على عتبات العام الجديد

0
412


https://alsiasi.com/
بشير عمري

أيام وتنقضي السنة الحالية آخذة معها القليل مما سرَّ الجزائريين  والكثير مما ضرَّهم، سواء في خاصة قضاياهم أي المتعلقة بمسيرة كفاحهم من أجل بناء نظام سياسي سيادي جديد، وفي ما شملهم من مؤثرات الخارج كالوباء العالمي واشتعال حدودهم مع جيرانهم، وعلى عتبات العام الجديد ينسلخ السؤال الجزائري الوجيع عن أسر العوائد لينطرح صارخا صادحا، ما الذي تحقق من مشروع القفز على ثورة الحراك التي فجرها السقوط المدوي لمشروع دولة الاستقلال بسبب الاشكالات المؤجلة للمجتمع نتيجة للرغبة الدائمة في التشبث بالسلطة وما تمنحه من امتيازات لأولئك الذين لا يرون أنفسهم إلا حكاما ومتحكمين في هذا البلد، مهما بلغوا من أرذل العمر ومهما بلغت قبالتهم أجيال المجتمع من نضوج وثقافة وفهم جديد للتاريخ، للسياسة وللدولة.

لا شيء تغير إلا في تواصل الانحدار الذي لم يبدأ فقط مع حكم بوتفليقة، بل مذ تم تعطيل مشروع الانفتاح السياسسي الكبير بتوقيف القاتل للأمة المسارات الثلاثة الانتخابي، الديمقراطي والتعددي الفعلي سنة 1992، من يومها استلم فكر الخراب الدولة والمجتمع من يد عصابة انقلابية دموية زجت بالبلاد في الاتون والأوهاد العميقة التي لم تخرج منها ولن تخرج إلا بزوال أرث هاته العصابة بالكامل.

سنة بقيت فيها كل القطاعات على حالها وعهدها بالتراجع لا بسبب الكوفيد 19 فحسب، كما تسعى دوائر الترويج والدعاية للسلطة إلى ترسيخه كحقيقة، وإنما خاصة بسبب تحييد مجتمع الثورة الحراكية عن المساق الحقيقي للمجتع الجزائري في لحظته الجديدة المفعمة بوعي وروح التغيير، تماما كما حدث عشية الاستقلال، وقتما طالب رئيس الحكومة الأسبق الممثل للشرعية الثورية للبلاد بن يوسف بن خدة في اليوم الثالث من الاحتفالات الجماهيرية بالنصر والحرية، أن يشمر الجميع على سواعده لتحقيق مطالب الثورة في البناء والتشييد، قبل أن تذبح البادرة الخطيرة لمغامري جيش الحدود تلك الروح المفعمة بالوطنية وبقايا نفَس التضحية في أقصى درجاتها ومعناها التي أظهرها ,ابهر بها الجزائري الناس والعالم أجمعين.

شلل تام ومطبق لم تعهده البلاد حتى في أحلك ليالي العتم الاستعماري، لم يُر قطاع على وتيرة عجيبة وغريبة من النشاط دون مبالاة بالكوفيد أو أي أمر آخر من قطاع العدالة، الذي تصدر المشهد كل المشهد على صعد الاعلام والكلام الذي عوض نشاط قطاعات أخرى سكتت في وقت لم يكن عليها مطلقا أن تسكت.

آلة القضاء كانت الأكثر حيوية وإنتاجا من كل المؤسسات الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تدثرت كلها بغطاء الكوفيد19 وكفت عن الحضور بالمشهد، آلة قضائية حصدت في طريقها ما أريد لها أن تحصد من أبرياء أنقياء بجرم المطالبة بالتغيير الثوري الذي جاء ليخلص البلاد، بما في ذلك القضاء نفسه من أثقال وأحمال سنوات وعقود من الفساد والخيبة والرداءة، كما حصدت أسماء من كباش فداء السلطة سميت بالعصابة، لم يقتنع المجتمع بمسارات وشاكلة محاكمتهم، التي أريد من خلالها ليس تطهير السلطة أو محاربة الفساد بقدر ما أريد من ورائها تلهية وتضليل الثورة الحراكية المجيدة.

وفي الوقت الذي انتعش فيه قطاع القضاء انتكس قطاع السياسة، إذ واصل معارضو الصالونات وأدب البيانات، سكوت الأموات الذي أُلزموا أو التزموا به، مذ اعتلى بوتفليقة الحكم وزين بحضورهم الصامت عرشه وأطال ملكه، حين وضعهم كما الدُمى وعرائس الأطفال على والوجائه الزجاجية يحركهم في كل حفلة انتخابية، يتوج فيها نفسه ببيعة جديدة لمُلكه، ومعهم سكت منقذو الجمهورية الذين قدموها في الحقيقة على طبق من ذهب لشخص تربى وعاش طفولته ومراهقته في حدائق ملكية بحدودنا الغربية وتحت ظلال تيجان أمراء الخليج، لا يعرف عن الجمهورية ولا الديمقراطية إلا أحاجي من كتبوا عنها في تراثنا السياسي.

هي مأساة هذا البلد الذي لا يكاد ينهض من كبوة مصادرة استقلاله، حتى يجد نفسه مركوسا في أخرى، بإرادة من لا يقدم مصلحة البلد على مصلحته الشخصية في غير الخطب الديماغوجية وعلى منابر إعلام كاذب خاطئ واكب القضاء في الحيوية التي تبتعد عن أولوية التي كان يتوجب أن يتقيد بها في ظرف تاريخي تعيشه البلاد، إعلام رفض مرة أخرى أن يخدم المجتمع مخافة أن يدفع ثمن خدمته السابقة لصاحب العرش الجمهوري ونظامه البائد، فاستمر (الاعلام) على نهج الارتزاق على حساب مصلحة الشعب غير آبه بالضمير ولا بالتاريخ ولا بالمهنية التي ضرب بها عرض الحائط.

عام من العطالة الثورية والاقتصادية والسياسية، أظهرت لمن سخر من صوت الحراك من بعض النخب غير الواعية بحقائق التاريخ، وحركة الشعوب فيها، أنها لم تكن فقط بتصرفاتها خاطئة بل منحرفة كل الانحراف عن جادة الصواب، فالصناعة التي لطالما أظهر أحد أكبر المعارضين للحراك على راديو آم من خلال حصص التحليل الاقتصادي التي كان يتحفنا بعمقها ودقيق أرقامها، ظهر في الأخيسر أنها (الصناعة) سائرة نحو المزيد من الانحراف المؤدي حتما إلى الانجراف في نهاية المطاف، حتى يتبين لفرحات آيت علي أن الاقتصاد دون إرادة وسيادة شعب لا مجال للتنبوء باستقامته وانتعاشه مهما حقق من طفرات ظرفية.

وثالثة الآثافي كانت طبعا في العطالة التي ضربت رأس الدولة، ليس فقط بسبب مرض الرئيس وعودة شبح السنوات الأخيرة من حكم صاحب الجلال الجمهوري بوتفليقة أين استفردت قوى غير الدستورية بكل مصادر القرار السيادي للبلاد لمدة ست سنوات كاملة، وسط صمت الجميع، قبل أن ينفجر غضب الشعب ويثور في حراك هو مستمر اليوم خارج الشوارع والساحات اليوم بداعي الظرف الصحي، بل بسبب الصراع حول سلطة القرار في أعلى هرم الحكم بعد رحيل القايد صالح الذي أراد أن يجلس في الخلف ليدير سلطة الواجهة بدوره كما فعل الذين سبقوه.

وبالنظر إلى كل ما تقد وتأخر من هذا الوصف الكئيب لعام عصيب، يتساءل الجزائريون اليوم، إن كان عليهم أيضا كما في السابق انتظار أن يحسم الثيران صراعهم الداخالي العالي في برجهم العاجي حول الحكم ليعرفوا من سيتوالى المزيد من تجميد أحلامهم وآمانيهم، أم أنه عليهم أن يستلموا المبادارة من جديد بمواصلة ثورتهم الحراكية السلمية إلى غاية تحرير إرادتهم وسلطانهم الطبيعي الذي يقع فوق الجميع؟

تشابكت الاسئلة وتفاقمت الظروف وتآمرت المصالح إلا على مصلحة الشعب الذي مهما كبُرت وتضخمت جميع تنلكم الاسئلة، ومهما توحد أعداؤه فلن يكنوا قط مناعا له لبلوغ مقصده الثوري وهو بناء جمهورية جديدة على كامل الصعد واالسلط والمستويات، قاطعة جذريا مع القديم بيولوجيا وإيديلوجيا ومؤسساتيا، وغير هكذا طريق لا أفق آخر يستم العثور عليه لأنه ببساطة لا يوجد أفق آخر.

بشير عمري

كاتب صحفي جزائري

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici