بين جيل “الصومام” النشط وجيل “الصنوبر” المُنَشَّط

0
1144

https://www.raialyoum.com/
Aug 21, 2023

بشير عمري

ككل عام تحل ذكرى مؤتمر الصومام الذي عقد في 20 أوت من سنة 1956رام المشاركون فيه إعادة تنظيم النسق الثوري الذي تفجر بإرادة ووعي الإرادة السياسية التي بدأت في مسارها التحرري وفق مستويات من العمل النضالي من تعزيز إلى تفعيل الوعي الوطني مع بداية القرن الفائت، بيد أن التاريخ في الجزائر ولفرط ارتباطه بالسياسة كصراع متوقف على شرعية السلطة الأولى لا يزال الاحتفاء به لا يتجاوز نطاق اجترار وتكرار ما استقر في الذاكرة وليس يعدو ذلك إلى مسألة إعادة انتاج القراءات الجديدة وفق المعقولية التاريخية المتراكمة بفعل نمو الفكر النقدي المتحرر من الفكر التحرري القديم القائم على معطيات ديماغوجية، قراءات تسهم في انتاج قادة وزعماء جدد يمتدون في رؤاهم إلى حيث بداية التاريخ الوطني احتكاما ومحاكمة معا فينتج عن ذلك ميلاد طبقة سياسية وطنية مستنيرة ومستمرة والأكثر من هذا وذاك مستفيقة، لا أن يظل المجتمع رهين ظهور ظرفي لساسة مصطنعين وفق منطق المنشطات ليلعبوا دورا ظرفيا مؤقتا قبل أن ينتهي مفعول تلك المنشطات ويتساقطون في مدمار الحقيقة التاريخية والسياسية للمجتمع.

فما سمات التحديد السياسي في الماضي الموءود لإعادة بناء الحاضر المسدود؟ وأي أفق لظاهرة “التنشيط” السياسي le dopage politique المتبع من أجل تضخيم الواجهة في وعي الشعب الذي اضحى ليس فقط ينبذ الساسة بل السياسة بكاملها؟

لسنا هنا بصدد ضرب الحاضر الوطني بماضيه من خلال محاولتنا للوقف على رصيف محايد لمعاودة رؤيتهما باستقلالية، وإنما نسعى باتخاذ ذكرى مؤتمر الصومام مناسبة لتوجيه وسائل الوعي الوطني إلى مناطق مغيبة على العقل الوطني كي يعيد الاشتعال عليها في مسعاها لحلحلة إشكالات الحاضر بالماضي والماضي بالحضر، باعتبار أن التاريخ الوطني، كما أشرنا متوقف في الجزائر بسبب جثوم لحظة الصراع الأولى على السلطة على صدر السياسة بالجزائر.

ولعل الأسئلة التي أثيرت مباشرة بعد أكتوبر 1988 أي مع بداية ما سمي بعصر الانفتاح حول حقيقة مؤتمر الصومام والخلافات التي أثراها آنذاك واستمرت وتستمر إلى اليوم، لخير ما يكمن أن يدلل على عمق الإشكالية السياسية في النسق الثوري التحرري الوطني بالجرائر وما زاد من مَشْكَلته تراكم الوعي الجديد بالبنى الفلسفية الجديدة للدولة والمجتمع الذي تشبعت به الأجيال الجديدة بمعزل عن التاريخ الوطني الذي أساءت اليه القراءات المفروضة والمهاترات المرفوضة في أحقاب الهيمنة الديماغوجية للأحادية السياسة والوطنية.

فهل تخلص حقا المجتمع السياسي في الجزائر من أسباب الخلافات سواء التي أثارها أو حاول، مؤتمر الصومام وضع حد لها أو على اقل التخفيف من حدتها؟ سؤال ليس يصعب على الواقع الإجابة عنه بالنفي، طالما أن أثر الثنائيات التي أثرها المؤتمر مستمرة كعنصر أزمة في الخطابين السياسي والوطني، واستمراره يكشف عن عمق الجرح التاريخي الذي أصاب الجسد الوطني وروحه الثورية التحررية.

ولكن كيف يمكن تجاوز عنصر الأزمة العضوية تلك للثورة بوصفها أساس البناء الوطني ورجل السياسة بالجزائر، لعصر ما بعد الأحادية يبدو عاجزا كلية، ليس فقط عن فهم الماضي والتجاوب الإيجابي مع معطياته الجديدة، بل عاجز عن فهم الحاضر خارج الإرادة التوجيهية المتبعة مذ ألغيت المسارات الثلاث الانتخابية، التعددية والديمقراطية “الحقة” في يناير1992؟

من هنا يتعرى القلق الوطني الدائم، أي من فداحة غياب العقل الوطني على مسرح إعادة تركيب الوعي بما يفضي إلى تفعيل الحقائق التي لم يتم الاعتراف بها إلا بعد سقوط الحزب الواحد وأبرزها الاغتيال المدبر والمخطط له لزعيم مؤتمر الصومام عبان رمضان، وليس بسقوطه في ميدان الشرف على يد الاستعمار كما كان مروجا له، في الخطاب التاريخي والمعرفي لسلطة دولة ما بعد الاستقلال، وما ينجم عن ذلك من تحرر هذا العقل وانطلاقه في إعادة بناء وطنية غير موجهة وسياسة بلا واجهة.

والحقيقة ان استمرار عنصر الازمة القديمة المستمرة هذا، يتبدى في الارادة الترقيعية للتاريخ الوطني المُسْتشْكَل في السياسة وبالسياسة، وهذا بإنتاج وجائه متداعية للعمل السياسي والمؤسسي الوطني وهذا باصطناع أحزاب وجمعيات وشخصيات لا تملك الثقل التأثيري في الواقع الوطني وقاعدته السياسية والجماهيرية، وذلك باتباع ما يمكن وصفة بـ”المنشطات السياسية” التي تشبه في مفعولها الخاطئ والخطير ما يتبعه الرياضيون الشباب في مختلف التخصصات الرياضية، الحالمون دون قدرة بدنية طبيعية، بالبطولات والالقاب والوقوف على منصات التتويجات، إذ عادة ما يتهاوى هؤلاء الابطال المصطنعون، إما امام امتحان كشف تناول المنشطات وبالتالي يحكم عليهم التاريخ إذ يرمون في سلة المهملات، وإما أن يموتوا بمفعولها الخطير لمصادمتهم للحقيقة وطبيعة الوجود ووجود الطبيعة.

فالمتتبع لما ينعت بفعاليات الجامعات الصيفية لبعض الأحزاب ولمؤتمر الصمومام لا يصعب عليه البتة رؤية الفرق الكبير في القيمة التاريخية بينهما، ففي الوقت الذي لا يزال مؤتمر الصومام يصنع اللحظة الوطنية ويسائل بنتائجه وتداعياته الواقع السياسي والوطني بالجزائر، لا تزال هاته الجامعات الصيفية تمر كما تمر مهرجانات الرقص الصيفية في مختلف بلدان الالهاء الوطني، والسبب واضح وهو إرادة الرجال وقبل ذلك قيمتهم المعرفية والأخلاقية وحسهم الوطني ونزاهتهم في معترك التحرير وأفق البناء الوطني، رجال مؤتمر الصومام لم يكونوا في حاجة لمنشطات كي يسابقوا عظماء الثورات في العالم لأنهم ببساطة كانوا على بينة وصدق مما يحدث في مداشر وقرى الثورة عبر الرقعة الجغرافية القارية للجزائر، وليس في مواقع ومخيمات الترف السياسي، كما هو شأن جيل “نادي الصنوبر” الذي اختزل السياسة فيما تعطيه له من مصالح وليس فيما يعطيه هو للوطن والذي يحاول البعض أن يجعل منه قاعدة لاستمرار النظام السياسي القديم ومستغلا في ذلك تنوعه الأيديولوجي السطحي الذي يحضر صالونات الكلام السياسي ويغيب في لحظة الفعل الوطني الكبير كما هو الحال مع مرحلة ما بعد حراك الكرامة الذي داس حكم عصابة الاسرة واسرة العصابة .

كاتب سياسي جزائري

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici