قصة البروفيسور فارس مسدور وإبنته صبرينال رحمها الله
قصة صبرينال مع مستشفيات بلد العزة والكرامة
كلما تذكرت قصة ابنتي “صبرينال” مع المستشفيات الجزائرية ينتابني شعور باليأس من وضع بلادنا المزري، فالمستشفيات الجزائرية عودنا قصصا أغرب من الخيال عن تصرفات أطباء وممرضين أقل ما يقال عنها أنها تفتقد إلى أبسط معاني الرحمة والشفقة، وكنت أسمع عنها الكثير، لكن عندما عشت القصة بكاملها مع ابنتي ورأيت ما يحصل لأطفالنا بأم عيني صدمت ولم أجد سبيلا للمساهمة في إصلاح هذا الوضع المزري إلا أن أكتب وأكتب إلى أن يحصل التغيير أو يتوفانا الله عز وجل…
من أين أبدأ قصة الغالية “صبرينال” رحمها الله تعالى؟ أأبدأ من يوم وفاتها أم أبدأ من يوم أخذتها لمستشفى بوفاريك والخطأ الطبي الذي جعلها تعاني آلاما قاتلة طيلة سبعا وعشرين يوما (17/ماي/2007 إلى 13/جوان/2007)؟
وحتى تكون القصة واضحة في أذهان قرائها، أبدأ من البداية، حيث بعد إصابة ابنتي بآلام قاتلة في مفاصلها وحمى لا تفارقها وجدتني آخذها لمصلحة الأمراض المعدية بمستشفى بوفاريك، وبعد تحاليل عدة أكد لنا الطبيب رئيس القسم آنذاك أنها مصابة بمرض يدعى “ستل” وكانت ميزة هذا لطبيب التعصب لرأيه بشكل دكتاتوري، ولا يسمح لأي طبيب آخر أن يخالفه الرأي، لكن طبيبة في القسم أمرت أن تحول صبرينال لمصلحة أمراض الدم بمستشفى فراسفانون بمدينة البليدة، إلا أن رئيس القسم رفض بشدة هذا الأمر، وأبقاها بمصلحته تعاني الأمرين، خاصة وأن المرض الذي كان يدعي أن صبرينال مصابة به يتطلب وقتا للقضاء عليه.
العجيب أنك عندما تبحث في الأنترنيت عن مرض “ستل” تجد بأنه الشماعة التي تعلق عليها أمراض الالتهابات المفصلية إذا انتفى وجود أمراض أخرى، ومن بينها سرطان الدم، لكن صاحبنا لم يطلب إجراء تحليل نخاع العظام ليتبين إن كانت صبرينال مصابة بسرطان الدم أم لا، واختصر الطريق وأكد لنا أن المرض الوحيد الذي تعاني منه هو “ستل”…
بقيت صبرينال الطفلة صاحبة السنتين ونصف تعاني الويلات من آلام قاتلة لو عانتها الجبال لتفتتت، حيث كانت تأخذ مادة الأسبيجيك (250 ملغرام) كل أربع ساعات، ووصل بها الحال في أول يوم بدأت تناول هذه المادة إلى أن تضرب رأسها في الحائط من شدة الألم وتشد شعرها بعنف غير مسبوق وهي تقول: يارب يارب اشفني، يا رب يارب اشفني…فكانت تبكي وأمها تبكي معها وهي تقول للممرضين والأطباء: كيف لهذا العلاج الذي يجعل ابنتي تصل إلى هذه الحالة؟ فكان الكل يجيبها: لا نستطيع مخالفة توجيهات رئيس القسم….
استمر الحال على هذا الوضع، وصبرينال المسكينة تعاني الويلات من آلام قاتلة، ورئيس القسم متمسك برأيه، ولا يسمع لأحد، إلى أن مر أكثر من خمسة عشر يوما حيث عادت إحدى الطبيبات من عطلتها وكانت هي من أدخلتها القسم وأوصت بعرضها على مصلحة أمراض الدم، حيث بمجرد أن رأت صبرينال في القسم فزعت وقالت: ألم أقل لكم أن تعرضوها على مصلحة أمراض الدم؟ وأخبروها أن رئيس القسم رفض ذلك… عندها قررت أن تنقلها في اليوم الموالي دون أخذ رأيه، وفعلا أخذناها في اليوم الموالي إلى مصلحة أمراض الدم بمستشفى فرانسفانون وعندها كانت المفاجأة بل الفاجعة التي أبكت الدكتورة التي أجرت التحاليل لصبرينال، ومن شدة صدمتها طردت الممرضة المرافقة قائلة لها: أنتم بلا رحمة…لقد تركتم البنت تموت شيئا فشيئا، إن نسبة الكريات الدموية الحمراء لا تتجاوز 3 بالمائة، إن البنت تكاد تنشف من الدم، لماذا فعلتم هذا؟ وأمرت في الحين أن تحقن صبرينال بالدم…وأجرت لها تحليل النخاع مرة ومرتين، وبعد تأكدها أرسلت في طلبي…
دخلت مكتبها، أجلستني وقالت: سيد مسدور أريد أن أخبرك بأمر ما…قلت: تفضلي…قالت: صبرينال عندها مرض خطير، قلت: ما هو: قالت عندها سرطان دم، قلت لها: الحمد لله هذا قضاء الله، ثم سألتها وقد أحسست أن الدم نشف من وجهي: أهنالك إمكانية لعلاجها، قالت: إن كان النوع صديقا، أما إن كانت من النوع الشراني فالشفاء منه صعب…قلت لها: لا تخبري أحدا بهذا؟
خرجت من مكتبها، كان معي أحد أصدقائي، ابتعدت معه عن المصلحة حتى لا يراني أحد، وانفجرت بالبكاء وصاحبي يسأل عن الأمر وهو مفزوع من طريقة بكائي، أخبرته بأمر فلذة كبدي فزع فزعا عظيما واستحلفته أن لا يخبر أحدا… دخلت على صبرينال وجدتها ممددة في ذلك السرير وهي تبكي وتشتكي لي ما فعلوه معها هدّأت من روعها، سألتني زوجتي عن سبب طلب الطبيبة لي وحدي…أخبرتها أنها نصحتني بتغيير المستشفى…
وبدأت مسيرة الابتلاء العظيم، مع مستشفياتنا في مرحلتها الثانية، حيث لم أخبر أحدا بالأمر، وجدنا لصبرينال مكانا في مستشفى بني مسوس بمصلحة أمراض الأطفال، في أول يوم سألت رئيس القسم، هل هنالك إمكانية للحصول على موافقة بنقل صبرينال للعلاج بالخارج على حساب الدولة، انتفض وقال مستحيل، لن تحصل على الكفالة حتى ربحت الجزائر بأجمعها (يقصد حتى لو أقنعت جميع الجزائريين بذلك)…لقد حاولت أنا من أجل إحدى قريباتي ورفض طلبي…واسترسل قائلا: هذا النوع من الأمراض متحكم فيه بشكل جيد في بلادنا، وعليه حذف من قائمة الأمراض التي تعرض على اللجنة الوطنية للعلاج بالخارج، ثم لا تقلق فنحن على اتصال دائم بمراكز البحث الفرنسية ولدينا كل جديد خاص ببروتوكولات العلاج…كان هذا أول وآخر حديث لي مع هذا البروفيسور العظيم الخبير في مكافحة سرطان الدم…
أصبح مرض صبرينال معروف عند كل العائلة خاصة زوجتي، التي بدأت تبحث عن كل صغيرة وكبيرة عن هذا المرض لتعرفها، فمستواها كمهندسة دولة في الرياضيات سمح لها بأن تطالع وتكون ثقافة واسعة عن هذا المرض، وثقافتها هذه كانت مصدر إزعاج للأطباء والممرضين ممن اعتادوا التعامل مع عامة الناس ممن لا يسألون كثيرا عن الأمور التقنية في الطب…
بدأت مسيرة العلاج بالبحث عن الدواء، فجل الدواء لم يكن متوفرا بالمصلحة، وعليه كنا مجبرين على إحضار أبسط أنواع الأدوية الخاصة بهذا المرض من فرنسا، عندها أدركت أن ابنتي تضيع بين يدي، ناهيك وضعية القسم الذي كانت فيه، حيث كان يفتقد إلى أبسط معايير النظافة، فالصراصير، والذباب والبعوض والقطط، وغيرها من الأشياء السلبية التي كانت تحيط بالأطفال كلها كانت تزيد من سوء حالتهم، بالإضافة إلى أن القاعة التي كانت فيها صبرينال ووالدتها تضم أكثر من أربعة عشر نفرا في بعض الحالات، أما في الأيام العادية فكان العدد يتراوح بين اثني عشر وعشر أفراد (الأطفال مع أمهاتهم)، إنها الكارثة…
أخذت صبرينال الجرعة الأولى للعلاج الكيميائي، ولم تحدث استجابة قوية، وأخذت الثانية بعد أيام وحدثت استجابة بسيطة وبين الجرعة والجرعة كانت نسبة المناعة تنزل إلى أدنى مستوياتها، فكان ذلك يستدعي البحث عن الصفائح الدموية التي تشترط مصلحة الدم أن يحضر (جبرا) أهل المريض أعدادا من الناس ليتبرعوا بدمهم حتى يتمكن الطفل من الحصول على الصفائح الدموية وإلا مات جراء النزيف، فكان توفير الصفائح الدموية كابوسا لا يستفيق منه أي واحد من أفراد العائلة.
وأثناء إقامة ابنتي في هذا المستشفى رأيت العجب، رأيت كيف أن أطفالا يموتون من نقص الدواء، رأيت كيف أن أطفالا يموتون لعدم وجود الصفائح الدموية، رأيتهم يموتون وهم ينتظرون دورهم لزراعة النخاع في مركز بيار وماري كوري بمستشفى مصطفى باشا الجامعي بالعاصمة، إنني أذكرهم واحدا واحدا وسأروي قصصهم ليعرفها الناس جميعا…
إنه الموت البطيء، هذا الذي يسمونه علاج كيميائي، إنه العلاج القاتل، وفعلا بعد أربع جرعات أخذتها صبرينال من العلاج الكيميائي، خاصة بعد الجرعة الرابعة، تقف إحدى البروفيسورات العظيمات بهذه المصلحة أمام سرير صبرينال وعلى مرأى ومسمع من جميع الأطفال ومرافقيهم قائلة: لقد قلت لكم أن صبرينال لن تشفى أبدا، انتهى الأمر، حتى لو أخذتموها إلى فرنسا أو أمريكا لن يفعلوا لها شيئا، ثم أنك سيدتي (وهي تخاطب زوجتي) لازلت صغيرة وبإمكانك أن تنجبي غيرها…خذوها للبيت تأكل وتشرب وتلعب مع أخيها إلى أن تأتي ساعتها…
انفجرت أم صبرينال بالبكاء وأبكت جميع من كان بالقاعة، لقد حكمت البروفيسورة العظيمة بالموت على ابنتي الغالية حكما حضوريا علنيا، فهمته صبرينال التي أصبح عمرها ثلاث سنوات، وجعلها المرض تكبر لتعيش حياة أكبر من سنها بكثير…
لم ترحم البروفيسورة دموع أم صبرينال، ولم ترحم حتى صبرينال، ولم ترحم حتى الأطفال والأمهات اللواتي كن يرين مصير أبنائهن من خلال ما قالته البروفيسورة عن حالة ابنتي…
العجيب أنه بعد أيام قلائل، قمنا بالتحاليل على مستوى مركز بيار وماري كوري، وخرجت التحاليل تقول: أن نسبة الخلايا السرطانية أصبح يساوي صفر، أي أن الجرعة الرابعة أعطت نتائج جيدة وكنا نظن أن صبرينال بدأت تتماثل للشفاء أو على الأقل أصبحت جاهزة لعملية زرع نخاع…
وبجهود المحسنين نقلناها لإجراء فحوصات معمقة في مستشفى سان لوي بفرنسا، وكان البروفيسور “أندري باروشال” هو من كشف عنها، وبعد اطلاعه على ملفها الطبي والجرعات التي أخذتها بمستشفى بني مسوس قال لوالدتها: إن الجرعة الأولى التي أخذتها صبرينال كانت خاطئة، حيث تم تغيير أحد مركباتها بمركب آخر، وبعد تحاليل معمقة اكتشف أن نسبة الخلايا السرطانية وصلت على 24 بالمائة وليس صفر كما ظهر في مركز بيار وماري كوري (حيث كانت الأنسجة فقيرة لا يعتد بنتائج تحليلها).
رجعت صبرينال وأمها إلى الجزائر، وبدأت رحلة معاناة أخرى مع مستشفى بني مسوس، حيث بدأت مرحلة التهرب من الاحتفاظ بها في المستشفى، حيث ركزوا على ما أسماه البروفيسور باروشال بالعلاج الوقائي، حيث بدأت صبرينال تأخذ العلاج الكيميائي في شكل حقن صغيرة على الكتف أو الفخذ، عوض أن تأخذه بالآلة المخصصة لذلك، وكان الهدف منه التخفيف من آلامها وليس علاجها من المرض الخبيث.
وفي مرحلة متقدمة شهرا ونصف قبل وفاتها أعطونا رسالة لمستشفى بوفاريك لتتابع علاجها به، علما أن مستشفى بوفاريك لا يحتوي على مصلحة لعلاج سرطان الأطفال، لكننا خضعنا للأمر الواقع فقد كانوا يرفضون استقبال صبرينال في مصلحتهم ببني مسوس بعد رجوع صبرينال من فرنسا ومواجهة أمها لهم بالملاحظات التي ذكرها البروفيسور باروشال.
في مستشفى بوفاريك، وبعد تدهور حالة صبرينال اضطرت رئيسة قسم الأطفال أن تستقبلها في مصلحتها، وأعطتها الرعاية اللازمة، فقد كانت هذه الطبيبة رحيمة جدا بالأطفال الصغار، وخصصت لصبرينال وأمها غرفة، ومعايير خاصة للنظافة والوقاية من الميكروبات…
في مرحلة معينة من تواجد صبرينال بمصلحة طب الأطفال ببوفاريك، رأت رئيسة القسم أن حالتها خطيرة جدا وأنها تحتاج إلى رعاية متخصصة فاتصلت بمصلحة طب الأطفال بمستشفى بني مسوس، تحدثت إلى طبيبة صبرينال واصفة لها حالتها وضرورة أن تنقل إليهم، فما كان منها إلا أن أجابتها قائلة: أحقنيها بالصفائح الدموية وأرسليها للبيت…عندها انتفضت رئيسة القسم قائلة لها: إذا غابت عندكم الرحمة فأنا لن أترك طفلة تتعذب أمام عيني ووبختها مذكرة إياها بأخلاقيات الطب…
وفي اتصال آخر أخبرتها أن البروفيسورة العظيمة بمستشفى بني مسوس ترفض استقبالها…فأدركت رئيسة قسم الأطفال بمستشفى بوفاريك أن مستشفى بني مسوس لا يريد أن يضيف رقما إلى سجل وفيات الأطفال بقسم الأطفال، حتى تبقى سجلاتهم نظيفة أمام وزارة الصحة، وأنهم يحققون نتائج جيدة في مكافحة سرطان الأطفال، مادام الأطفال يموتون في منازلهم أو في مستشفيات أخرى يوجهونهم إليها…
في مصلحة طب الأطفال ببوفاريك أصيبت صبرينال في أول مرة بنزيف، وكانت نسبة الكريات الدموية الحمراء أيضا منخفضة، فبحث زوجتي عن الطبيبة المناوبة ولم تجدها، بعدها أخبرها الممرض المناوب أنها في مكان معين بعيد عن القسم في غرفة الراحة، ذهبت لبحث عنها، عندما أيقظتها أقامت الدنيا لم تقعدها وجاءت إلى المصلحة غاضبة ووبخت الممرض الذي دل زوجتي عليها ورفضت أن تحقن صبرينال بالدم، رغم أن التعليمة التي كتبتها رئيسة القسم تطلب ذلك بالفعل، ولم تخضع لطلب زوجتي إلا بعد أن اتصلت برئيسة القسم في بيتها التي أمرتها بأن تفعل ما تطلبه زوجتي وتطبق التعليمة المكتوبة…عندها بدأت زوجتي بالبكاء فقالت لها صبرينال: أمي لا تبكي أنا أعلم أن “طاطا” -وتقصد الطبية-رفضت أن تعطيني الدم…
تكرر هذا الأمر للمرة الثانية، وهذا المرة كانت نفس الطبيبة متواجدة بالمصلحة، وكلموني لأحضر ظنا منهم أن صبرينال تحتضر، كانت زوجتي تتوسل لهذه الطبيبة أن تحقن صبرينال بالصفائح التي أحضرتها لها (حيث كنت أحضر لها كل يوم الكمية التي تحتاجها من مركز حقن الدم بالبليدة) ولم تخضع لطلبها إلا بعد اتصال من الطبيبة رئيس القسم، كانت صبرينال تصدر حركات غريبة، وكأنها شاة تحتضر عند ذبحها، لم تهدأ إلا بعد أن أعطيت الصفائح الدموية وعددا من الحقن، أتدرون ماذا كانت تقول تلك الطبيبة: إنها تحتضر انتهى أجلها، الحمد لله أنك هنا، لتكون معها ومع زوجتك، لقد وقعت هي الأخرى عقد وفاتها…ولم تكن تعلم هذه الطبيبة (المجرمة) أن صبرينال كانت تنزف داخل دماغها، فعوض أن تنقل إلى مصلحة جراحة الأعصاب على وجه الاستعجال إلى مستشفة فرانسفانون تركتها تنزف الليل بطوله إلى أن طلع علينا الفجر، فكانت صبرينال شاخصة البصر لا تتكلم، وكان هذا من علامات النزيف الدماغي…
بمجرد أن حضرت رئيسة القسم، أمرت بأن ننقلها إلى مستشفى فرانسفانون لعمل أشعة دماغية (سكانير) وفعلا اكتشف أنها تنزف في دماغها، بقيت صبرينال ثلاثة أيام لا تتكلم وبصرها شاخص إلى السماء، في اليوم الرابع يوم 12/02/2008 ذهبت إلى العاصمة بغية أن أطلع على أول كتاب صدر لي، وأنا عائد كلمتني أم صبرينال قائلة أن صبرينال تريد أن تتحدث إلي، فرحت وكلمتها فقالت: بابا أرواح أرواح أرواح (أي تعال تعال…) قلت نعم ابنتي أنا قادم أنا قادم يا غاليتي، أحبك…..
عندما وصلت وجدتها تتنفس بصعوبة كبيرة، جلست إليها قلت لها أأقرأ لك شيئا من القرآن، فإن كنت موافقة شدي على يدي بقوة، ففعلت وبدأت أقرأ لها شيئا من القرآن، وهي تتنفس بتلك الطريقة المخيفة، المرعبة، بعد أن هدأت وأحسست أنها نامت، ذهبت لصلاة العصر، ثم خطر ببالي أن أرسل رسالة عبر الجوال لأحد أصدقائي بمكة المكرمة، قائلا له: أسألك بالله أن تدعو لصبرينال عند باب الكعبة فهي تعاني…. عندها رن هاتفي إذا بزوجتي تقول لي تعال بسرعة…دخلت غرفة ابنتي الغالية وجدتها ما تزال دافئة وقد التحقت بالرفيق الأعلى هلت وكبرت وسبحت وقلت إنا لله وإنا إليه راجعون لكنني لم أتمالك نفسي انفجرت بالبكاء، بكاء رحمة وحزن على فراق غاليتي التي تعذبت كثيرا في المستشفيات الجزائرية وعذبها أطباء فقدوا الرحمة والشفقة حتى على الأطفال، حاشى أولئك الذين لم تغيرهم الأيام وبقيت قلوبهم حية تحس بآلام الآخرين وما أكثرهم…
في نفس اليوم قالت صبرينال لوالدتها أول ما نطقت: أمي أحبك كثيرا، لا تبكي، وكأنها توصيها بعدم البكاء بعد وفاتها، وكأنها أحست بقرب أجلها…
ونحن في تلك الوضعية المحزنة تقول زوجتي اذهب إلى رئيس القسم فهي في حالة صعبة، دخلت مكتبها وجدتها تبكي بكاء الثكلى، وأمامها أحد الممرضين الممتازين عندما رآني انفجر المسكين بالبكاء، أدركت حينها أن الجميع تأثر بحالة صبرينال أيما تأثر…
إنني لا أبكي حالة غاليتي صبرينال، إنني أبكي لأنني الأستاذ الجامعي الذي رأى ابنته تموت أمام عينيه، وقد ناشدت رئيس الجمهورية ومن خلاله كل مسئول في بلد العزة والكرامة، لقد نشرت قصة صبرينال عدة مرات في الصحف الرئيسية في الجزائر، وأنا أتوسل إليهم أن ينقذوا فلذة كبدي، إنني أبكي لأنني رأيت أطفالا يموتون أمام عيني، رأيت الطفلة ختة آية، ورحمة، ورغدة، والعارم، وأسامة، وباديس، وغيرهم كثيرون، رأيت بعد صبرينال جريمة أخرى ارتكبت في حق طفلة أخرى عشت معها مرضها (سرطان الدم) لحظة لحظة إلى يوم وفاتها، إنها الطفلة سعدي كريمة، التي بدءوا بإعطائها العلاج الكيميائي 19 يوما بعد دخولها مصلحة الأطفال بمستشفى بني مسوس، أكتشف مرضها في المصلحة التي توفيت بها صبرينال ببوفاريك، وعانت كما عانت صبرينال في بني مسوس، وتوفيت يوم عيد ميلاد صبرينال الرابع وحملت في نفس التابوت الذي حملت فيه صبرينال…إنني أبكي من أجل هؤلاء جميعا، ومن أجل أولئك الذين ما زالوا يعانون الأمرّين في مستشفيات بلدي التي تفتقد إلى أبسط المعايير الدولية لعلاج السرطان، إنني أبكي من أجل أولئك الذين يتم تدميرهم بالعلاج الكيميائي المستورد من الهند بأبخس الأثمان، ليُقتلوا به ببطئ رهيب.
إن ما رأيته من جفاء لمسئولينا في بلدي لم أره لدى أي جنس آخر، لقد تدخل أعضاء من المجلس الشعبي الوطني لدى وزير العمل والحماية الاجتماعية شخصيا، وعرضوا عليه حالة صبرينال، ووعد بالتكفل بها، ثم بدأ يتهرب منهم، وتنصل من وعده…
وماذا أقول عن وزير آخر تعاملت معه شخصيا وساعدته في عدة مشاريع، والله لم يرفع سماعته يوما ليسأل عن حال ابنتي، بل أرسل لي رسالة يشكرني من خلالها بطريقة دبلوماسية ويخبرني عن استغناء وزارته عن خدماتي، فعل هذا وأنا غارق في حالة ابنتي، ثم يرسل فقط رسالة تعزية يوم وفاتها، هذا الوزير الذي أقام الدنيا ولم يقعدها من أجل أحد أصدقائه (رجل كبير في السن) الذي أصيب بالسرطان، (في نفس الفترة التي كانت ابنتي تعاني من سرطان الدم) وبعد أن حصل له على كفالة الدولة للعلاج بالخارج وأركبوه الطائرة توفي بعد دقائق من إقلاعها…
إنني أتألم عن حال الصحة في بلدي الذي تفيض خزائنه بما لا يقل عن 150مليار دولار، إنني أتألم عن بلدي الذي يتغنى مسئولوه بشعار العزة والكرامة….
بعد وفاة صبرينال كتب أحد الصحافيين في الصفحة الأولى: صبرينال إبنة الأستاذ الجامعي ترحل أمام صمت المسئولين…وقصّ قصتها وحتى قصة تنصل ذلك الوزير من وعده بنقلها للعلاج في الخارج، هل حصل شيء؟ وكأن شيئا لم يحصل…لا لجنة تحقيق، ولا اعتذار، ولا أي شيء…وكأنه كلب توفي في بلد لا تهتم لا بالعباد ولا بالكلاب…
أنا لا أملك شيئا أفعله غير أن أكتب، وأحاول أن أسعى من أجل إنشاء مستشفى خيري للأطفال المصابين بالسرطان، ثم أنني أشكو حال أطفالنا بعرض قصة ابنتي الغالية صبرينال، لعل الله أن يخرج منا أو من غيرنا من تأخذه الغيرة على هؤلاء الأطفال ويرفع الغبن عنهم…
إنني لا أملك غير دمعات أذرفها كلما نظرت إلى صورة صبرينال، أو صورة كريمة، أو آية، وغيرهم من الأطفال الذين فقدناهم نتيجة إهمال مستشفياتنا، لا بل نتيجة عدد من الأطباء الذين فقدوا الرحمة، وفوقهم مسئولين حرموا هذه النعمة…نعمة الإحساس بالآخرين والتألم لآلامهم…حسبنا الله ونعم الوكيل….حسبنا الله ونعم الوكيل….حسبنا الله ونعم الوكيل…
المجروح الفقير إلى رحمة ربه
الدكتور أبوصبرينال فارس مسدور
اللهم ارحم جميع موتى المسلمين
اولا
-اريد ان اترحم على ابنتك-الله يرحمها ويوسع عليها*
ثانيا
مادنب هده المتوفاه الا انها ولدت فى الجزائر-بلد العزة و الكرامة
ثالثا
كل من عليها فان
و حتى اطباءنا عندما يمرضون لا يجدون الا هدا القطاع الصحي الهش و المريض معا-هناك في هده الايام طبيب جراح بقالمة ضحية حدث عمل في المستشفي فهو بين الحياة والموت يرقد في قاعة الانعاش و لم ينقل علي جناح السرعة الى اى مستشفى اخر ليعالج فيه
رابعا
هده هي حال البلد في كل القطاعات الجتماعية والاقتضادية والضحية والتربوية منها
لان المنظومة السياسية المهيمنة على البلاد و العباد مريضة وفاقد الشىء لا يعطيه
*ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم*-ضدق الله العظيم-