التاريخ: الاثنين 7جويلية1997، التوقيت الثامنة صباحا، المكان محكمة سيدي امحمد بشارع عبان رمضان بالعاصمة، الموضوع : محاكمة عبد القادر حشاني و زايدي سقية رئيس تحرير سابق لجريدة الخبر ومحمود بلحيمر رئيس تحرير مساعد، و التهمة نشر إعلان في صفحة الاشهار اعتبرته السلطة دعوة للتمرد في صفوف الجيش.دخلت ببطاقة صحفي في أسبوعية ‘الحرية’ التي منعت من الصدور بسبب خطها الافتتاحي المناصر للحل السياسي و السلمي للأزمة السياسية و الأمنية التي عرفتها الجزائر منذ انقلاب 11جانفي 1992.دخلت بصعوبة المحكمة رفقة المحامي علي يحيى عبد النور الذي قاد فريق المحامين المدافعين عن عبد القادر حشاني، وفي حديثي إليه و سؤالي عن صديقي زايدي سقية أبلغني علي يحي بإرادة جزء من عصب السلطة لفرض تأجيل للمحاكمة، ذهب و عاد دقائق معدودة بعد ذلك مسرعا الي، وهو ينادي رضوان، رضوان، أنا بحاجة مستعجلة لخدماتك، أخذني إلى زاوية من زوايا المحكمة و هو يحدثني بصوت خافت: » لقد تعرض عبد القادر حشاني إلى ضرب مبرح وهو في الطريق من سجن سركاجي إلى المحكمة و داخل المحكمة لدى وصوله، وهو الآن يعاني من آلام حادة في المعدة تمنعه من الوقوف ومن الكلام، اذهب إلى الصيدلية و اشتري له « مالوكس »، حتى نسير أزمته و نتفادى تأجيل المحاكمة التي يريد بعض أجنحة النظام تأجيلها ».
خرجت مسرعا إلى الصيدلية، و أنا أفكر في كيفية الدخول مرة أخرى للمحكمة بسبب التضييق على الصحفيين، و سماح الشرطة لدخول بعض الصحفيات و الصحفيين المعروف عنهم تعاونهم مع الأجهزة الأمنية، و في عودتي وجدت أحد المحامين و طالبته بمناداة الأستاذ علي يحيى عبد النور الذي كان داخل القاعة، خرج علي يحيى و تمكنت من الدخول رفقته مشهرا بطاقة الصحفي في وجه شرطي المحكمة، أخذ علي يحيى الدواء و ذهب لموكله من أجل إسعافه. بعد أكثر من نصف ساعة يعود علي يحيى وهو سعيد بنجاحه في أول معركة وهو تفادي تأجيل المحاكمة، لقد أخذ حشاني الدواء و بدأ يستعيد بعض أنفاسه وهو مستعد لمواجهة القاضي.
في حدود التاسعة والنصف، تدخل هيئة المحكمة، و يتم احضار المتهمين، و قد ظهر الراحل زايدي سقية متعبا لكنه ابتسم ونحن نبعث له التحية ، لتبدأ محاكمة طويلة لم يعلن فيها الحكم إلا في حدود العاشرة ليلا، حيث قضت المحكمة بخمس سنوات نافذة و بمنع عبد القادر حشاني من التمتع بحقوقه المدنية و السياسية لمدة ثلاث سنوات.تفاصيل هذه المحاكمة التي لم تكتب عنها الصحافة إلا ما يخدم رجال السلطة بمنطق « ويل للمصلين »، رغم أنها كانت تاريخية و بكل المقاييس حيث ظهرت قوة هيئة الدفاع المشكلة من علي يحيى عبد النور ومصطفى بوشاشي و محمود خليلي و غيرهم ، و لما بدأ استجواب رئيس المحكمة للمتهم الرئيسي عبد القادر حشاني، أعطى رئيس المكتب التنفيذي للفيس انطباعا بأنه ليس بحاجة إلى محامين، فقد كانت مرافعته عن نفسه و قضيته قوية جدا، و لم يعط أي انطباع للحضور بأنه دخل وهو يعاني من قرحة معدية نتيجة تعنيفه…مرسوم فرنسي لمحاكمة ابن مجاهدبدأ علي يحيى مرافعته بطرح سؤال أساسي، لماذا اعتقل حشاني و لماذا يحاكم أصلا؟، و في مرافعته، جاء بتصريحات عديدة لكل من حسين آيت أحمد و عبد الحميد مهري و أحمد بن بلة، ينتقدون فيها العسكر و الجنرالات الذين أوقفوا المسار الديمقراطي، و هنا طرح علي يحيى سؤاله: لماذا يعتقل حشاني و يحاكم بتهم غير مؤسسة و لا يتم التعامل بالمنطق نفسه مع آيت أحمد و مهري و بن بلة؟، هنا تدخل رئيس المحكمة بقوة مستعينا بمطرقته: » لا تتحدث في السياسة نحن في محكمة’، هنا ثارت ثائرة علي يحيى: » يا سيادة القاضي، موكلي لم يعتقل في قضية قانون عام فلم يكن يتاجر في المخدرات، فهو ليس صعلوكا، موكلي مسؤول حزب حاز على اغلبية مقاعد البرلمان، وكان من المفروض أن يشكل حكومته كما تنص عليها قواعد السياسة »، واصل علي يحيى عبد النور مرافعته وهو يحوم حول المحكمة، تارة يواجه موكله بنظرة الواثق من الافراج عنه، و تارة أخرى يواجه رئيس المحكمة ووكيل الجمهورية بعين الحقوقي المندد بظلم القضاء.
دخل علي يحيى عبد النور في الإجراءات القانونية و النصوص التي اعتمد عليها لمتابعة حشاني وزايدي سقية، فراح يخرج من محفظته نص مرسوم مكافحة الإرهاب الذي وقعه رئيس المجلس الأعلى للدولة علي كافي وحمله بيده اليمنى، و معه نص آخر حمله باليد اليسرى ، و ذهب مباشرة لمواجهة رئيس المحكمة، وضع النص الأول و الثاني فوق مكتب رئيس المحكمة وهو يصرخ و يضرب بيده فوق مكتب الرئيس و بأعلى صوته بلغة فرنسية تارة و بعربية جزائرية تارة أخرى: » سيدي الرئيس انت تحاكم موكلي و رئيس تحرير جريدة بالتبعية انطلاقا من هذا النص، سيدي الرئيس إقرأ ما هو مكتوب في هذا النص، هنا: الجمهورية الفرنسية، وهنا الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، في النص الأول النص موقع من الماريشال بيتان، وهنا موقع من شخص يسمى علي كافي »، وهنا استطرد علي يحيى كلامه وهو يصيح بصوت فيه الكثير من الألم، و الصدق، وبصعوبة كبيرة نجح في توقيف دموعه وهو يواجه رئيس المحكمة:’ سيدي الرئيس لقد استنسخ المشرع الجزائري مرسوم مكافحة الإرهاب من النص الفرنسي استنساخا كاملا، و قد سجلت بكل أسف أنه أعاد حتى بعض الأخطاء الموجودة في النص الفرنسي في علامات الوقف و التنقيط »، ليرجع علي يحيى لوسط قاعة المحاكمة وهو يصيح مرة أخرى :’ سيدي الرئيس هل الجزائر اخذت استقلالها أم نحن لا زلنا نتابع أبناءنا بنصوص الاستعمار؟، سيدي الرئيس أرفض أن يحاكم أبناء الجزائر بهذا النص، سيدي الرئيس أرفض أن يحاكم ابن المجاهد إبراهيم حشاني بهذا النص الظالم »…
توقف علي يحيى عبد النور عن المرافعة تاركا المجال لباقي أعضاء هيئة الدفاع. انسحبت هيئة المحكمة، وعادت في حدود العاشرة ليلا لتطلق أحكامها، يخرج عبد القادر حشاني في اليوم الموالي من السجن الذي أودع فيه في 23 جانفي 1992، بتهمة دعوة التمرد، بقي في الحبس الاحتياطي أكثر من خمس سنوات، وعايش مجزة سجن سركاجي التي أودت بأكثر من 100قتيل في 21فيفري 1995، وبعث من زنزانته رسالة إلى الرئيس اليمين زروال أدلى فيها شهادته حول ما حدث دون أن يلقى ردا، دخل على مرتين في إضراب عن الطعام من أجل أن تبرمج محاكمته و حتى يحاكم كسجين سياسي.
منذ 8 جويلية 1997 إلى يوم اغتياله الاثنين 22نوفمبر1999، عانى عبد القادر حشاني من مضايقات الشرطة السياسية، و تعرض حسبما قصه لنا الأستاذ علي يحيى عبد النور من ضغوط كبيرة لإرغامه على مساندة مسعى الوئام الذي أطلقه بوتفليقة، ورفض ذلك على عكس رفقائه السابقين من عبد القادر بوخمخم و علي جدي و عثمان عيساني و غيرهم، و قد كان في آخر أيامه تحت ضغط رهيب من نائب البرلمان حسان عريبي الذي كان أحد مبعوثي شبكات توفيق مدين لعبد القادر حشاني. قتل عبد القادر حشاني بعد اعتقاله، كان الهدف منه تحييد و تكسير أية نخبة مستقلة من التيار الإسلامي للمساهمة في بناء التوافقات السياسية في الانتقال الديمقراطي، و ترك الساحة لإسلاميي البازار و من صنعتهم أجهزة السلطة.
عقب اغتياله مباشرة، أصدر الراحل حسين آيت أحمد بيانا شديد اللهجة اتهم فيه السلطة بالوقوف وراء الاغتيال، مخاطبا السلطة بالقول: « لقد دمرتم باغتياله جسرا لبناء جزائر الغد، إنكم تتحملون المسؤولية كاملة أمام التاريخ و الأجيال »، بعد عشرين سنة من اغتياله ترفع صوره الملايين في كل التراب الوطني، الملايين من كل الاتجاهات و التوجهات، وهو مؤشر لتحول اجتماعي كبير يريد أن يقطع نهائيا مع منظومة الأدلجة المتخلفة و الاقصاء و الاعتقال و الاغتيال.
الجزائر في 22 نوفمبر 2019
REDOUANE Boudjema