مخاطر المطلبيات القطاعية على الكلية الثورية للحراك

0
1946

 06/11/2019
https://alsiasi.com/

 بشير عمري

صدم قرار نقابة القضاة بالعودة إلى النشاط الطبيعي لنشاطها القضائي بعد الاجتماع الذي انعقد بالمحكمة العليا ضم نقابات القطاع مع الأمين العام لوزارة العدل، واعتبر الكثير من نشطاء الحراك الثوري أن القضاء لم يكونوا بحركتهم المقاطعة لنشاط المحاكم على خط الثورة من أجل التغيير، الذي كان سيشمل قطاعهم الحساس بل سلطتهم القائمة بغير ذاتها كما تقتضيه طبيعة وظيفتهم في الدولة الحديثة، بسبب خضوعها التام للسلطة المركزية وجهازها التنفيذي الذي ابتلع كل السلط الموازية التي تؤسس لتوازن بين هاته السلط عبر تلاق عضو واستقلال وظيفي، بل كانت رغبتهم تقف عند حد ركوب الحراك واستغلال قوة الضغط الشعبي الممارس على النظام منذ 22 فيفري الماضي من أجل تقيق مطالبهم القطاعية الخاصة والاحتفاظ بامتيازاتها الاجتماعية لا غير، في حين اعتبر البعض أن من القضاة من يصبوا فعلا إلى الالتقاء الثوري مع الحراك، ردا للاعتبار لسلطة العادلة المصادرة واستعادة لكرامة القاضي وقيمته في المجتمع لا سيما بعدما أقر بأنه لم يكن حرا في القضاء بين الناس وباسم الشعب وهو إقرار أسس لقطيعة جهْرية وجوهرية مع ما قبل 22 فبراير في انتظار معرفة إن كانت ستغدو عملية.

عدول القضاة عن مواصلة إضرابهم، بعد اجتماع بسيط مع أمين عام لوزارة قطاعهم، طرح أكثر من علامة استفهم بخصوص التوجه الذي تتبناه السلطة في مواجهة الحراك الثوري، هل ستتعامل معه وفق ما كانت دولة الريع تتعامل به في أثناء كل غضب يندلع بالجبهة الاجتماعية؟ وهل تبقى شيء من الريع في خزائن الدولة حتى تمتص به قوة الحراك الثوري؟

غياب النسق الثوري العام

قلنا في غير ما مرة أن عيب الحراك أنه استمر دون أن يتطور على المستوى الفكر، والسبب هو إخفاق النخب في الاشتغال عليه وله وفق ما تقتضيه شروط التغيير الثوري، إلا أن هاته النخب وأعني بها هنا تلك التي كانت تتبنى فعلا مطلب التنحي الكلي لرموز النظام، وليس تلك التي التحقت نجاة وتبيضا لماضيها بحركة الشعب الجزائري الثورية ضد نظام بوتفليقة باعتباره الحلقة الأطول والأعضل في سلسلة أجيال النظام السياسي الذي حكم البلاد منذ 1962، ظلت ماشية بالشارع صادحة بذات العمومية المطلبية للشعب في خطابية انحصرت وانحسرت في البعد الشعبوي التعبيئي ليس إلا، مما سهل لمنظري السلطة من التعامل الدقيق مع الحراك الثوري، من خلالم نسف المنابر الخطابية لهذا الحراك باعتقال تلك النخب المفوهة.

هذا الغياب العقلاني، الفكري والتدبيري الدقيق، حال دون نشوء نسق خاص بثورة الحراك ما جعل كل غاضب من ظروف قطاعه المهنية يركبه ظرفيا وحالما يتحقق له مطلبه أو يوعد بتحقيقه لاحقا ينسحب من الحراك ويعود إلى نشاطه مغادرا الدائرة الثورية.

الثورة تعم لكنها تنطلق من جزئية الشرارة

صحيح أن الثورات تعم كل مناحي الحياة شعوبها في انتفاضتها القبلية وفي مجالات انبسطها البعدية، لكنها في المنطلق تنبجس من نقطة واحدة ومن إشكال اجتماعي  ومجتمعي معين قد يكون مستقرا في الهامش حتى، ثورة تونس مثلا بدأت من إهانة بائع فواكه على عربة سخيفة، من قبل عون دولة (شرطية) لكن هل يمكن أن نعقل مسألة تهاوي دولة بكاملها بسبب فقط صفعة من شرطية لشاب بائع الفواكه على عربة متنقلة؟ طبعا هذا لا يستسيغه عقل، لكن الحادثة تلك كانت وقود الشرارة التي تفجرت بسبب تراكم حجم الازمة الشاملة الناجمة عن التعطيل المستديم والشلل المقيم لقدرات البلد البشرية والمادية والفكرية من قبل جماعة أو شخص ما يجعل هؤلاء هم هدف الثورة وسلوكهم معنى الثورة.

في الجزائر مثلت تراكمات العقدين من حكم بوتفليقة التدميرية للدولة التي سعى الجزائريون لبنائها وفق روح التعددية التي أنجبتها ثورة أكتوبر 1988 وقدموا من اجلها عشرية كاملة من الدم والدمار، النواة الثورية التي حملت معنى الحراك “يتنحاو قاع” يعني من خاضوا تجربة دولة الانقلاب الثاني 1992 والتي كانت “البوتفليقية” مطافها النهائي، أو هذا ما تتأمله ثورة الحارك الحتصل اليوم، عليهم بالرحيل وترك الجيل الثائر على هذا النظام بوعيه الجديد يؤسس مرحلته في تقويم الدولة.

إذا كانت السلطة تنجو سابقا بالريع فكيف ستنجوا في غيابه

مشكل التغيير في الجزائر هو أن النظام السياسي وليد الخطيئة الانقلابية في صيف 1962 يأبى أن يعترف أمام التاريخ بخطيئته، كونه من خلال فشل مشروعه الوطني أثبت أنه بحركته الانقلابية للاستيلاء على السلطة لم يكن له من مشروع غير أخد هاته السلطة بالعنف باعتبارها غنيمة حرب أتاحت له بها القوة العسكرية التي كانت يحوزها في الحدود، فانبرى يستعمل أسلحة أخرى لقمع كل إرادة تغيير وكان أبرزها سلاح المال المتأتي من الريع النفطي، وبذلك أسس لدولة الريع بدل دولة المشاريع، فاستدام في عادته البائسة يشتري ذمم النخب وشرائح من الشعب بتوزيع المال النفطي بالعشواء المرضي، رفع الاجور بلا حسبان لقدرات الاقتصاد، منح قروض دون ضمانات ودراسات، وهذا فقط بغية تلافي الغضبة الشعبية من قبل أن تلتئم وتلتهمه؟ وهو ما حصل في النهاية مع نظام بوتفليقة بعدما تهاوت أسعار النفط وفرغت صناديق الخزينة العمومية.

في هاته الفترة تساءل الجميع كيف سيعمل النظام ليواجه غضبة الشعب الكبرى؟ وإذا كان حقيق طرحه مثل هذا السؤال المنطقي على هذا النظام غير المستند مذ ولد على منطق ولا في قيوميته الجبرية الجبروتية على الناس، فإنه كان حري بأن يطرح أيضا على قوي الوعي التغييري التي التحقت بالحراك الثوري الشعبي، هذا الفراغ في التدبير لمواجهة الوضع الذي فرضه الحراك من جانب النظام الذي لم يكن له من بديل عن الريع ليتكم ثورته، فصار يلجأ إلى تفريق صفوف الحراك بالشعوبية والشعبوية والقمع الممنهج والمنتقي، ومن الناحية الأخرى غياب لدى نخب الحراك أداة التعامل مع أزمة هذا النظام (غياب الريع) جعل الأمور تراوح مكانها من دون معنى متعال للحل يجمع كل الجزئيات المطلبية وهو ما نسميه بالنسق الثوري الذي يستلزم ححلة ثورية على شاكلة ما حدث في تجربة تونس، وبذلك يظل رهان المجهول في ظل إصرار كل على أجندته القاطعة مع ما يعتمل في أعماق الشعب.

بشير عمري

كاتب سياسي جزائري

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici