Nadjib Belhimer
ما قاله تبون أمام الولاة بخصوص التهرب من اتخاذ القرار هو تكرار لتصريحات مماثلة في اجتماع مماثل عقد قبل 26 شهرا، حتى المبررات التي نقلها عن أولئك المتهربين من مسؤولية القرار تكررت وتتلخص في نقطتين:
– توقع تجد نفسك في سجن الحراش
– هؤلاء( يقصد من يملكون السلطة) سيذهبون بعد فترة أشهر.
هذه المرة ازداد استغراب تبون من تخوف الولاة من اتخاذ القرار بالنظر إلى الضمانات التي قدمت لهم سابقا وأهمها الأوامر التي أعطيت للقضاء والأجهزة الأمنية بعدم فتح أي تحقيق بناء على الرسائل المجهولة.
المشكلة التي يتحدث عنها تبون قائمة منذ توليه المنصب، وهذا يعني أن الضمانات التي قدمت لم تكن كافية في نظر الولاة، وهذه المشكلة تعكس أزمة ثقة عميقة داخل النظام جعلت الجسم البيروقراطي فيه، وهو الأكثر ولاء وانصياعا للأوامر، يشعر بانعدام الحماية التي كانت توفرها السلطة، باسم الدولة، لأولئك الذين كانوا يوصفون ب « خدام الدولة »، وانعدام الشعور بالحماية وانعدام الثقة يتقاطعان مع الاعتقاد بأن الذهاب إلى السجن قد يكون بسبب ممارسة المهام، وهذا يعني أن هؤلاء يشعرون بهذا التداخل بين ممارسة الوظيفة العمومية والتورط في الصراعات السياسية على السلطة التي يفترض أن الولاة غير معنيين بها.
يكشف لنا هذا التوجس القناعة العميقة التي ترسخت لدى الولاة من خلال الممارسة، بأنهم في خدمة السلطة القائمة، وهي سلطة زائلة، بدل أن يكونوا في خدمة الدولة التي تستمر مهما تغير الأشخاص الذين يمسكون بالسلطة، وهذا التحول في المهمة الفعلية للولاة هو الذي يجعلهم مرشحين للسجن دون مقدمات، وتلقي هذه الاستنتاجات بثقلها على نظرة هؤلاء للقضاء وكيفية تعامله مع هذه الملفات حتى أن تبون نفسه تساءل معلقا : « هل صرنا نسجن الناس ظلما؟ » وحتى يذهب بعيدا في تقديم الضمانات تعهد بأن القرارات الخاطئة لن تؤدي إلى سجن من اتخذها حتى وإن تسببت في إلحاق الضرر بمصالح الدولة معتبرا ذلك من صنف الأخطاء المرتكبة بحسن نية.
الأمل المعقود على هذا الخطاب هو تحفيز الولاة ومن خلالهم المسؤولين المحليين، على اتخاذ القرارات لمواجهة المشكلات التي تواجه المواطن في حياته اليومية بالسرعة والفعالية المطلوبة، ويقوم هذا التصور على اعتبار التعثر في تجسيد الوعود مرتبطا بعدم اتخاذ القرارات المناسبة بما يغفل المسائل الجوهرية الأخرى المتعلقة بالحكم مثل غياب تصورات وأهداف واضحة، وعدم وضع سياسات لبلوغ تلك الأهداف,،فضلا عن تجاهل معايير التعيين وكفاءة المسؤولين وهي كلها قضايا تشير إليها التغييرات المتكررة والتي لا تنتهي دوما بمحاسبة أو سجن من يتم التخلي عنهم.
لقد بات واضحا أن السؤال الذي يؤرق من بيدهم السلطة هو : « لماذا لا يتغير أي شيء رغم كل ما نفعله ونقوله؟ » الإجابة قد تكون في الجزء الذي تصر السلطة على إغفاله وتركز بدلا عنه على المسائل التقنية التفصيلية، والمفارقة أن كل ما قاله تبون بخصوص هذه القضية يحيل على أزمة عميقة لمنظومة الحكم، الأزمة التي ينكرها هو شخصيا.