لو لم يكن بن بولعيد موجودا

3
3713

عبد الحميد شريف – أستاذ جامعيbenboulaid_848724_679x417

الخيال لا يكتفي بسبق الحقيقة بل كثيرا ما يحرص على إتمام العدة حتى الإنجاب ولكن هيهات أن تكون المفاجآت كلها سعيدة. التطورات العلمية هي ثمرات للخيال البشري البنّاء ولكن تحويل تخمينات وهمية وسوء الظن إلى فرضيات محتملة قد يؤدي بأصحاب الحل والعقد الغير المؤهلين لقرارات لا مسؤولة ووخيمة العواقب. مع هذا يبقى التخيل الغير الواقعي مفيد مثل طريقة البرهان بنقض الفرض في الرياضيات ولكن بشرط التمتع بالقدرة على الخروج بفائدة أو على الأقل بلا أضرار

يعود الإفتراض الوارد في عنوان المقال لشاهد تاريخي ومفكر بارز ألا وهو جون فوجور مدير الأمن في الجزائر أثناء حرب التحرير وصاحب الكتاب « من التمرد إلى الثورة – الأيام الأولى لحرب الجزائر ». في هذا الكتاب الحائز على جائزة الأكاديمية الفرنسية يصف المؤلف الظروف السائدة في أكتوبر 1954 والمعلومات الحساسة التي كان المسؤولون يستهينون بها وكذلك التطمينات الواردة من كل الجهات ما عدا منطقة أريس التي أكدت وجود مؤشرات قوية لتمرد وشيك. في هذا التقويم الإرتجاعي يعبر فوجور على رأيه بأسلوب متجرد فاصل لكنت استعملته لو كنت أتمتع بنفس المصداقية، وهو تقديره للدور الذي لعبه أحد الأبطال الذي يلقى إجماعا فعليا ولكن دون المستوى المستحق: « بإمكاننا القول اليوم دون التعرض لخطر الخطأ الكبير أنه لو لم يكن مصطفى بن بولعيد موجودا لعرفت محاولة التمرد في الجزائر مسارا آخرا » ويضيف: « إن عدم وجود المجموعة المتمردة المسلحة الأولى في الأوراس كان بالتأكيد ليغير طبيعة الإنتفاضة »

وأنا أتردد في مواصلة الترجمة المنهكة لهذا المقال الذي نُشر لي قبل سنة باللغة الفرنسية فإذا بي أقرأ خبرا مشجعا مفاده أن المؤرخ الفرنسي جاك سيمون يناشد في كتابه الجديد أنه آن الأوان للإقرار أن بن بولعيد هو المحرك الفعلي للثورة الجزائرية.

بدون شك أن هذه الإشادات تروق لي كثيرا من باب إنصاف العظماء وقد يكون للعاطفة الجهوية قسط في ذلك ولكن أهمية هذه الشهادات في الدراسة الحالية ليست في هذا الجانب كما سنرى لاحقا.

الإختراق والمناورة

مِثل مسؤولين فرنسيين آخرين يذكر فوجور بكل افتخار الإختراقات والمناورات التي قاموا بها في الصفوف المتقدمة للثورة وكذلك تحويل بعض العناصر لخدمتهم. إذا كان هناك شيىء أفضل لك من هزيمة عدوك وتحييده فهو بكل تأكيد تحويله لصالحك ولذلك نجد أن صناعة الجاسوس الواشي حلم الكثير من القيادات. تشكل هذه الإختراقات والمناورات الحلقات النادرة القليلة السواد في ذكريات مظلمة من حرب قذرة وغالبا ما ينتهي أمرها بالإفشاء ولو جزئيا باعتزاز أصحابها. الجنرال ديجول وأوساريس ووِيبوت استسلموا بدورهم لهذه الرغبة القوية لتبييض صفحات من تاريخ أسود

لا يمكن لأي عاقل أن ينكر وجود إختراقات تسببت في خسائر كبيرة ولكن من المحتمل كذلك أن هؤلاء المجرمين التواقين للمجد يبالغون إنجازاتهم  دون ذكر الطرق الدنيئة المستعملة

لمّا بدأ أوساريس سلسلة اعترافاته أعطى انطباعا أنه سيُخرج كل ما في جعبته ولكن عقوبات فورية تصدت له وأوقفته ومع ذلك اعترف باغتيال العربي بن مهيدي و بومنجل وأودان، وفي كتابه المعنون بحنكة « لم أقل كل شيىء » يصف الإختراقات في أعلى هرم جبهة التحرير دون ذكر الأسماء. أخطر الإفشاءات هي تلك التي صدرت من روجي وِيبوت مؤسس المخابرات (دِ سْ تِ) وصاحب المبدأ « الفكر والدهاء أنجع من التعذيب الحقير ». يؤكد وِيبوت في كتابه الأكثر رواجا (1) أن مصالحه عبّدت الطريق أمام العملاء بفضل عمليات وهمية تهدف إلى تمجيدهم وترقيتهم إلى أن تمكنوا من التحكم في قيادات بعض الولايات ! أمّا ديجول فيبدو أنه غير مقتنع بنوعية وقيعته وغنائمه فلجأ إلى الكم بتأكيده أنه ترك في الجزائر 140000 عميل (2). وبعد إبعاده لروجي ويبوت أمر المخابرات باختراق جيش التحرير بضباط جزائريين بعد ترقيتهم من أجل فرنسة جيش الجزائر المستقلة وإبقائه تحت التأثير الفرنسي (3). وصف الرئيس الراحل بومدين التصريحات الخطيرة لويبوت بأنها خرافات لمواساة المهزومين، وفي حقيقة الأمر لم يبق له خيار آخر لأنه كان قد سلّم مسؤوليات هامة لأشخاص كانوا محل تحفظات كبيرة

بطبيعة الحال هذه الإفشاءات والتصريحات يجب أن تؤخذ بتحفظ وحذر ولكن ما من شك أن الأسرار الجوهرية والأرشيف المحرج الذي يهدد مصالح فرنسا الإستراتيجية لن تُكشف إلا إذا انتهت صلاحيتها. هذا يعني على وجه الخصوص أن كل الأخطاء التقييمية للشعب الجزائري لتاريخه والداعمة لهذه المصالح ستبقى محمية ومحفوظة

تاريخ مجيد وصفحات مظلمة ومذكرات محتشمة

لا يتعلم المرء من أخطائه إلا إذا اعترف بها أولا ومن الشجاعة الإقرار أن عملية « لابلوويت » من أنجع العمليات التي قام بها العدو حيث تمكن بدهاءه من غرس الشكوك في صفوف جبهة التحرير وتابع عن بعد التصفيات الأخوية. تعتبر هذه المأساة تذكير مؤلم بالقدرات اللوجستية والذهنية للعدو وكان ولا يزال من الحماقة التوهم بسهولة خداعه

الشكوك التي زرعها العدو لم تكن السبب الوحيد للتصفيات المأسوية ووقعت إغتيالات أخرى لدواعي مختلفة وحتى إن لم تكن واضحة فلا يمكن إستبعاد الإختراقات. الرئيس الراحل بن بلة هو أول من أثار علنا قضية عباس لغرور ورفاقه الذين اغتِلوا في تونس سنة 1957 وأتبعه لاحقا آخرون مثل هلايلي وبن عودة. هذه التصريحات فاجأت الكثير وبعض الردود العنيفة جعلت شهودا آخرين يتحفظون بل ويتراجعون عن بعض أقوالهم

بما أن أبطال الساعة الأولى ليسوا بيننا وبما أن الأحياء لم تكن أدوارهم ولا شجاعتهم بنفس المستوى فإن المذكرات التاريخية الهامة لا يجب الإكتفاء بقراءتها بل يجدر الأمر أكثر بنبشها واستنتاجها

أيكون غريبا أن نقرأ بين تصريحات فوجور وويبوت أن فرنسا لم تتوانى عن بذل كل جهودها لسحق الدور الرئيسي المكشوف للأوراس؟ ألم تتأكد تلك الإستراتيجية من خلال الطريقة المتطورة لإغتيال بن بولعيد في مارس 1956 (4) بعد فراره اللافت من السجن؟

تجدر الإشارة أخيرا أن أخطر الإختراقات هي التي لم تكن أصلا. يكتفي العدو في هذه الحالة باختيار العناصر الأقل إضرارا لمصالحه ثم يُعبد الطريق أمامهم. إذا تعذر تحويل العدو إلى عميل فبإمكان الإستعمار المراهنة على قطف ثمار بذوره الحضارية. يدعم العدو تموقع هذا الخصوم سريا دون علم الجميع ويفضلهم عند خوضه مفاوضات أو تنازلات أو حتى تسليم زمام الأمور إذا اقتضىت الحاجة

مؤتمر الصمام بين التبجيل والجدال

عبان رمضان بطل كبير بلا نقاش، ولكن لا يمكن إلا لمُصاب بداء التمجيد اللا محدود أن يغربل الشهادات التاريخية في إتجاه واحد ثم يتهجم على الشهود الغير اللأئقين مع استمراره في اكتشاف فضائل جديدة للشخص المُبجّل. حتى وإن كانت متناقضة فإن الشهادات التاريخية تبقى متكاملة والقراءات الإرتجاعية هي التي يجب أن تكون أقل تضاربا. يمكن تصنيف هذه التصريحات المخيبة كهلوسة شيخوخة ولكن يمكن كذلك قراءتها بصفة مغايرة. الأبطال يمرون بفترات ضعف والمجرمون يتعرضون لهزات  توقض فيهم قيم الشرف، والأسرار الغليظة تصبح دائما أثقل على الضمير في أواخر العمر وهذا صحيح بالنسبة للمجرم أوساريس أو المجاهد بن عودة. هذا الأخير وبن بلة وكافي وهلايلي ومحساس وولد قابلية وآخرون أدلوا كلهم بشهادات متأخرة بعضها واضح وجريء والآخر محتشم وضبابي

إضافة إلى بن بلة وضباط الأوراس الذين عارضوا من البداية قرارات مؤتمر الصومام فإن مالك بن نبي تحفظ هو كذلك عليها وعلى مهندسها عبان رمضان غير مبال بانتقادات بعض المثقفين. وقراءاة بعض التهجمات الحديثة على هذا المفكر الكبير تضع المرء أمام خيارين، إمّا تقنعه نهائيا أن بعض الحالات توجب اللجوء للقول سلام، وإمّا تجعله يخطىء أن التواضع لا يليق في كل الأحوال. بالنسبة لبن نبي وآخرين إن منعرج الصومام رغم تأكيده نداء نوفمبر للإستقلال إلا أنه تبنى مشروع مجتمع لا يتناقض أساسا مع الهدف الرئيسي للإحتلال والمعلن منذ 1830. قد يبرر البعض ذلك كاستراتيجية ذكية وقليلة التكلفة ولكن التجربة الفلسطينية تثبت أن هذه التنازلات تسمن النخبة المتواطئة وتطمئنهم من الإغتيالات ولكنها تركنهم في مسلسل إذلال بلا نهاية

حصل إذًا إختلاف حول قرارات مؤتمر الصومام الذي لعب فيه عبان رمضان دور المهندس الرئيسي. بغياب الولاية الأولى وشخصيات بارزة أخرى حتى من القبائل مثل عميروش ومحمدي السعيد وبتكليف رئيس الحزب الشيوعي بتحرير الوثيقة النهائية ألم يُعبّد الطريق تماما لهدف واضح المعالم؟ إنقلاب ضد ثوابت نوفمبر، إلغاء المرجعية للدين، إلغاء الصلة بالعروبة وبالقاهرة

عرف عبان صعودا مذهلا وشكّل لجنة التنسيق الخارجي على المقاس مُبعدا الوجوه البارزة الغير مرغوب فيها. الكثير من خصومه استسلموا لسطوه على السلطة بواقعية وحتى بانتهازية. بن عودة الذي وصف مؤخرا هذا الحدث بالخيانة (5) كان قد التزم السمط أكثر من نصف قرن. لإستفزاز ثوار الأوراس تم تعيين على رأس الولاية الأولى ضابط سابق في جيش فرنسا محمود الشريف الذي كانت له خلافات كبيرة مع ضباط جيش التحرير الذين كانوا حكموا عليه بالإعدام قبل تبرئته إثر قيامه بعملية (6،7) مشكوك في أمرها

بتغييبه لمرجعية الإسلام في وثيقة الصومام كسب عبان حلفاء مهمين مثل الرئيس التونسي بورقيبة وبموافقة هذا الأخير وبمعاينة المخابرات الفرنسية (7) استطاع في جويلية 1957 تصفية عباس لغرور بواسطة أوعمران وإعدام الضباط الباقين مثل شريط وعبد الحي وعبد الحفيظ السوفي بمحاكمة سريعة قادها محمود الشريف (5،6،8). بدون شك أن هذه الإعدامات لستة عشر ضابط من الولاية الأولى تكون قد هزت بعض الضمائر. محساس وعمر بن بولعيد (أخ القائد) حُكم عليهما بالإعدام غيابيا. ألا يكون مثيرا للإهتمام أن نعرف رأي فوجور حول مصير مصطفى بن بولعيد لو كان بقي حيا؟ إن المصادرة عملية طويلة بدأت قبل الإستقلال ولكن دفة القيادة عرفت عدة تقلبات غير متوقعة. كان عباس لغرور قائدا للفوج الذي تولى هجوم خنشلة ليلة أول نوفمبر ونموذجا نادرا للشباب والإقدام والأخلاق

إذا كانت هذه النكبة التي يصفها البعض بالمؤامرة ضد بن بلة هي جزء من خطة تهدف إلى سحق الأوراس فبإمكان القول أنها كُللت بالنجاح ذلك اليوم وأن مؤشرات التغييرات المرتبطة بنهاية المهمة يمكن لها أن تبدأ في البروز

لم يكن عبان وحيدا في تزكية الإعدامات ولكن الشهادات تُحمّله المسؤولية وبحكم نفوذه ودهائه أجبر الآخرين على تأييده أو إلتزام الصمت ولكن بعد تغير الظروف انقلبت الموازين. باستثناء بن خدة الذي بقي وفيا له كل المسؤولون الذين دفع عبان بترقيتهم انقلبوا عليه مثل أوعمران ومحمود الشريف (9). تراجُع عبان كان سريعا مثل صعوده والإدعاء أن الزعماء « الباءات الثلالثة » وخاصة قائدهم هم الوحيدون الذين كانت لديهم ضغائن تجاهه يعتبر تسرب من المسؤولية ويبقى بوصوف البطل الآخر المثير للجدل يدفع وحده ثمن هذا التحفظ

مبدأ الصومام الذي يلقى رواجا وإعجابا هو أولوية السياسي على العسكري والداخل على الخارج، وفي نظام شمولي هذا يجعل باستحقاق من عبان أيقونة للديمقراطية. المبدأ جميل ولكن إذا تأملنا قليلا نجده غير مناسب لتلك الظروف بل قد يكون صاخبا. في بلد محتل يشن حربا تحريرية غير متكافئة إما يكون القائد فيها عسكريا أو لا يكون ولا يمكن تصور قيادات مدنية إلا في الخارج

التخفيض في عقوبة السجن الذي استفاد منه عبان أثار تساؤلات. أليس من البساطة أن نربطه بسلوك أعتُبر حسنا من طرف المسؤولين؟ الفرضية  تقلل من قيمة الشخص وتم إسقاطها، وللمؤرخ محمد حربي قراءة غريبة، وكأنه يبرز طينا مبتلا مخفيا ثم يزيده بِلّة وهو ينسب لمدير السجن حرصه عدم إهداء السجناء مُنظما من طراز عبان. المتمردون الأكفاء المحبوسون يكونون بذلك أخطر من نظرائهم الطلقاء! لنكتفي بطي هذا التأويل في خزانة الهفوات ما قبل وما بعد الإستقلال ويبقى السيد حربي مؤرخ كبير

التوضيح أفضل من التراجع بعد التلميح

 « التصميم الهندسي الآمن هو فن مقاربة وثيق ليس نحو الحل الرياضي المتمثل في العدد الطبيعي الأقرب ولكن دائما في الإتجاه الآمن ». هذه مقاربتي في ترجمة جملة كثيرا ما رددتها أمام أجيال من الطلاب

إن دفاتر التاريخ المجيد تحتوي حتما على صفحات غير مضيئة والتي تجب قراءتها بكل شجاعة ومسؤولية لاستخلاص العبر والدروس. الثورة الجزائرية ابتلعت الكثير من ابنائها مثل عبان ولكن مقارنة موت هذا الأخير مع الإغتيالات السياسية بعد الإستقلال لزعماء مثل كريم بلقاسم وخيضر تفتقد الجدية. تمّت تصفية عبان من طرف إخوانه كما كان هو وراء إعدام أبطال آخرين والمقارنة يجب أن تُحصر في هذا الإطارفقط إذا سلمنا فرضا بإمكانية وجود مقارنة مفيدة في مثل هذه الحالات

يمكن تصور عوامل وظروف مخففة لهذه الإغتيالات ولكن الشيىء الذي يبقى مُحيرا هو كيف لمسؤول كبير يقارع الموت يوميا وهو يواجه عدوا مدججا بالسلاح أن يبتعد عن دينه عوض أن يقترب أكثر كما هي العادة في مثل هذه الحالات. اللهم إذا كان يمتاز بقدر كبير من اللا إيمان، أو يعتمد إستراتيجية نخبوية ساذجة وخطيرة  لم تحصل على الإجماع يقصد بها مخادعة العدو، أو أنه تخلص تماما بطريقة أو أخرى من المخاوف المرتبطة بحرب غير متكافئة ويخطط إذًا لثمرات وتشريفات الكفاح أكثر مما يفكر في التضحيات. ولكن الموت لا يخلف موعده مهما تم إبعاده من الحسابات

هل كان عبان متورطا مع العدو؟ إنها خطوة لا يمكن لعاقل أن يتجرأها والأسباب التي تبعد الشكوك كثيرة وأنا شخصيا أكتفي بموقف بن خدة لإزاحة فرضية التواطأ التي وردت في بعض المذكرات. يبقى السيد بن خدة في حدود علمي الزعيم الوحيد بعد الإستقلال الذي اعترف بالأخطاء واستغفر ربّه أمام الملايين، مع أنه من المناسب التذكير بالقوائم المنشورة في كتابه « عند أصول نوفمبر » والتي لا يوجد فيها إسم عبان رمضان وهذا يدعم الروايات (10) التي تندد بتضخيم دور عبان قبل الثورة

لم أقرأ إلا القليل من المراجع التاريخية وليست لدي رغبة كبيرة في المزيد لأنه أصبح ممكنا لأي شخص أن يقدم عبر الأنترنت روايات خارقة أو فارغة. حاولت الإلتزام بقراءة وتحليل أحداث حقيقية ومعروفة ويمكن للكثير أن يضيفوا أو يصححوا ولكن حتى إذا خضع المسار التحليلي إلى بعض التعديلات لا أتوقع للحصيلة النهائية أن تتعرض لاضطراب كبير

رغم الهيكلة المحكمة التي خرج بها الإجتماع لم يعد ممكنا الكلام عن إجماع يصف مؤتمر الصومام بالحدث المؤسس للثورة. أصوات أخرى أصبحت تُسمَع الآن حول المنعرج الإيديولوجي وانعكاساته التي يراها البعض مأسوية

كان عبان رمضان من موهوبي جيله وبدون شك أن العدو رصد عبقريته ونضاله وميوله الثقافي مما جعل منه مشروع قائد ذي كاريزما قوية بالنسبة لطرف وبمواصفات ثقافية تروق للطرف الآخر وبالتالي وجب مساعدته دون علم الجميع في الصعود إلى أعلى مستوى القيادة. قد تكون مصالح ويبوت وفوجور جندت إمكانيات كبيرة ولكن لا يليق التخمين في مناوراتهم ولا في التفاعل المحتمل لعبان مع حظ متجدد. يجب التوضيح كذلك أنه سبق أني أخطأت في توقعاتي وقمت بالتصحيح دون أي حرج أمام طلابي

بعد أكثر من نصف قرن من الإستقلال لم يعد مُهمّا التعرف على الأخطاء الفردية، والذي يهم أكثر هو تشخيص الإنحرافات التي لها علاقة بالأزمات الحالية دون الإهتمام بأصحابها. المنعطف الإيديولوجي للصومام كان مُكلفا ولا يزال يسبب انقسامات. قاعدته الفكرية ليست أصيلة بل كانت مكتسبة، فهل هي غنيمة ثمينة تم الإستيلاء عليها بجدارة أم هو إنسلاخ ثقافي تم تنفيذه بحكمة ودهاء؟

إذا كان مشروعا لبعض الجزائريين الإحتفاء بأبطال يحررونهم من الإرتباط الحضاري الذي اختاره الأجداد الأمازيغ فإن فرنسا التي خسرت الحرب لا تقل مشروعيتها في تدعيمها للمعارك التي فازت فيها وللمهام التي نفذها بنجاح خبراؤها والأباء البيض ولديها مصالح وتحفيزات للحفاظ على كل الأسرار التي تحمي تلك المكاسب

من المهم أخيرا عند التطرق لحقبة تاريخية حساسة ألّا يُطعن في نزاهة الأبطال كما لا يليق التهجم على شهادة أي شخصية تاريخية. البواسال الذين التحقوا بالرفيق الأعلى لم تعد تهمهم الإختلافات السفلى وما يترجونه أكثر هو الدعاء أن يتقبلهم الله كشهداء وأن يسكنهم الفردوس، قبل أن نتغنى بشعارنا الغالي: المجد لشهدائنا الأبرار

المراجع:

1) P. Bernert, R. Wybot, « La bataille pour la DST », 1975 (volle.com/lectures/bernert.htm)

2) Philipe De Gaulle : « Charles De Gaulle, mon père », Broché 2003

3) fr.wikipedia.org/wiki/Déserteurs_de_l%27armée_française_(guerre_d%27Algérie)

4) histoire-en-questions.fr/guerre%20algerie/terreur-coups%20tordus-boulaid.html

5) all-agencies.com/dz/1522984

6) Mohamed Seghir Helaili: « Témoin de la révolution dans les Aurès », 2012

7) lematindz.net/news/17160-lalgerie-de-lheroisme-des-trahisons-et-des-reglements-de-compte-ideologiques.html

8) memoria.dz/ao-2015/figures-historiques/qui-sont-les-16-dirigeants-condamn-s-mort-abbas-laghrour

9) siwel.info/Le-27-decembre-1957-Abbane-Ramdane-etait-assassine-au-champ-d-honneur_a4414.html

10) aissa-hakim.over-blog.com/article-algerie-soummam-congres-ou-conspiration-96807545.html

benboulaid

3 Commentaires

  1. essalmou alik’m wa rahmatou allah : Ben Boulaid a fait son devoir d’être different on est different vous n’aviez pas a nous méprisez vous Francais et nous humiliez vous extrémiste, ce que je trouve domage avant ben boulaid allah yarmahou, il a eu el cheikh Ahmed bey qui est allé au Aurès et au ziban demander de l’aide pour combattre les Francais, son appel n’a été entendu que peu…130 plus tard on refait l’histoir et on a perdu 132ans.

  2. Je n’ai pas encore lu l’article, mais s’agissant de Si Mostefa BenBoulaïd, il y a un petit mystère à élucider, je fais appel à tous les témoins éventuels pour nous donner des éclaircissements pouvant élucider ce mystère.

    De quoi s’agit-il ? Dans les premiers mois de l’indépendance après la stabilité retrouvée qui a suivi la crise de l’été 1962, les principales artères de la capitale ont reçu des noms de martyrs ayant fait partie des chefs historiques du 1er Novembre 1954 comme la Rue d’Isly baptisée Rue Ben Mhidi et la Rue Michelet si je ne me trompe, baptisée Rue Didouche, Ben Mhidi et Didouche ayant fait partie du Comité des 6.

    Le troisième martyr du Comité des 6 est justement Ben Boulaïd, les autres ayant survécu à la guerre ainsi que ceux de la Délégation Extérieure. Normalement, On aurait dû baptiser une grande artère de la capitale au nom de Ben Boulaïd, d’autant plus que Ben Boulaïd a présidé le Comité des 22 de juillet 1954 et qu’il a été le vrai élu par les 22 pour être le Coordinateur du Comité des 6, poste qu’il a cédé à Boudiaf en lui disant que c’est lui Boudiaf qui a été élu et c’est toujours lui, un mois après en août 1954, qui a dirigé le stage en explosifs organisé dans une ferme à Khraïcia près de Blida.

    Ben Boulaïd était assurément un cran au-dessus par rapport à ses pairs et malgré cela, aucune grande artère de la capitale ne porte son nom. Après la mort de Krim Belkacem et l’arrivée de Boudiaf à la présidence de l’Etat, une grande artère de la capitale a été débaptisée en faveur de Krim Belkacem. Ainsi, Ben Boulaïd est constamment oublié, pourtant ses pairs du Comité des 6 et du Comité des 9 lui vouaient un grand respect. C’est là le mystère dont je voulais parler.

  3. @Afif
    Monsieur, juste pour vous rappeler que l’ex boulevard Bugeaud qui mène de la grande poste vers la rue Hasselah Hocine ex Leluch a été rebaptisé au nom du grand chahid Mostepha Ben Boulaid, mais je suis entièrement d’accord avec vous que ce n’est pas une artère digne de ce grand Monsieur, disons que rue ou boulevard c’est symbolique, lui il est au Paradis avec ses boulevards interminables. Cela dit, vous me faites rappelez que l’APN et ses « dépités » est encerclée par Amirouche, Abane, Zerout Youcef ; Ben m’hidi et Ben Boulaid, ils surveillent d’en haut les « débats » faits et gestes ces analphabètes « élus » du peuple Algérien.

Les commentaires sont fermés.