عن البلطجة الأكاديمية أو الجامعة بين البوليس السياسي والرقابة الذاتية.

4
1916

بقلم فضيل بوماله

يبدو أن فضائح الجامعة الجزائرية صارت يومية وأن عفنها تجاوز حجمها مما جعلها مشتلة أخرى من مشاتل فساد النظام في كل المجالات كبيرة كانت أو صغيرة.

منذ ما يناهز العشرين سنة،كتبت بحسرة كبيرة أن التنوير كما التغيير لن تنتجهما الجامعة الجزائرية كما أريد ويراد لها أن تكون. فلم تعد فضاء لا لإنتاج المعارف ولا لتبليغها ناهيك عن الابتكار والإبداع الا فيما ندر من الحالات الفردية الشاذة التي لا يجوز القياس عليها. لقد أصبحت ،واآسفاه، جامعة للمفاسد والجهالات وليس للعلوم والمعارف وروح النقد وصناعة العقل والفرد والمواطنة. وكباقي القطاعات، أرادها النظام السياسي استنساخا له ووكرا لكل ما يتنافى وطبيعتها ورسالتها ورمزيتها وحرمتها.لقد حولها نظام العسكرة والحزب-الدولة الى ما يشبه الخزان المختص بانتاج الولاء والرداءة والشعبوية بمستويات دنيا لكن بشهادات عليا. وبالنظر لحجمها البشري والمادي المتزايد وعلى غرار قطاع التربية والتكوين المهني، صارت الجامعة ومعها طبعا ديوان الخدمات الجامعية مجالا ريعيا خصبا تتنافس عليه شبكات الفساد المالي والأخلاقي.
نظام سياسي فاسد لا يمكن إلا أن يفسد الأفراد والمجموعات والمنظومات لأن الفساد هو هويته وطبيعته ولا يمكنه الاستمرار الا بتعميمه ودمقرطته.

وانطلاقا مما سبق إيجازه، يمكنني القول أن جامعتنا كما هي عليه اليوم صارت فضاء للاعلم وللاتعليم يغتال فيه العقل على مراحل حيث انتقل به من مستوى الفعل المؤثر الى مستوى التابع المفعول به.وذلك ما يفسر تحول الجامعة في بحر الربع قرن الاخير إلى بؤرة لمقاومة الأفكار الجادة والنقد العلمي والسجال والنظريات البديلة والتغيير.
وتفسير ذلك في تقديري يعود إجمالا إلى عوامل متداخلة عشرة:

1.اختراق الجامعة سياسيا عن طريق العسكرة والبوليس السياسي من جهة و التأطير المتحزب لما يسمى الحزب-الدولة(الذي فرخ وصار متعددا).
2. استمرار اعتقاد النظام أن شرعيتي العنف البوليسي والربع النفطي أولى وأهم من شرعيتي العلم والشعب مما جعل العلم أبعد ما يكون عن مراكز صناعة القرار واتخاذه.
3. عقدة الحاكم في الجزائر ومن خلاله النظام عامة من كل ماهو ذكاء وعلم وجامعي.فعقدة النقص في هذا الجانب تحولت الى عقدة تفوق عنده بسلطان القوة والرياسة.
4.اعتقاد الحاكم ومن خلاله النظام أيضا أن « الجزائري » كائن معدي وأن مطالبه لا تتعدى الحاجيات البدائية بلغة ماسلو. ومن ثم فالتفكير والعلم ليسا بمطلبين وإن كانا كذلك فهما من وظائف الحاكم والنظام عامة.ومن يخرج عن ذلك فهو انقلابي تجب محاربته.
5. تحويل الجامعة إلى سوق لتوزيع الريوع أو التنافس عليها بوسائل القوة والولاء والفساد.
6. التمييع السياسي والمجتمعي لوظيفة وقدسية الجامعة مما قلب كلية السلمية القيمية والمعايير المرجعية في الترقية والتميز.
7. هزال التكوين و تحويل الشهادة الجامعية الى وثيقة عادية تشبه شهادة الميلاد أو السجل التجاري تستخرج من البلدية أو من المركز الوطني للسجل التجاري.
8. انتقال الجامعة من مستوى التفكير والإبداع والاختراع الى مستوى البحث عن « الخبيزة » والوظيفة لا غير.
9.تحول الجامعة من القيمة المعرفية والاجتماعية المضافة الصانعة لرأسي المال البشري و المعرفي الى مجرد هيكل في حالة إنعاش وجهاز مناعة ضعيف يستقبل كل أمراض النظام السياسي والمجتمع ويتأثر بها دون أي إمكانية للتأثير فيها.
10. اختراق الجامعة مما يمكن أن أسميه « تدين الشارع » الذي تتبناه قوى « سلفية  » مناهضة للعلم والعلوم خاصة منها الإنسانية والاجتماعية بتواطؤ مع البوليس السياسي.

وعلاوة على ما ذكر وبالإضافة لكل الامراض المزمنة والقاتلة التي أصابت الجامعة الجزائرية كجزء من جسد الجزائر الكلي، أود أن أذكر أن مبرر هذا المقال راجع لما حدث هذه الأيام(وللمرة الالف خاصة بعد العنف والفساد وتزوير الشهادات والانتحال العلمي وووو…آخرها مقتل الاستاذ قروي سرحان) بكلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر 3. أستاذة طالبة(السيدة ليلى سيدهم) تناقش أطروحة دكتوراه بعنوان » دور النخب الحاكمة في الجزائر في عملية التحول الديمقراطي 1989-2016″. كل الإجراءات كانت تقليدية وعادية من اختيار الموضوع واختيار المشرف الى تسجيله في الكلية و « السيريست  » الى البحث وتقديمه للجنة العلمية وتوزيعه للقراءة وتحديد لجنة المناقشة رئاسة وأعضاء الى لحظة المناقشة والمداولة و التوصيات والاعلان العلني عن التقدير العلمي والفرحة الاكاديمية وبعدها المراجعة والتصحيح وفق التوصيات وابداع الأطروحة بالمكتبة..بعد كل هذا ، يتدخل عميد الكلية بالنيابة (د. محمد خوجة) ليسحب الأطروحة من المكتبة ويستدعي الرئيس واعضاء لجنة المناقشة ويهددهم بحتمية إعادة النظر في كل شيء..بدعوى أن الأطروحة تتحدث في فصول منها عن الجيش ورئيس الجمهورية السيد بوتفليقة…وكلاهما مقدس عنده لا يناقش وحتى اللجنة العلمية غير مؤهلة علميا لمناقشة ذلك..بل وذهب أبعد من ذلك (وهو لا يملك أي صلاحية لا بيداغوجيا ولا علميا ولا إداريا) حيث قرر أن يراجع ويقلم بنفسه أظافر الأطروحة (وهو تدخل صارخ في صلاحيات المجلس العلمي ولجنة المناقشة)…وأخطر من هذه المهزلة أنه أحضر شخصا مما أسماه « الأمن الرئاسي » ليخيف به رئيس لجنة المناقشة وأعضاءها. هذا العمل أكثر من عار وإهانة للكلية وأساتذتها وطلبتها ومجلسها العلمي ولجنة المناقشة والمشرف والطالبة و جامعة الجزائر 3 ووزارة التعليم العالي ورئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع وجهاز الأمن والجزائر والشعب الجزائري ككل ومعهما تقاليد البحث الأكاديمي في جامعات العالم من نواكشوط الى طوكيو.

إنه الولاء وتقديم الخدمات مجانا او بالمقابل للنظام سياسيا وأمنيا..إنه الحجر على الفكر والاجتهاد العلمي.. إنه تحطيم ممنهج لطبيعة ودور الجامعة..ألم تناقش وتجاز بالكلية ذاتها أطروحة مهزلة بعنوان  » العولمة في خطابات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة »؟..هل هذا العميد المغرر به أو الطموح سياسيا اكثر من اللازم أستاذ باحث أم خياط على المقاس؟ هل هو عميد كلية العلوم السياسية أم مسؤول الرقابة بوزارة الداخلية أو رئيس لجنة المقص والتخوين بحزب جبهة التحرير الوطني؟ هل هذه المسائل الجوهرية تناقش بالجامعة ومراكز التفكير والبحث أم يريدها هذا العميد أن تكون بالمقاهي وسيارات الأجرة ما بين المدن؟.

أليست هذه بلطجة أكاديمية؟ أليس اغتيالا علميا وأخلاقيا للجامعة عن طريق البوليس السياسي أو باسمه ؟ أليست هذه الرقابة الذاتية بسبب الولاء أو الخوف أخطر على عقولنا من نازية غوبلز مع الفارق أن هذا الأخير ومثله الرفيق سوسلوف السوفييتي كانا من كبار المثقفين الايديولوجيين داخل نظامين فاشيين. أما عندنا فلا فكر ولا إيديولوجيا..متعالمون وكابرانات وفقط..بالولاء للقوة والفساد يصنعون الوهم ويكرسون العفن والانحطاط.

تحية للأستاذة ليلى سيدهم على موضوعها و موقفها وتحية لكل العقول والضمائر الحية التي لا تزال « تقاوم ديمقراطيا » إرثا استبداديا خطيرا.

فضيل بوماله

4 Commentaires

  1. Comme on l’a,déjà,écrit ici même sur LQA,concernant la recherche scientifique et les labos dans nos universités, qu’en Algérie tout est politisé et sécurisé,pardon manipulé.Non seulement le savoir dans les universités mais aussi et surtout la religion dans les mosquées,la culture dans les centres du même nom ou les stades,les langues dans les écoles et même hachakoum le ramassage des ordures dans les rues..
    Les intellectuels (dans les pays ou règne la bonne gouvernance) qui ont en principe leur place dans leurs universités respectives devraient Produire des Idées pour Changer la Situation de la Société du mal être au bien être,de l’inculture à la culture de la paresse à l’éveil du sous développement au développement tout court qui rayonnerait sur toute la société,Et,ce bien être,ce bonheur on ne pourra jamais
    le Produire dans des Usines,comme des Savonnettes,de l’Huile de Jasmin ou de Boissons Fraîches..

  2. Selon GRAMSCI « philosophe Italien », la superstructure détermine l’infrastructure », en renversant la théorie MARXISTE qui dit le contraire, en effet cette nouvelle théorie de GRAMSCI, confirme que l’idéologie dominante (partie importante de la superstructure) est reproduite par tous les leviers du pouvoir (toutes institutions de l’Etat) l’armée, la justice, l’école, les médias……etc.… Les intellectuels dits organiques participent à la reproduction de l’idéologie dominante (les hommes politiques les enseignants, les magistrats, les journalistes, les sportifs……etc.), toute l’intelligentsia de la société..
    Ceci nous emmène à déduire que sans changement (pacifique ou violent) au niveau de la superstructure, l’infrastructure (l’économie et les classes ouvrières etc…..) demeure sous domination, ce que GRAMSCI appel le bloque historique. TANEMIRT.

  3. Bonjour, je ne sais pas si vous vous l’aviez remarqué en ce qui concerne les épreuves du Bac ; les Classes sont vide vu ce qui se passe dans les unis algériennes de délinquance les lycéens algériens ont totalement boycotter le Bac.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici