الحقوقي عبد الغني بادي: السلطة لا تستجيب للمطالب الحقوقية. .والدستور مقيد

1
1426

نشرت بواسطة: الشرق برس في الحوار الجزائري 8 يوليو، 2017..حاورته لطيفة سراي
في كل مرة يحتفل الجزائريون بعيد استقلالهم يثار الجدل من جديد حول مكاسب الجزائر المستقلة، ومدى نجاح الإصلاحات المختلفة للحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال، وما إذا سلكت الديمقراطية مسارها الحقيقي، خاصة وأن الجزائر عصفت بها ظروف سياسية واقتصادية، واجتماعية صعبة على مراحل تاريخية متباينة، بدء بمخلفات الإستعمار الفرنسي، إلى حراك أكتوبر 1988، مرورا بالعشرية السوداء، وآخر المطاف تهديدات الربيع العربي الذي قام في بلدان شقيقة.

الشرق برس أثار نقاط عديدة مع الناشط الحقوقي المحامي عبد الغني بادي في الحوار التالي:

1-بداية، هل نستطيع القول أن الجزائر بعد 55 سنة من الإستقلال هي دولة ديمقراطية بفضل العديد من الإصلاحات، أم أنها مازالت بعيدة عن الممارسة الحقيقية للدمقراطية وهذه الإصلاحات ما هي إلا مجرد واجهة تتزين بها السلطة أمام المجتمع الدولي؟

-طبعا، لا يمكن الحديث عن التجربة الديمقراطية في الجزائر دون التطرق لجزائر ما بعد أحداث أكتوبر 1988، وتعديل الدستور وفتح التعددية الحزبية التي كانت تجربة رائدة لم تعرفها دول المنطقة وكثير من دول العالم، عرفت الجزائر خلالها انفتاحا نوعيا وسارعت حتى للمصادقة على أهم الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، أهمها العهود الدولية للحقوق المدنية، والسياسية، والإجتماعية، والإقتصادية، والثقافية سنة 1989، وأجريت انتخابات مستقلة شهد لها العالم كله، لكن التجربة لم تعمر أكثر من سنتين حتى انقلب العسكر على الشرعية، ودخلت البلاد في أزمة سياسية، وأمنية، واقتصادية، واجتماعية منها ما هو عالق حتى الآن، ومنها ما بقيت آثاره، غير أن تراكمات تلك المرحلة مازالت تلقي بظلالها وتؤثر في الواقع العام، وتعطل عجلة التطور بسبب مخلفاتها الكارثية، وأكثر من هذا كله أن السلطة الحالية تستثمر في أزمة مرّ عليها عقدين، لتبقى دائمة جاثمة على صدر المواطن.
في خلاصة الجواب لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية في ظل إقصاء المواطن من حقه في ممارسة الفعل السياسي الحقيقي، وفي ظل فرض آليات وقوانين تلعب فيها الإدارة التابعة لسلطة الأمر الواقع أهم الأدوار. .لا توجد ديمقراطية في ظل إقصاء المواطن من المشاركة السياسية عن طريق دفعه للاستقالة وتمييع العمل السياسي، وإفراغه من هدفه الحقيقي.
السلطة تتكلم عن إصلاحات، لكننا في الواقع لا نجد أثرا لأي إصلاحات، للأسف هناك انتكاسات متتالية، جعلت من العمل السياسي دون أي معنى،
السبب راجع أساسا إلى انتهاج سياسة شمولية الحكم الذي كان منتهجا سنوات السبعينات في الجزائر وفي الكثير من الدول الديكتاتورية.


2-دافعتم عن الكثير من القضايا المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان، هل وجدتم تفاعلا من السلطة مع مطالبكم؟


السلطة لا تستجيب للمطالب الحقوقية، هي تتعامل معها حسب الظروف، السلطة تزيد من حدة القمع كلما شعرت بالخوف أو شعرت بتأنيب الشارع لها. الآن نرى دستورا ظاهره مثالي لكنه مقيد بقوانين تنظيمية تمنع عنك الحق، كل الحريات المتعارف عليها في المواثيق الدولية موجودة في الدستور، لكنها مقيدة في آخر المادة بعبارة “يحدد القانون كيفية ممارسة هذا الحق” يعني اللجوء للإدارة من أجل اعتماد جمعية مثلا، الأكيد سيقابل بالرفض إذا تبيّن أن أسماء معارضة وراء تأسيسها، كذلك الأمر بالنسبة للتظاهر، الدستور يعترف بهذا الحق غير أنه يقيده بعمل الإدارة التي لن توافق حتما، وهكذا. . . .للأسف كل المجالات تشهد قمعا، لكن بأساليب مختلفة.
عن القوانين ومدى تأثيرها في ترقية حقوق الإنسان، هناك الكثير من القوانين لا تساهم في ترقية حقوق الإنسان، مما يجعل الحق رهينة الإدارة كاعتماد الصحف والجمعيات، والتظاهر، و و و. .فالقوانين بحد ذاتها منافية للاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر.


3-بعد 55 سنة من الاستقلال هل مازال المجتمع المدني الجزائري بعيدا عن التأثير في قرارات السلطة مقارنة بالمجتمعات الغربية حيث نجد المجتمع
المدني يلعب دورا كبيرا ومؤثرا في قرارات الدولة؟


-المجتمع المدني تم إبعاده وتهميشه بكل الوسائل الخبيثة، انطلاقا من زرع ثقافة أن السياسي مرادف لمصطلح الانتهازي، وإظهار بعض الوجوه للمشهد العام منفرة تماما من تشجيع المجتمع على التحرك في أي عمل سياسي. .أكثر من هذا المجتمع صار غير مهتم بالسياسة لاقتناعه أنها كانت السبب في عشرية الدم، وتنازل عن حقه في الممارسة السياسية، وانزوى للمطالبة بالحد الأدنى من الحقوق الاجتماعية كالسكن، الشغل، وهذا ما تفطنت له السلطة ودرسته جيدا، فخلقت ثنائية سكنات عدل، والأونساج. .السلطة تحكمت جيدا حتى في التركيبة السوسيولوجية والنفسية للمواطن، لا يمكن أن تجد مواطنا يحتج لأن السلطة رفضت اعتماد جمعية أسسها هو، إنه الواقع.


4-سجلنا امتعاضكم من العفو الرئاسي في ذكرى الاستقلال وقلتم أنه دوس على أحكام العدالة وقراراتها، ألا يعتبر تخفيف العقوبة والعفو عن السجناء وإدماجهم في المجتمع، نقطة إيجابية في مجال حقوق الإنسان الذي تناضلون من أجله؟


-فيما يتعلق بالعفو الرئاسي ما قلته هو كلام اتفقت عليه المدارس المتخصصة في القانون الدستوري، على أن الوظيفة التنفيذية لا يجب أن يكون لها أي دخل في عمل القضاء، وبهذا يكون التجسيد الفعلي للفصل بين السلطات. هو ليس امتعاضا بقدر ما هو دعوة لمراجعة مسألة العفو التي يخوضها الدستور للرئيس ومنحها لهيئة قضائية تدرس كل حالة على حدا، بدلا من العفو الذي كثيرا ما يكون عشوائيا، قد يستفيد منه من لا يستحقه، ويحرم منه من يستحقه. المسألة مرتبطة بالفصل بين السلطات وإعطاء الإجراء بُعدا أكبر، ودراسة أدق من مجرد عفو روتيني يتكرر كل مناسبة وطنية أو دينية.


5-لم يشمل العفو الرئاسي الأخير سجناء الرأي، ما تعليقكم؟


بعض سجناء الرأي لم يستفيدوا من أي إجراء حتى قانون السلم والمصالحة تجاهلهم، والسلطة ترفض الاعتراف بأنهم سجناء سياسيون عددهم يقارب 200 سجين، تجاوزت مدة حبسهم 25 سنة. .هذا عن سجناء العشرية السوداء.
أما سجناء الرأي المحكوم عليهم في السنوات الأخيرة فأعتقد أن العفو يشملهم، والمسألة مرتبطة بنوع التهم ومدة العقوبة فقط، فالعقو كثيرا ما يقلص من العقوبة المحكوم بها، مازال على قضائها مدة طويلة. المفرج عنهم عادة هم الذين توشك محكوميتهم على الانتهاء أو تكون عقوبتهم قصيرة، أقل من سنة أو تعادل في هذا العفو الأخير على ما أعتقد.


6-ماذا تعني لك جائزة “محمود خليلي” للدفاع عن حقوق الإنسان، التي منحت لك سنة 2016 نظير نضالك؟


محمود خليلي –رحمه الله- محامي من طينة نادرة، قاوم تسلط النظام وظلمه في أصعب المراحل، عندما صمت الجميع والتزموا بيوتهم خوفا من جبروت وقهر نظام لم يتردد في التصفية الجسدية لكل معارضيه آنذاك. للمرحوم فضائل في كشف عورات النظام وقتها وإنصاف المظلومين. جائزة المرحوم محمود خليل التي تسلمتها في مؤتمر التغيير الديمقراطي عن منسقها الوطني الدكتور صلاح الدين سيدهم. هي أمانة أكثر من كونها جائزة، أمانة يجب المحافظة عليها لأنها رسالة إنسانية وروحية قبل كل شيء، فحقوق الإنسان كفلتها كل الديانات السماوية.

حوار لطيفة سراي*

1 COMMENTAIRE

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici