فيروس الفساد والأخبار الكاذبة في المنظومة الإعلامية!

0
1509


الجزائر الجديدة 170

Redouane Boudjema

أودع مدير قناة « بور تي في » المدعو رضا محيقني، نهار امس، الحبس المؤقت بتهم ثقيلة تتعلق بالفساد والابتزاز رفقة مجموعة من الصحفيين، البعض منهم يقيم خارج الوطن، وهذا المدير « الاعلامي » لم يسبق له وأن مارس الصحافة يوما في حياته ومع هذا حظي بمحاورة الرئيس عبد المجيد تبون الشهر الماضي في قصر الرئاسة، كما تم ارساله إلى ليبيا من قبل جهات نافذة في السلطة، ولا نعرف بأية صفة، وحظي باستقبال وزير خارجية هذا البلد الذي يعيش أزمة عميقة تهدد الأمن القومي لكل المنطقة.
حالة محيقني الذي هو عضو في حزب بلعيد عبد العزيز، ليست حالة شاذة، بل هي عينة لعشرات مدراء الأجهزة الإعلامية الذين أنتجهم فيروس الفساد في المنظومة الإعلامية التي تمارس الدعاية منذ تسعينيات القرن الماضي إلى اليوم مقابل الاستفادة من ملايير المال العام عبر الطباعة المدعمة وريع الاشهار… وغيرها من كل أشكال التمويل المقنع والخفي.

منظومة إعلامية فاقدة للمصداقية تهدد الأمن القومي..

لما يتكلم تبون في آخر خطاب له عن الأخبار الكاذبة في شبكات التواصل الاجتماعي، هو في الحقيقة لا يلتفت أمامه، ولا حتى لأسماء مدراء الصحف الذين يحاورونه في قصر المرادية والذين يصطفون منذ عشريات من الزمن عند كل الأجهزة التي تملك سلطة فتح وغلق حنفيات الاشهار والتمويل الخفي للاعلام، وكل هؤلاء وغيرهم أصبحوا يشكلون أكبر خطر على الأمن القومي، أان أجهزتهم الإعلامية لا تملك الحد الأدنى من المصداقية، ولذلك البلد يعيش وضعا جد مؤلم، لأن ملايير الدولارات التي صرفت لتشكيل هذه المنظومة الإعلامية تحولت عمليا إلى عامل تشويش على كل إرادة فعلية لتغيير الوضع، بل وكانت أحد أهم الأدوات التي جعلت بعض الجزائريين والجزائريات يشككون في وجود حتى وباء الكورونا في الجزائر.
انعدام مصداقية هذه الأجهزة الإعلامية لم يأت من فراغ، بل هو نتاج تراكم ممارسة عميقة للدعاية والتضليل والكذب، لأن غالبية هذه الأجهزة نشرت الكثير من الأخبار الكاذبة دون احترام الحد الأدنى لقواعد المهنة وأخلاقياتها، فهذه الوسائل هي التي كانت تقول ومنذ 2013، على الأقل، إن بوتفليقة بخير وهو من يحكم وإن حكمه هو عنوان التنمية والانجازات والاستقرار والأمن، وهي نفسها التي نشرت واذاعت في نهاية مارس من السنة الماضية أخبارا كاذبة تتعلق بدخول بوتفليقة في غيبوبة، وهو ما نفاه بوتفليقة نفسه بظهوره 48 ساعة بعد ذلك وهو يقدم استقالته، بل ونشرت قبل ذلك حتى الكثير من الأكاذيب تصور بوتفليقة كزعيم قومي يهدد فرنسا ويهدد اسرائيل، كما رسخت كذب اقتراع 12 ديسمبر وعملت على تشويه وتخوين وتخويف الجزائريين الذي لم يقتنعوا بهذا الطريق…
رضا محيقني، حالة من ضمن حالات متعددة، بعضها في السجن والكثير منها لا يزال يواصل الاستفادة من الريع الاشهاري والتمويل الخفي وتبييض الأموال وتحويلها للخارج، ولهذا اختصار الفساد في محيقني أو أنيس رحماني أو غيرهما هو تضليل في حد ذاته، لأن الفساد عميق في منظومة الإعلام، ولا يوجد من يعرف ذلك أكثر من أجهزة السلطة، لأنها هي من رعى هذا الوضع لحسابات سياسوية ظرفية.

محاربة الكورونا وفيروس التضليل والدعاية

الجزائر تعيش اليوم كغيرها من دول المعمورة أزمة مواجهة وباء الكورونا، الذي يلعب فيه الاتصال دورا محوريا، ولحسن حظ الجزائر وجود شبكات التواصل الاجتماعي التي حارب منها الجزائريون حكم بوتفليقة والنظام الذي جاء به بوتفليقة، وهي الشبكات التي صنعت مجموعة من قادة الراي ومن الشباب الذين يلعبون دورا محوريا في مواجهة فيروس الكورونا، كما لعب هؤلاء دورا أساسيا في إقناع الملايين بتعليق مسيرات الحراك وتحويلها إلى عملية واسعة لبث الوعي حول الوباء ولاطلاق حملات التضامن والتكافل لتوفير كل مستلزمات مواجهة هذا الفيروس، ومقابل هذا تتواصل القطيعة بين الرأي والأجهزة الإعلامية، فحتى وإن تم بث أو نشر أخبار مؤسسة لا يصدقها الناس الذين يعودون لبعض قادة الراي على شبكات التواصل للتأكد من صحة المعلومات، وهو مؤشر كاف على أن هذه المنظومة الإعلامية أصبحت لا تقل خطورة على الأمن القومي من فيروس الكورونا ذاته، بل وهي أحد أسباب الأخبار الكاذبة التي يذهب جزء من الرأي العام لتصديقها بسبب انعدام المصداقية في المنظومة الإعلامية ككل.
لذلك فمن الضروري الذهاب – وبشكل مستعجل – لتفكيك هذه المنظومة الإعلامية المصابة بفيروس « مزمن »، فيروس الفساد والدعاية والأخبار الكاذبة، فيروس قد يكون أحد أسباب انتشار الكورونا بسبب غياب الحد الأدنى من المصداقية لدى الرأي العام، الذي أصبح لا يصدق الأخبار التي تبثها هذه المنظومة حتى وإن كان الأمر يتعلق بالصحة العمومية والأمن القومي، فهل من منصت لأن الوضع مستعجل واستمرار هذا الفيروس ينذر بظهور فيروسات أخرى قد تضر الأمن القومي أكثر من فيروس كورونا بكثير.

تحرير وتصوير رضوان بوجمعة
الجزائر في 19 مارس 2020

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici