البنية القديمة والاسئلة الجديدة للاسلاموية الحركية السياسية السنية

0
945


May 30, 2024

بشير عمري

https://www.raialyoum.com/

يبدو أن الإيقاع الذي صارت تمضي عليه الأحداث السياسية والزيادة المضطردة في وثاقة ارتباطها بين ما هو داخلي وخارجي، قد تجاوز كل مقدرة على الاستيعاب وكذا اجادة حسن الحساب لدى عديد التيارات الفكرية والسياسية وأبرزها في الجزائر وعموم المنطقة التيار الاسلاموي الذي بات بجناحه المشارك، بعد أذ استؤصل جانحه المغالب في عملية جراحية دامية نزفت منها الأمة كثيرا لقرابة عقد بكامله – بات – يبحث له اليوم عن معنى وجودي في ظل تراكب وتعاقب المتغيرات في الداخل والخارج معا سرعة وكثرة، بحث يبدو أنه سيطول لأسباب تقع جلها خارج الإرادة الذاتية للتيار في خضم التقلبات في الموازين السياسية أين تقلص هامشه للمناورة في أكثر من قطر وحيال أكثر من ملف شائك، ولعل أبرز من أثار هذا الاشكال هو الرئيس الأسبق لحركة مجتمع السلم الدكتور عبد الرزاق مقري، في سلسلة مقالاته التي ينشرها على صحفته الخاصة على الفيسبوك، ملقيا بالسؤال الجوهري ما موقع التيار الإسلامي في محتويات الاجندات الوطنية والدولية وسط غبار الصراع الحالي؟

أولا، تكمن قيمة ما طرحه الدكتور مقري من قضايا تتعلق معظمها بجدوى الكينونة الاسلاموية اليوم في ظل تقلص هامش الديمقراطية والمشاركة السياسية التي يشهدها عالم يصطخب بمحموم الصراع حول أدوات القوة ومحصولاتها، بمعنى أنه لم تعد البراغماتية والواقعية من مترفات الاشتغال الفكروي والسياسوي الاسلاموي، بالنقد والنقض معا وإنما صارت مفهوما متفهما إلى حد بعيد أو على مدعاة للتفهم من قبل جزء من نخب التفكير السياسي لهذا التيار.

ثانيا، بدا واضحا من خلال رزمة الأسئلة التي ألقى بأحشائها الدكتور مقري، أنه ثمة ما يمكن وصفه بعمق السؤال في مقابل سطحية التفاعل في مسار حتمي من التحول السياسي تفرضه كل الأوضاع وعلى كل الصعد والمستويات، حيث اتضح مثلا من مقاله الذي عنونه بـ”الأحزاب الإسلامية: أحزاب سياسية أم مجموعات مصالح؟ الذي ألمح فيه إلى متغير في المقاربة “الحمسية” لمبدأ المشاركة في الحكم – اتضح – أن تأثير السلطة في الحركة كان أخطر مما تصورته هاته الأخيرة وهي تقدم غير مجبرة على نهج “المشاركة” قبل أن يتبين لبعض قادتها ومنهم مقري، أن ذلك كان على حساب عناصر حيوية أخرى تتجاوز نطاق المصلحة السياسوية لتمتد إلى الجوهر الوجودي للتيار وهو الجوهر الدعوي، وبالتالي وقوع هوية الحركة نفسها في دائرة العصف.

ثالثا، إن تبعات النزول في مبدأ “المشاركة” كخيار استراتيجي ثابت لـ”حمس” مذ تأسست نهاية القرن الفائت، من المشاركة في الحكم عبر الائتلاف الرئاسي الشهير زمن بتفليقة، إلى مجرد المشاركة في العملية السياسية مع ما أسهما فيه من تكريس لديمقراطية الواجهة وما تسببت فيه من استشراء الفساد السياسي والاقتصادي، كانت من الهول بحيث أيقظت روح النقد داخل الجسد الحمسي، ذلك لأنه إذا كانت للمشاركة في الحكم تأثيرها المباشر على الحركة في مقابل تأثير شبه معدوم في الاتجاه المعاكس، فإن تأثير شاكلة المشاركة الروتينية في عملية سياسية مجهزة وموجهة، على الحركة بإزاء المجتمع كانت من السلبية بحيث مست بمصداقية الحركة ورسالتها المتجاوزة للحسابات السياسوية كما تصر على تأكيده في أدبيات خطابها السياسي.

رابعا، إن عدم القدرة على تفكيك أسئلة الازمة المركبة قبل التعامل معها، تبين أن له في الأخير أسبابه، منها ما هو ذاتي، وبعضها موضوعي، فالذاتي يظل كامنا في تلك البنية الحركية المتكلسة هرميا، ومصادرها في التغذية الفكرية والعقائدية التي لا تزالها في عظيم سوادها تراثية محضة حتى في ظل جهد التأصيل والتحديث، وهذا أصلا ما يعاب على الحراك الاسلاموي السني في مقابل نظيره الشيعي الذي يمتلك شيئا الليونة المرجعية، يمنه بعضا من القدرة على استحداث آليات تجاوز الأطر التراثية المغلقة التي تعوق دون تحقيق مستويات متقدمة من تمثُّل التاريخانية والزمنية في العمل السياسي، هذا الانغلاق كان فلربما في حد ذاته سببا في عدم النظر في التجربة السلطوية والسياسية للثورة الإسلامية في إيران التي استطاعت بفضل العمق الحضاري للفرس أن تبني لها مؤسسات وآليات التكيف الزمني والتاريخاني، ضمنت من خلالها استمراريتها للعقد الخامس على التوالي، بل وحققت من خلال تجاوزا ذاتيا لمشروطات فقهية شيعية غير ذات معقولية تاريخية البتية، من مثل آلية “ولاية الفقيه” التي ملأت فراغ وهم انتظار خروج المهدي من سردابه العجيب ! كشرط غير قبل للحوار لبناء الدولة الشيعية.

خامسا، من خلال كل ما سلف يبدو بأن حمس قد دخلت مرحلة جديدة في التعبير عن مشروعها السياسي بفعل ضغط من الاحداث الداخلية والخارجية، مرحلة هي من الحساسية والخطورة بحيث تضع مستقبل الحركة كله رهن الإرادة والنية الحسنة من عدمها في الإبقاء عليها كتنظيم أساسي في مسرح السياسة، ولعل الخطورة تكمن أكثر في عدم استحداث أجهزة ضبط العمل السياسي ومراقبته وتغذيته وتوجهيه فكريا من قبل منتجين حقيقيين للافكار، ما ترك السياسوي يتصدر بمساطيره القرار والخطاب في الحركة.

كاتب جزائري

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici