شروط إدارة مرحلة إنتقالية ناجحة

0
234

محفوظ بـــدروني

(نائب رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد)

18 أبريل 2020

مقدمة و تمهيد:

تنبع أهمية وخطورة المرحلة الانتقالية بأنها تشكل مسار الحركة ما بين القديم والجديد، فهي تشهد عملية متزامنة ومتوازية من الهدم والبناء. وعليه فإنّ إدارتها تتعلق بوضع برامج محددة لتحقيق مهمتين رئيسيتين:

الأولى: إسقاط النظام بعناصره القيادية المفصلية وقواعده المؤسسية، أي بمعنى الازاحة الكاملة للنظام التي تقتضيها الثورة.

الثانية: بناء نظام سياسي تعددي يؤسس لعملية إعادة بناء الدولة و تحقيق النهضة الشاملة للبلاد.

الشروط الواجب توافرها و السلوكات المطلوب تحقيقها لإنجاح المرحلة الانتقالية:

1°)- التوافق الوطني: و يعبر مفهوم التوافق الوطني عن الثوابت والأُسس التي تختارها أغلبية المواطنين في المجتمع سواء عن طريق  الإنتخابات أو الإستفتاءات التي يشارك فيها الشعب. وهذه الثوابت التي تختارها الأغلبية، ليست ثوابت أغلبية سياسية متغيرة ، بل هي ثوابت أغلبية مجتمعية، تعبر عن ثوابت يؤمن بها أغلبية المجتمع بأغلبية مواطنيه و يحدث حولها توافق بين مختلف مكونات المجتمع.. فثوابت الأغلبية المجتمعية السائدة هي نفسها القواعد العامة الناظمة للمجتمع و هي الأسس و القواعد التي يتفق عليها المجتمع، ويبنى عليها نظامه السياسي(1) و يتوافَقَ عليها المجتمع في الخيارات الكبرى مثل السيادة الشعبية، والهوية الوطنية، و الدستور كمرجع أعلى في العمل السياسي والوطني،  و شرعية النظام السياسي، و الوحدة و السيادة الوطنية، وغير ذلك من القواعد التي تجعل النظام السياسي متوافقا مع النظام الاجتماعي ومنظومة القيم المجتمعية و الثقافية والحضارية السائدة، فتصبح الدولة بكل سلطاتها تعبيراً عن المجتمع، وممثلة له، وتصبح القوى والتنظيمات السياسية متوافقة على ما توافق عليه المجتمع(2).

2°)- المعرفة بطبيعة المرحلة: وهذا بمعرفة ظروف المرحلة و طبيعة الأعمال و القرارات و الإجراءات الواجب اتخاذها خلالها لبناء دولة جديدة على أنقاض دولة الفساد و الاستبداد و معرفة ما يمكن تقديمه و ما يمكن تأخيره و ما هو الأهم و ما هو المهم مع  ترتيب الأولويات و عدم الانشغال بالجزئيات و تحديد الأدوات الضرورية التي تساعد على تحقيق النجاح.. لذا وجب التحصن بالحرص واليقظة وإبقاء أهداف الثورة الكبرى مرشدا للفعل و مرتكزا للتفاعل في هذه المرحلة الحرجة..  فالوقت هو لتوحيد الجهود و تجميع الإرادات لأجل تحقيق أهداف الحراك و الثورة لا غير لا سيما و أنّ هذه المرحلة ليست مرحلة تنافسية لأجل كسب رضا الشعب قصد  تطبيق برامج إقتصادية، أو تنفيذ سياسات إجتماعية و ثقافية و غيرها و إنّما هي فترة تهدف بالأساس تجريف مخلفات النظام الاستبدادي البائد و تصفية آثاره المدمرة على العباد و البلاد و إقامة نظام سياسي جديد على أنقاضه و بناء مؤسسات الدولة التي يقرها الدستور الدائم للدولة الجزائرية.

3°)- تسيير المرحلة وفقا لقواعد التوافق و الشراكة: و ذلك بتجميع و توحيد القوى السياسية و الإجتماعية  المخلصة التي عملت من أجل إحداث التغيير و إسقاط النظام و لم تتلوث مع النظام البائد في تسيير هذه الفترة وفقا لقواعد التوافق و الشراكة و الإدارة التعددية، ضمن حالة توافقية توضع لها الآليات المناسبة بالاتفاق بين التيارات السياسية دونما نظر إلى الخلفيات الفكرية أو الاتجاهات الإيديولوجية و القناعات السياسية مع تقديم التنازلات المتبادلة بينها التي لا تعني بالضرورة تنازل الأكثرية للأقلية لأجل إقامة نظام سياسي جديد و التوافق بين القوى السياسية الثورية و التعاون فيما بينها في المتفق عليه و في المشترك فيه و الذي هو الأساس في اتخاذ القرارات في هذه المرحلة، فإن تعذر ذلك فإنّه يلجأ إلى الشعب الذي يفصل حينئذ بين الخيارات المطروحة من خلال الاستفتاء الشعبي.

4°) عدم الاحتكار و الهيمنة على الساحة السياسية و إدارة الدولة: و هذا بأن لا يهيمن تيارا واحدا أو يسيطر فصيلا إديولوجيا محددا أو يحتكر تنظيما سياسيا معينا مقاليد السلطة خلال هذه المرحلة حتى و إن حاز على الأغلبية الإنتخابية بالنظر إلى حساسية المرحلة الإنتقالية و هشاشة الأوضاع العامة حيث يستوجب و يتعين على كل من انتخبهم الشعب أن يتوحدوا لأجل مواجهة التحديات و العقبات التي تفرضها المرحلة الاستثنائية و العمل على تجاوزها لا سيما التحدي الرئيسي التي تشكله الثورة المضادة و الدولة العميقة و مؤامرات الإقليمة و الدولية المناهضة لاستقلال الشعوب و تحرر الأوطان. فالعمل من أجل التغيير لا يمكن أن يقوم به فصيل واحد، أو تيار واحد، أو شخص واحد مهما كان حجمه و مهما عظم وزنه في الساحة السياسية مع التسليم بعدم إمكانية نجاحه منفردا.. لذا لا بد من تعاون و تعاضد مختلف القوى السياسية التي احتضنت شرارة الحراك، و ناصرت الثورة الشعبية لإنجاح مشروع التغيير الذي يصبو إليه الشعب و تطالب به الجماهير.

5°)- مراعاة المصلحة العليا للوطن: وذلك بتغليب مصلحة الوطن و البلاد على المصالح الشخصية للأفراد و التنظيمات السياسية من حيث أنّهيجب مراعاة المصلحة العليا للوطن في كل التصرفات و الأعمال و الإجراءات التي ستعمد على اتخاذها الهيئات و السلطات الموكل إليها تسيير المرحلة الإنتقالية و هذا بتعضيد و مساندة من القوى الفاعلة و العاملة من أجل التغيير، وبالتالي يجب حل التعارض بين الرؤية الخاصة بكل فصيل والرؤية الوطنية العامة، والأصل والميزان الحاسم هو المصلحة الوطنية العليا. كما ينبغي عدم تغليب الواجهة المطلبية كتقديم مطالب جهوية أو فئوية أو هوياتية أو مناطقية أو طائفية.. فإن كان و لا بد فإنه يتعينتنظيم عملية رفع المطالب الفئوية من خلال قنوات مؤسسية نقابية أو مهنية لأن كثير من هذه المطالب هي مطالب مشروعة ولدتها سنوات طويلة من الظلم و القهر و التمييز، مع التشديد على أهمية عدم تعطيل عمل المؤسسات الإدارية و الوحدات الإنتاجية ونشر خطاب إعلامي يدفع أفراد المجتمع إلى القيام بواجباتهم كما يطالبون بحقوقهم.

6°)- احترام الاختلاف السياسي والتنوع الثقافي و اللغوي و الديني للجزائر: فالتنوع سمة كونية وحقيقة إجتماعية كما أنّالاختلاف سنة إلهية و طبيعة بشرية فالتعددية هي مبدأ وقيمة. و اختلاف البشر يجب أن يكون اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد أو صراع لأن التنوع دائماً هو مصدر الثراء و الخصوبة و مدعاة لتحقيق النمو و الازدهار و هذا من خلال التفاعل والتواصل بين مختلف مكونات الجماعة الوطنية.. لذلك وجب العمل على الاستفادة من هذا التنوع المجتمعي بأن يكون حافزا على التنافس في ميادين التقدم و التدافع لأجل الإرتقاء و الإستباق على الإبداع. فجميع المواطنين لهم الحق في الوجود والمشاركة في الحياة السياسية و الإجتماعية و الاقتصادية و الثقافية.. لذلك وجب رفض إقصاء أو تهميش أي مكون من قوى الشعب بسبب إنتمائه السياسي أو معتقده الديني، و رفض كل معاني الاحتكار والاستبعاد و أشكاله،و عدم السماح بتحول الاختلاف إلى خلاف و تناحر يستفيد منه أعداء الوطن.

7°)- اعتماد الحوار كوسيلة لبناء الثقة: بناء ثقة متبادلة و شاملة بين النشطاء و العاملين من أجل التغيير  و هو أولى الأولويات و أوجب الواجبات، والحوار هو أساس بنائها، وأساس العمل واستمرار التنسيق مع كل مكونات العاملين من أجل التغيير. و من أجل نجاح الحوار يتعين تحقيق الاحترام المتبادل، قبول الرأي و الرأي الأخر، افتراض الصواب عند الآخرين. و لذلك وجب رفض التطرف و التخوين و التكفير، رفض الشيطنة و غياب الشفافية. كما يتعين نبذ العنف والإرهاب بكل صوره واشكاله، ومن كل الاطراف، و نبذ الفتنة والفرقة والخصومة، ومنع خطاب الكراهية والتحريض، و الابتعاد عن المحاصصة بين أبناء المجتمع، أو بين فئاته، ثم التوافق على عدم تسييس أو اصطفاف منظمات المجتمع المدني، مع التوافق على أن يكون حبال التواصل والتعاون قائمة دائما بين مختلف القوى السياسية و بين السلطات و الهيئات التي تحكم خلال المرحلة الإنتقالية.

8°)- التكامل بين المنهج الثوري و المنهج الإصلاحي: و ذلك بممارسة الحكم في إطار مبدئي الشرعية والمشروعية و العمل ضمن إطارهما، مع المزاوجة بين الضغط الشعبي و العمل المؤسساتي حتى يستكمل بناء الدولة الجديدة التي يرتضيها الشعب و يساهم في بنائها من خلال المؤسسات التي يقرها، مع توفير العوامل التي تعزز استمرارية النظام الديمقراطي و التي لا تقل أهمية عن تلك التي ساهمت في إنشائه، مثل الاتفاق العام على قواعد هذا النظام، ووضع حدود واضحة لاستخدام السلطة، والقبول بالحلول الوسط في إدارة الصراعات، و الحذر من قوى الثورة المضادة و الحيطة من الدولة العميقة و معالجتهما بالوسائل القانونية و الشرعية و الثورية، و العمل على إخضاع الجيش و أجهزة الأمن المختلفة للحكومة المنتخبة.. كل ذلك يدعم استمرار النظام الديمقراطي ويمنع إلى حد كبير العودة إلى الوراء، أي إلى الحكم التسلطي.

9°)- العمل ضمن الإطار المرجعي : وهذا الإطار يتشكل من خلالتوافق النخب و النشطاء على أرضية سياسية واحدة و استراتيجية موحدة و ميثاق أخلاقي لإدارة الصراع مع منظومة الحكم التسلطية ثم العمل ضمن الإطار المرجعي الذي تشكله خارطة الطريق و الأرضية سياسية التي يقرها الشعب من خلال الاستفتاء و التي تصبح بمثابة دستور الدولة خلال المرحلة الإنتقالية و الذي على أساسه تسير المرحلة الإنتقالية. و تأسيسيا على ذلك، وجب العمل ضمن هذا الإطار المرجعي باحترام مضمون و أحكام الدستور المؤقت  وهذا  بالتقيد بمدة المرحلة الإنتقالية،  و احترام ما يصدر عن مؤسساتها و الإجتهاد في إنجاز ما حددته خارطة الطريق من إصلاحات حقيقية و تغييرات جوهرية على منظومة الحكم و إدارة الدولة في إطار برنامج العمل أو التكليف بالمهام التي تتولى مؤسسات المرحلة الإنتقالية إنجازها و القيام بها.

خلاصة و تنويه:

 و لأجل تحقيق هذه الشروط و ضمان احترام هذه السلوكات في إطار عمل جماعي، بين مختلف مكونات الثورة الشعبية و مختلف ألوان الطيف السياسي و تجمعات قوى التغيير و الثورة، ينبغي بلورة مفهوم عقد إجتماعي ضامنٍ يستجيب لتطلعات كل مكوّنات المجتمع و الأطياف السياسية دون تعارضٍ أو صدام مع فكرة التعايش والمشاركة الديمقراطية. و لأجل تحقيق ذلك، فإنّ هذه الثوابت الوطنية وهذه المفردات الجامعة التي تشكل قواسم مشتركة لدى الجميع و التي يجب الالتفاف حولها والتوافق عليها و الالتزام بها هي التي يتعين صياغتها في عقد إجتماعي و برنامج توافقي و ميثاق شرف يحدد المبادئ و يضبط العلاقة بين الأطراف لتسيير مرحلة إنتقالية تمكن و تعزز فرص الانتقال الديمقراطي بنجاح و تحقق أسس التعايش المشترك.

——————————————————————————————–

(1)التوافق السياسي و التوافق الوطني المفاهيم، ووسائل التطبيق، والتجارب الدولية/ كمال كركوكي.

(2) في معنى التوافق الوطني و مآلاته/ كمال الذيب.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici