بوتفليقة وراقصو التانغو

0
1486

 http://www.alquds.co.uk

توفيق رباحي

Jan 23, 2018

يصر رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى على التأكيد أنه لن يترشح لأي انتخابات رئاسية منافسا للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. كأنه بذلك يوجه رسائل إلى قوة ما تسعى لاستعماله ضد بوتفليقة من خلال دفعه للترشح. 
يتكرر هذا الكلام على لسان أويحيى بسبب ومن دون سبب، حتى يبدو الرجل وكأنه يريد صك براءة من شبهة نية الترشح ضد بوتفليقة. 
بالمنطق والعقل السليم، ووسط القحط السياسي في البلاد، يبدو خيار أويحيى كمرشح متماشيا مع الواقع. لكن اختيار الرؤساء في الجزائر له منطقه المستعصي على الفهم. ذات المنطق الذي جاء بمحمد بوضياف من مصنع طوب في القنيطرة المغربية، واليمين زروال من تقاعد هادئ في باتنة، وبوتفليقة من سياحة أبدية بين سويسرا والإمارات.
نفترض جدلا أن أويحيى صادق وكلامه نابع من إيمانه باستثنائية بوتفليقة وأحقيته دون غيره لرئاسة البلاد. الموضوع هنا لا يتعلق بأويحيى ذاته، مرشحا كان أو رئيسا (جرّبه الجزائريون منذ ربع قرن وشبعوا من «إنجازاته» المظفرة)، إنما في ثقافة سياسية استشرت في البلاد منذ 1999 ووصلت، في 2018، إلى حد تقديس بوتفليقة فيصبح ممنوعا مجرد التفكير في الترشح ضده حتى وهو في حالة عجز مزمن عن أداء أبسط وظائفه الرئاسية.
الذين لديهم مواقف، سرية وعلنية، مثل أويحيى كثيرون في الحكم وعلى حوافه، لأن الغنائم كثيرة والفساد أكثر. وأيّ توجه مخالف كلفته باهظة. لم يبق في الجزائر سياسي أو نقابي يجرؤ على الاختلاف مع الرئيس. تفرَّق القوم بين صامت ويائس وبائس ومنتفع.
الموضوع من وجهين، بوتفليقة وطريقته المتسلطة في إدارة الشأن العام، ومن جهة أخرى هؤلاء الذين يحرِّمون على أنفسهم حق الحلم في منافسته في انتخابات رئاسية لا فرصة لهم فيها (لم يسجل التاريخ، في الجزائر وكل البلاد العربية، أن رئيسا اعاد ترشيح نفسه لها وخسرها). 
إذا كان أويحيى، كنموذج، حرّم على نفسه حلم الترشح في وجود بوتفليقة، فلأن هذا الأخير أوجد هذه النزعة الاستبدادية والعنيدة، وجعلها برنامجا سياسيا تجندت مؤسسات الدولة لتنفيذه والدفاع عنه. هي مثل رقصة التانغو، تحتاج راقصين اثنين، فوجدت في أويحيى (وجمال ولد عباس ولويزة حنون وعبد المجيد سيدي السعيد وعلي حداد وعبد الملاك سلال.. وغيرهم)، الراقص المقابل.
يؤمن بوتفليقة بأن لا أحداً في الجزائر أفضل منه، وبأنه كان يجب أن يرأس الجزائر بعد وفاة الكولونيل هواري بومدين في نهاية 1978 ويستمر رئيسا إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا. ويؤمن بأن وصوله للرئاسة في 1999 كان تجسيداً لعدالة تاريخية تأخرت 20 عاما ونوعا من الإنصاف السماوي له.
واستطرادا، بمنطقه هذا، لا أحداً يحق له اليوم، ليس منافسته في الرئاسة، بل مجرد إبداء النية في منافسته. ولا يحق لأحد مناقشة قراراته أو التشكيك فيها، لأن التشكيك فيها يعني التشكيك في صاحبها الذي هو «فوق الجميع وأفضل من الجميع». وبما أن بوتفليقة مارس سياسة الأرض المحروقة منذ أصبح رئيسا، انتهى المطاف بالحقل السياسي الجزائري في حالة إفلاس مخيفة. وهكذا غدا بوتفليقة وحيداً في منافسة ذاته وهو في حالة صحية متردية.
صحيح أن بوتفليقة صاحب نزعة فردية استبدادية تربك الذين من حوله. كما أن له سوابق ـ نماذج ـ في إظهار هذه النزعة مع مَن تجرؤوا على الاختلاف معه أو الوقوف في صف خصومه. ومن هؤلاء، رئيس وزرائه السابق علي بن فليس وكل السياسيين الذين دعموه (بن فليس) في انتخابات الرئاسة سنة 2004، والذين ما زالوا يدفعون إلى اليوم ثمن «غلطتهم» تلك. ومن هؤلاء أيضا الوزيران السابقان عبد العزيز بلخادم وعبد العزيز رحابي، وكل مَن اختلف مع بوتفليقة شخصيا أو سياسيا.
لكن يبقى أن الأمر وصل إلى ما وصل إليه بسبب الوجه الآخر للمعادلة، والمتمثل في جفاف العقل السياسي الجزائري إلا من خطاب واحد متخلف يسبِّح بحمد «فخامته» ليلا ونهارا، وخلو الحقل السياسي والنقابي والإعلامي إلا من حفنة من المهرّجين يقول أحدهم «سأصوِّت لبوتفليقة ولو كنت في القبر»، ويعلّق آخر «نحن مع بوتفليقة إلى الممات» (يقصد الموت)، وثالت يبدي استعداده «لأكل الحشيش في سبيل أن يبقى بوتفليقة» رئيسا.
وسط كل هذا الدجل يبدو أويحيى، ظاهريا على الأقل، هو الأعقل، والأكثر جرأة ـ وبراعة ـ في الدفاع عن مواقفه المتناقضة والغريبة. لكن هذه الجرأة لا تبرز لدى صاحبها من اختلاف عن الآخرين أو شجاعة ليست متوفرة لديهم، بل لأن الرجل يدرك أنه لا فرصة له، وأن ثمن مخالفة بوتفليقة، الشخص أو التوجه السائد، سيكون باهظا.
ذكاء أويحيى يتجلى في إدراك الرجل لدوره ومهامه: راعي مصالح الزمرة الحاكمة بمسمى رئيس حكومة. وبرز ذلك الذكاء في أداء تلك المهام بتفانٍ منقطع النظير والتزامه تلك الحدود ببراعة قلَّ نظيرها.
٭ كاتب صحافي جزائري

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici