الحوار للتمديد للاستبداد

0
2353



بقلم: نجيب بلحيمر

بلغة المنتصر قدم الرئيس المعين عرض حوار مبهم لجهة سماها « الحراك » لا يجرؤ أحد على الحديث باسمها أو ادعاء تمثيلها، المتحدث يحسب نفسه رئيسا شرعيا منتخبا من طرف الشعب لكنه يتكرم بالتوجه إلى الفئة الشاذة ليقول لها بأنه مستعد للحوار، وبسرعة تجد دعوته من يتحمس إليها، وتجد بعض المتوجسين من نظام درج على الإقصاء من يضع شروطا لهذه الحوار، وفي كل هذا غاب عن أذهاننا أن نطرح الأسئلة الأساسية حول ما تقصده السلطة بالحوار وما تريد بلوغه من خلال حوارها.
للسلطة خبرة في تنظيم ندوات الحوار، وجولات من المشاورات، ولعل أشهرها على الإطلاق خلال العقود الثلاثة الأخيرة ندوة الوفاق الوطني سنة 1994، وآخرها ما قامت به هيئة الوساطة والحوار الصيف الماضي، وبينهما تلك المشاورات التي كان يطلقها بوتفليقة عندما أراد تفصيل الدستور على مقاسه.
اليوم تعود السلطة من خلال تعيين متحدث جديد باسمها إلى طرح فكرة الحوار، وهنا نطرح أسئلة حول هذه الدعوة:
لماذا رفضت السلطة الحوار طيلة الأشهر الثمانية التي فصلت بين سقوط بوتفليقة وتنظيم انتخابات 12-12 وتدعو إليه الآن؟ رد السلطة على هذا السؤال هو أنها شكلت هيئة للحوار واستغرق عملها نحو شهرين وهي التي هيأت لتنظيم الانتخابات، لكن التفصيل الأهم هنا هو أن الهيئة لم تفتح حوارا إلا حول قضية واحدة هي الانتخابات في حين أن الخلاف منذ البداية كان حول الانتخابات التي رفض المتظاهرون إجراءها في ظل حكم رموز عهد بوتفليقة وفي أجواء التضييق والقمع التي نعيشها إلى اليوم فماذا يعني هذا ؟ هذا يعني أن السلطة أصرت على فرض أمر واقع بتنصيب تبون رئيسا، وهو في وضعه الحالي غير مؤهل للقيام بحوار ينتهي إلى تحقيق مطلب تغيير النظام الذي يعترف بن صالح بأنه مطلب الشعب الجزائري، وكل المبادرات السياسية التي قدمت خلال الأشهر الماضية كانت تشدد على ضرورة فتح حوار جدي من أجل تحقيق مطلب التغيير وكان هذا هو السبب في رفضها جميعا.
هنا يتحول الحوار المقترح إلى مطية يمكن من خلالها تجاوز عقدة الشرعية التي استحكمت بفعل الطريقة التي فرض بها تبون، وبفعل المظاهرات الحاشدة التي أعلن من خلالها الجزائريون عدم اعترافهم بمن يتولى هذا المنصب، ثم إنه من خلال هذا الحوار يمكن بلوغ الهدف الأساسي للسلطة وهو إنهاء الثورة السلمية، وتبون الذي لم يتورع عن الادعاء بأن هيئة الحوار وسلطة الانتخابات هي من ثمار الحراك لن يتردد في القول لاحقا بأن ممثلي الحراك شاركوا في الحوار، أو في الحكومة، وطويت المسألة نهائيا.
بعض المتوجسين من السلطة يقترحون طرح شروط للدخول في حوار من قبيل إطلاق سراح المعتقلين وتحرير وسائل الإعلام، ورفع التضييق على الحريات، والحقيقة أن لا علاقة لهذه المطالب بأي حوار يمكن أن تجريه السلطة مع أي طرف كان، فهذه المطالب تدخل ضمن احترام الدستور والقوانين السارية ووضعها كشروط أو جعلها محل تفاوض هو تنازلات مبدئية وأخلاقية لا يملك أحد سلطة تقديمها.
الهدف المباشر الذي تسعى إليه السلطة الآن هو فرض الأمر الواقع بوسيلتين يتم استعمالها بشكل متزامن، الأولى هي القمع وقد رأينا العينة في وهران وبعض مدن الغرب الجزائري، والثانية هي تعويم مطلب التغيير في حوار ينتهي باستقطاب بعض الأسماء وإدماجها في الحكومة وتحويلها إلى حجة على الثورة السلمية، وتشتيت المتظاهرين وبث اليأس في صفوفهم من خلال استهداف بعض الذين أخرجهم الشارع إلى الواجهة، لكن هناك ما هو أبعد ويتعلق الأمر بتمكين السلطة من التقاط أنفاسها والعمل بهدوء على إعادة بناء شبكات ولاء جديدة بوجوه جديدة، ومن المستحسن أن يكون منها من يحمل شرعية 22 فيفري، تخضع إلى نفس المنطق الذي قام عليه النظام منذ الاستقلال وهو الولاء مقابل الامتيازات، وسيفضي هذا العمل إلى تجديد واجهة النظام وزبائنه على أن ينتج في النهاية تأسيس أحزاب جديدة تشكل واجهة التعددية وتعوض أحزاب المولاة التي لفظها النظام لكنها ستبقى خاضعة لنفس منطق التسيير الفوقي من طرف السلطة.
نحن أمام رهان آخر على الوقت من أجل استعادة التوازن الذي اختل بسبب زلزال 22 فيفري، وسيكون التخلي عن الثورة السلمية والانخراط في الحوار المزعوم مغامرة محفوفة بالمخاطر لأنها ستسقط صمام الأمان الوحيد الذي تملكه الجزائر الآن من المخاطر التي يمثلها استمرار هذا النظام الذي صار في حالة تناقض جوهرية مع المجتمع.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici