتب في سيرته الذاتية عندما يترشح لمنصب أن له « مستوى جامعيا ». والأخطر من ذلك لدى هذه الفئة أن أصحابها يطلبون تسهيلات من الأساتذة وإدارات الجامعية للحصول، مثلا، على شهادة السنة الثانية أو الثالثة… موضحين أن ذلك ليس سوى لتمكينهم من الترقية في وظيفتهم!

ثمّ أيضا فئة من الإداريين لا تكتفي بهذا الزاد القليل، بل تسعى إلى الحصول على أعلى شهادة جامعية، لأنهم يطمحون إلى نيل أعلى الترقيات والتقلب في المناصب العليا، وهذا الأمر يصدُق على الإداريين داخل الجامعات ومرافق وزارة التعليم العالي وخارجها.

هل لنا أن نقتدي بالألمان؟

نخطئ إذا تصورنا أن هناك بلدانا خالية من هذه الآفة. والواقع أن الفارق بينها يكمن في سعي بعضها إلى محاربة الداء، في حين تتغاضى أخرى عن ذلك و »تتسامح ». وما من شك أن ضرّ هذا النوع من « التسامح » أكثر من نفعه. وقد تفطن الألمان مؤخرا إلى ذلك فراحت جماعة منهم تنصّب مرصدا غير حكومي يحقق في رسائل الدكتوراه التي وقعت فيها سرقاتٌ علمية. ووجهوا سهامهم، بوجه خاص، إلى من تولى مناصب سياسية وإدارية عليا في بلادهم فاصطادوا عددا معتبرا من هؤلاء حتى اضطر جلّهم إلى الاستقالة من مناصبهم.

والمُلاحظ أن هذا المرصد يعمل بمقاييس محددة، ولا يكتفي بالتهم غير المبررة، إذ يقيّم بدقة كل أطروحة موضِّحا نسبة السرقة فيها، ثم يصدر حكمَه النهائي بالدليل القاطع. وهذا المرصد هو الموقع المعروف باسم « فرونيبلاغ » Vroniplag (http://de.vroniplag.wikia.com/wiki/Home)، الذي أُطلق عليه هذا الاسم إشارة إلى سيدة تلقب بـ »فروني » وعُرفت قديمًا بعملية سرقة علمية (وكانت بنت مسؤول كبير).

هذا المرصد هو الذي كان من وراء كشف السرقات العلمية لعديد الوزراء والمسؤولين، نذكر من بينهم الدكتورة أنيت شفانالتي التي تولت سنوات عديدة وزارة التربية والبحث العلمي. سحبت منها الجامعة شهادتها عام 2013 بعد 33 سنة من نيلها… فاضطرت إلى الاستقالة من منصبها كوزيرة بسبب هذه الفضيحة.

تفطن الألمان مؤخرا إلى ذلك فراحت جماعة منهم تنصّب مرصدا غير حكومي يحقق في رسائل الدكتوراه التي وقعت فيها سرقاتٌ علمية. ووجهوا سهامهم، بوجه خاص، إلى من تولى مناصب سياسية وإدارية عليا في بلادهم فاصطادوا عددا معتبرا من هؤلاء حتى اضطر جلّهم إلى الاستقالة من مناصبهم.

كان ذلك أيضا مصيرَ الدكتور كارل غوتبارغ، وزير الدفاع في حكومة أنجيلا ميركل. كان غوتبارغ قد نال شهادة الدكتوراه عام 2007 وسُحبت منه بعد أربع سنوات فاستقال من منصب وزير الدفاع عام 2011.

ولم تكن الألمانية الدكتورة سيلفانا مهرين عضوُ البرلمان الأوروبي أفضلَ حظا، حيث سحبت منها الجامعة شهادتها التي ناقشتها عام 2001 فاستقالت من منصبها كممثلة لحزبها في البرلمان الأوروبي… وكنائبة رئيس هذا البرلمان!

ومن الأمثلة الأخرى التي كشف عنها المرصد والتي لا زالت منذ سبتمبر الماضي قيد التحقيق وضعُ الطبيبة ووزيرة الدفاع الحالية أورسولا لين في حكومة ميركل. ويُذكر أن الدكتوراه التي نالتها تتضمّن « اقتباسات مفرطة ». كما انتقدت جامعة ستانفورد الأمريكية العريقة ما ورد في السيرة العلمية للوزيرة في ذكر انتسابها إلى هذه الجامعة في مرحلة معينة خلال التسعينات. ومن المعلوم أن الوزيرة ليست شخصية سياسية عادية؛ إذ بلغت شعبيتها الذروة، وهي مرشحة إلى استخلاف ميركل مستقبلا. 

واللافت أنه رغم كل ما يقوم به هذا المرصد من كشف السرقات العلمية لدى علِّية القوم في ألمانيا، فإننا لم نسمع أن أحد أعضائه ضايقته السلطات أو سُجن!

وبطبيعة الحال، فهذا المرصد لم ينل مراده في مهمته التي بدأها منذ 5 سنوات، وعجز عن الإطاحة ببعضهم. نذكر مثلا السرقة التي قام بها الدكتور فرانك شتينمير خلال إعداده لأطروحته. وقد تولى منصب وزير الخارجية في ألمانيا عام 2005. لكن التحريات بيّنت أن هذه « السرقة » موجودة، لكنها « ضعيفة ».

والجميل أن جماعة مستقلة في روسيا حذت حذو ألمانيا وأقامت مرصدا شبيها بالمرصد الألماني بغية « تطهير العلوم الروسية من السرقات العلمية » يحمل اسم « ديسرنت » Dissernet(http://www.dissernet.org). وتحقق من عديد الأطروحات وكشف الخروق فيها فاتّضح أن زهاء 400 أطروحة دكتوراه في روسيا لا تخلو من السرقات العلمية المتفاوتة الدرجات… منها ما تجاوزت درجتها 99%من السرقة!

ولذا نقول إن كنا نزعم في الجزائر أننا نقوم بمكافحة الفساد المالي… فالأولى أن نحارب الفساد العلمي بجميع أشكاله، لأنه أدهى وأمرّ.

2 Commentaires

  1. ماذا فعل حاملو الشهادات العليا في الجزائر بدبلوماتهم من اجل التنمية ؟ حقيقة انهم ينالون مراتب عليا بتقدير جيد جدا ، فمنهم من يرتقي الى درجة استاذ في سلك التعليم وهم الأغلبية ومنهم من يجد وضيفة مستشار في مؤسسة عمومية ومنهم من يرقى الى درجة مسؤول اذا كان ينتمي الى محيط النمكرتورا الحاكمة، عدا ذلك فلن تجد للتحصيل نصيبا في دفع عجلة التنمية وما الازمة التي تواجهها الجزائر بعد هبوط سعر البترول الا دليلا قاطعا عن مدى عدم جدوى هذا التحصيل سواءا بالجد او بالغش وهاهم كغيرهم وبكل اسف في طابور واحد في انتظار ما ستمن لهم دول العلم الحقيقي من سعر اوفر لبضاعتهم ليركنوا مجددا الى سباتهم العميق

  2. Un journaliste d’El Watan Etudiant, qui n’a jamais étudié la physique, a pu coller ou avoir l’acceptation à publication d’un article de PHYSIQUE (article : ces professeurs faussaires du mois de novembre 2015).
    Cette même revue avait publié des dizaines d’articles au Directeur Général de la Recherche Algérienne et à l’actuelle Ministre des PTT.
    Ils ont eu des postes grâce à ce nombre faramineux d’articles.
    C’est la déchéance totale.
    Khlass, Mansab Yedewelna El Bled comme en 1830 et on va devenir des nouveaux esclaves.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici