الصمم المفروض على توصيات مؤتمر الصومام بالجزائر!

0
2169


Aug 21, 2022

https://www.raialyoum.com/

بشير عمري

ليس ثمة من ذكرى يشابك فيها الفخر بالغموض، والاحتفال بالسؤال أكثر من ذكرى 20 أوت ازدوجت في الزمن وتوحدت في التاريخ، فعلى مدار حولٍ كاملٍ حملت هاته الذكري حدثين عظيمين كان للأول في 20 أوت 1955 أثره البليغ على المسار العسكري للثورة وعرف بتسمية هجوم الشمال القسنطيني بقيادة الشهيد زيغود يوسف، والثاني في مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 لا يزال يتفاعل في البينية الجينية للعقل والنظام السياسيين بالجزائر، كونه رسم مسارا واضحا لأفق القيادتين الثورية والوطنية، واضعا نقاطا وفواصلا في غاية الأهمية جددت وحددت الكثير من المعالم، تم التمرد عليها وبالتالي حدث ما يسميه الصوماميون بالانحراف الكبير عن خط الثورة.

السؤال المحوري الذي صار شيئا فشيئا يفرض نفسه على الضمير الوطني، ما موقع مؤتمر الصومام من المسألة الوطنية وعضال أزمة الشرعية فيها، لدى الأجيال التي لا تفتأ تتوالى من بعد جيل الثورة الذي توارى جله تحت الثرى بفعل وبالتالي يفترض أن يعرف الجدل حول طبيعة ونتائج وتداعيات هذا المؤتمر الشهير اتجاها أخرا في الرؤية وأسلوب التعاطي المعرفي؟

المشكل هنا واضح في شاكلة التعامل مع التاريخ الوطني في الجزائر باعتباره لا يزال حيا بأحداثه القديمة ينبض في جسد الأمة، وبشكل أساس بناء منظومة حكم استفردت بتأويل نصوصه وتصوير أحداثه وبالتالي أي محاولة لفهم بعض فصوله يتشابك النبض ويتصاعد السجال وينبسط الجدل ويتأزل.

هذه “الحياة المستمرة” للتاريخ في نسقه الحدثي بطبيعتها السجالية، هي من يحكم ابجديات العمل السياسي والتي تنقسم إلى تيارين، تيار يدافع عن الحقائق التاريخية الرسمية، وتيار يرفضها جملة وتفصيلا فأتت بالتالي السياسة وحساباتها على التاريخ وحقائقه، وهو أخطر ما في الأمر لأنه ليس أضر لأمة من الأمم من أن تفقد بوصلتها التاريخية باعتبارها النجمة المنيرة للدرب في مسيرتي الزمن والتاريخ معا.

مؤتمر الصومام يقع بقيمته وزخمه في قلب هاته المعادلة الكبرى، والمعضلة التاريخية الحية في ضمير ومسار الأمة اليوم، باعتباره مؤتمرا لإعادة المسألة الثورية بشقيها السياسي والعسكري، القيادي والقاعدي، الداخل والخارج إلى السكة الصحيحة، في ظل المعطيات التي أفرزتها التجربة الثورية المسلحة في السنتين اللتين مضتا.

 فالكثير من الجزائريين أريد لهم أن ينظروا لثورتهم الكبرى باعتبارها تتويج لعمل عسكري، انتهى مع الاستقلال وبالتالي فالنصر يجب أن يجُبَّ كل الأسئلة الشائكة، التي عليها أن تفقد قيمتها اللحظية وتوجب النظر إلى الامام.

هكذا عسكرة خاطئة لأسس تاريخ ثورة توجت بالاستقلال، لكنها كانت هي بدورها تتويج لعمل وعبقرية سياسية طويلة وثقيلة وزخمة لأجيال ورجالات الحركة الوطنية، التي تجعل من العمل السياسي وتراثه العظيم مسألة ثانوية في العهد الجديد (الاستقلال) كانت أكبر خطيئة ارتكبت في حق الوطن، لأنها أحدثت ثقبا أوزونيا في فضاء الأمة الوجودي وصار يتسع مع الوقت ومعه تضيع الروابط الزمانية الموحدة للشعب بكفران البعض بالتاريخ حتى صارت تهدد الروابط المكانية ذاتها من خلال ظهور حركات شاذة تدعي التميز وتدعو إلى الانفصال.

وهو ما تعكسه النظرة المستريبة لبعض الفاعلين في دولة الاستقلال لمؤتمر الصومام باعتباره محطة استدراك ثوري واستذكار لنصوص وخطط البداية الثورية لقصة التحرير، عبر التوصيات المهمة التي نص عليها، لا سيما في الأولويات الخالدة التي لا تزال مبرراتها متفاعلة وحية في الإشكالية الوطنية ونقطتها المركزية الحُكم وشاكلة بنائه وإدارة مؤسساته، أولوية السياسي على العسكري، والداخل على الخارج.

ما فاقم من المعضلة التاريخية الوطنية بالإضافة إلى ما أشرنا إليه من “الحياة” المستمرة لأحداث التاريخ في الأمة، بسبب قمع العنصر السياسي باعتباره ضمير الثورة الحقيقي والحي وراسم مسارتها من السلمية إلى الغنفية (الثورة)، هو أن هذا التاريخ أنفلق إلى فرعين، فرع معرفي يتناوله المؤرخون الاكاديميون بكثير من الهدوء والثرثرة النظرية مستريحين إلى معطيات ومراجع جاهزة، وفرع سياسي، تتوارث من خلاله الأجيال الصراع حول حقائق غامضة، من مثل مقتل أحد أبرز زعماء مؤتمر الصومام عبان رمضان في مدينة تيطوان بالمغرب سنة 1958 على يد جهاز الاستخبارات التابع لجيش التحرير وقتها بقيادة العقيد عبد الحفيظ بوصوف، هذا الاغتيال الذي فاق مستوى الجريمة الإنسانية في حق الزعيم إلى الجريمة السياسية في حق الثورة والتاريخ وبالتالي ظل قلقه وصداه حاضرا كمعطى من معطيات بناء نظام دولة الاستقلال !

وقد لاحظ الكثيرون في هذا السياق كيف أن الأحزاب السياسية التي تأسست في بداية العهد التعددي بعد أحداث أكتوبر 1988 وجدت نفسها في قلب معركة الحقيقة التاريخية، التي كان يفرضها السؤال الوطني إذ ذاك، مطالبة بالتموقع في الماضي أكثر منه في الحاضر، وكل الأسئلة التي كانت تواجه بها الشخصيات الحزبية المحورية تمحورت أساسا حول الموقف من الانقلابات والاغتيالات والصراعات التي حدثت أثناء وبعد ثورة التحرير الوطني، لماذا مثل تلك الأسئلة تحديدا؟ لأن قلق الحاضر كان ولا يزال منبعه ومسببه الماضي !

إذن فمؤتمر الصومام الذي يحتفل بذكراه كل 20 أوت الجزائريون، وفق ما تقدم من عناصر مفتاحية، ليس يحب أن يظل لحظة من لحظات دقيقة صمت التي تقام على النصب التذكارية الرخامية منها والاسمنتية، تتبعها طلقات نارية في الهواء، فالصمت بإزاء ذكريات مشتعلة بأسئلة ماضيها في حاضر الوطن، لا يسهم أكثر سوى في توسيع من الثقب الاوزوني لتاريخ الأمة، خصوصا في ظل انقراض الذاكرة الحية الشاهدة على مجرى الأحداث أين سيكون العقل “الخالص والمتخلص من أسمال وأثقال الماضي” السياسي منه والمعرفي في مواجهة مع جملة جديدة من الأسئلة لأجيال جديدة تروم استيعاب فكرة الثورة باعتبارها تأسيسا للوجود الوطني وفق معطيات وأحداث موضوعية، متحررة من كل سلطان أيديولوجي أو حساب سياسي فرضته صراعات الجيل الثوري التحريري!

كاتب  جزائري

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici