https://alsiasi.com/
بشير عمري
في معرض إجايته عن سؤال حول ما إذا كان فعلا تبون يحمل مشروعا للتغيير السياسي باعتبار أن التغيير في النظم الشمولية عادة ما يأتي من رجال السرايا، كما كان الحال مع غورباتشوف، أجاب الكاتب الصحفي أكرم بلقايد على باسكال بونيفاس بأنه يجهل المشروع الذي يدور داخل السرايا المغلقة كما هو وضعها وحالها مذ تشكل هذا النظام عشية الاستقلال.
لكن الاسئلة الذي يمكن التأسيس عليها في محاولة الاجابة عما طرحه بونيفاس من استفهام بخصوص طبيعة الرئيس الحالي عبد المجيد ومدى قدرته على فرض مشروعه (إن كان له مشروع) لاحداث التغيير (إن كان ثمة نية لذلك) من داخل السرايا؟ وهل يمكن القول بأن هاته السرايا مستعدة للمضي تحت ضغط الحراك إلى التغيير؟ وما طبيعة وقيمة التغيير الذي يمكن أن تقدمه على (الطلب الثوري) الذي رفعه الحراك؟
لا أحد ينكر أن التغيير الذي حدث في النظام الشمولي السوفياتي وتداعت له منظومة الشرق كلها، كان استجابة حتمية حالة من الخراب دبت بقوة في جسد الاتحاد السوفياتي حينها، بحيث امتد تيار التذمر والصوت التغيير من القواعد الشعبية الكبرى إلى القمة وبات هذا صوت مشاكسا في مؤتمرات واجتماعات الكرملين وبالتي خلقت هناك المعارضة داخل السرايا وبين الفاعلين الحقيقيين في القيادة السوفياتية، امتلكوا فيما بعد مشروع البيريسترويكا الذي تشكل حوله قطب قوي ابرزه الرئيس غورباتشوف ورئيس روسيا داخل الاتحاد السوفياتي حينها بوريس إيلتسين الذي لُقب بـ (الفتى المشاغب) لشراسته في الدفاع عن مشروع غورباتشوف التغييري.
وعليه يظهر بأن إرهاصات التغيير كانت موجودة بتوازى مع وعييه القاعدي في الشارع السوفياتي على مستوى السرايا الاتحادية المغلقة، وإذا كانت المعركة في الشارع ممنوعة من قبل السلطات ومؤجلة من طرف الشعب، فإنها ظلت شرسة على صعيد الاجهزة وغرف صناعة القرار لأنه ليست فقط النوايا من كان حاضرا حينها اي نية المحافظين في البقاء ونية المجددين في التحول، بل كان هناك مشروع كامل وشامل وجاهز للتغيير!
الأمر لا نجده في الحالة الجزائرية، فالسرايا التي كانت بها عقدة الربط والحل في النظام الشمولي السوفياتي هي سرايا مؤسساتية ديكتاتورية واستبدادية نعم لكنها تشتغل وفق هرمية مؤسساتية واضحة، في حين تركيبة السرايا الجزائرية مبني كله على المجهول، لهذا أجاب أكرم بلقايد أنه يجهل ما الذي يتم التخطيط له، وهنا يتوجب التدقيق في إجابة الكاتب الصحفي بلقايد (ما يتم التخطيط له) بمعنى أنه ليس ثمة مشروع مسبق للمضي إلى التغيير وإنما هو تفاعل السرايا مع مقتضايات الحال التي فرضها الحراك وفق استراتيجة الاحتواء لا غير.
يترتب عن هكذا معطى أن تبون لا يملك داخل سرايا الحكم في الجزائر، ذات الصفة والقيمة التي امتلكها غورباتشوف داخل السرايا السوفياتية، إذا أن هذا الأخير كان صانعا للقرار من التيار الراسم لنخطط السوفيات السياسي، في حين عبد المجيد تبون منفذا طيلة مساره للقرار باعتباره اشتغل على مدار حياته المهنية في الجهاز التنفيذي مذ تخرج من المدرسة الوطنية للادارة سنة 1969، والجهاز التنفيذي في الجزائر هو سلسلة من مستويات سلطة الظاهر التي تشكل عليها جهاز الحكم !
كما أن التجربة السياسية في الحكم داخل المنظومة الشمولية السوفياتية سابقا تختلف عنها في الجزائر كون الحزب الشيوعي وقتذاك كان هو الحاكم بأمره، والنقاش داخله بخصوص المشاريع والقضايا كان يدور بحدة وضراوة وبالتالي فقد كان هو منتج السياسات العامة للاتحاد، الأمر الذي لم يكن حاصلا في الجزائر طيلة فترة الأحادية التي كان فيها الحزب الحاكم صوريا هو الآخر وشكليا كما صورية وشكلانية الحكومات.
لهذا حين رجحت كفة الاصلاحيين المتحمسين لمشروع البريسترويكا والغلاسنوست اللتين طرحهما غورباتشوف، برزت شخصيات سياسية قوية ليس فقط تقطع مع القديم بل تقطع مع السلطة المركزية والفكر الشيوعي برمته على أسهم أتى بوريس يلتسين الذي قاد شعبيا ونخبيا روسيا نحو تصحيح مسارها في التاريخ.
في حين عدم تشكل السرايا مؤسسيا وبقائها في تقلبن بنيتها حبيسة لحسابات قوة وضعف نفوذ الاطراف التي تشكلها، وبالتالي حبس الارادة الشعبية والعامة في عديد المناسابات التاريخية كرهينة لهذه الحسابات يجعلنا نرفض مقاربة ومقارنة بسكال بونيفاس ونؤكد مقاربة الحراك في جملته الشهيرة يتنحاو قاع أي التغيير الجذري وإلا فوتت الأمة على نفسها مرة أخرة قطار التغيير الذي بات المزيد من تضييعه أمر ينذر بالخطر على واقع ومستقبل البلاد
بشير عمري
كاتب صحفي جزائري