بين تدخل الخارج وأسئلة الداخل في الأزمة الجزائرية

1
2764

 01/12/2019
https://alsiasi.com/

زعم الرسميون في الجزائر حيثما كانوا في المناصب والمؤسسات، أن البلد يواجه إرادة خارجية للتدخل في شئونه الداخلية، بعد بيان البرلمان الأوروبي بخصوص ظاهرة التضييق على الحريات التي صارت تمارسيها السلطة مذ قررت مواجهة حراك الشعب الهادف إلى تغيير منظومة الحكم التي شاخت وصارت خطرا على الدولة الوطنية بحسب خلاصات استاذ علم الاجتماع السياسي ناصر جابي، وذلك عبر الاعتقالات التي تطال كل الشرائح والمستويات في الحراك بغية فرض الانتخابات الرئاسية التي ترشح لها خمسة فرسان كلهم من أبناء النظام القديم المستديم في قيادة البلد دون رغبة أهله وشعبه الذي عبر ولا يزال عن ذلك في كل الجمعات والثلاثات من الأسبوع.

الحراكيون سخروا من دعوى النظام وأجهزته، إذ يدين التدخل في الخارج مُعيدينه إلى صورة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح قبل أشهر قليلة وهو يطمئن الرئيس الروسي حول الخطة السرية التي تم إعدادها من أجل كتم المطالب الشعبية والطلابية بضرورة الانتقال الديمقراطي الذي لن يتم تحقيقه إلا بالخلاص تام من هذا النظام، متسائلين عبر لوحات من أدب ساحاتهم الاحتجاجية الساخر، ما الذي يمكن تسمية به المحادثة التي تمت بين بن صالح وبوتين والتي تعمد الروس إخراجها من نطاقها السري؟ وبمَ يمكن وصف ذلك؟

لكن في خضم عدم اهتمام سلطة ما تبقى من النظام القديم الذي لا سعي حقيق له عبر إصرار على إتمام الانتخابات سوى امتلاك صورة الشرعية الانتخابية الديمقراطية لدخول مرحلة الحسم مع الحراك وإعادة التجربة القديمة التي عادة ما تفنن النظام فيها في تضييع الفرص التاريخية للشعب كي ينتقل من مرحلة في تاريخ نضاله الوطني إلى أخرى تحمل هموم أجياله المتجددة القاطعة مع اهتمامات رجالات النظام، بات السؤال يطرح نفسه، إلى أين يمكن أن تؤول أمور البلد على ضوء نوايا الطرفين الحراك والنظام؟ وقبل ذلك هل صحيح أن البلد ماض ليستنسخ تجربة التسعينيات؟

العودة إلى مربع الدولة السؤال من يحكم من؟

قلنا في غير ما مناسبة أن النظام رفض أن تتحرر السياسة في الجزائر خارج نطاق قشرة القوقعة التعددية المبتذلة المصطنعة التي أرادها لأحاديته الطغيانية، وأن يترك المجتمع يُنتج مشاريعه بعيدا عن الوصاية الرسمية والقبضة الأمنية التي لا هدف لأصاحبها منها سوى كبح جماح الوعي الجديد والالتفاف حول كل إرادة لتغيير المفاهيم الرسمية المفروضة على قضايا متطورة في ساحات الفكر والممارسة السياسيتين في العالم من مثل الدولة ونشاطها ومسئوليتها، النضال الوطني وطبيعته التعددية ومستلزماتها، بل ومسألة التاريخ الوطني كتابة وتفسيرا وحُكما وحسما التي فرض خطابه بالقوة مذ استحكم في دواليب الدولة.

وكل فكر أو صوت أو مشروع سياسي يروم تجاوز لتك الامتلاءات المفاهيمية للتاريخ والسياسة الرسمية من أي كان سيواجه بآلة تخوين وتخويف وبل وردع من قبل النظام الذي سيستعمل في ذلك كل أدواته التقليدية، الاعلامية، السياسية (الموالية) الجماهيرية (منظماته المنغلقة الفاسدة) من أجل حشد التأييد وتضخيمه عبر وسائط اعلامية ودبلوماسية مغارضة له (أي لها أغراض ومصالح مع النظام.

فالكل يذكر سنوات الدم والحصار الذي فُرض على الشعب بعد أن دُفع إلى حرب أهلية سُرقت في أثناء نزيفه فيها كل مقدراته، وخُصخِصت أملاكه ومصانعه بالدينار الرمزي واستنفدت بنوكه من قبل “أمراء الثراء الجدد” الذين صاروا فيما بعد يشكلون ظاهر الاوليغارشية التي بسطت بسيطرتها على كل مصادر القرار في الجزائر، الاقتصادي – المالي، السياسي – الأمني والديبلوماسي – السيادي، وكل ذلك كان يمضي في سياق حرب عنوانها وحجة النظام فيها إنقاذ الجمهورية من “الظلامية” في ظلمة  السؤال الخالد من يقتل من؟ الذي لم يُجاب عنه حتى اليوم، ليجد الجزائري نفسه في ظل ضبابية المشهد وتشظي سلطة القرار التي رفض بوتفليقة إعادتها للشعب عبر مؤسساته وركزها في يديه ليفعل ما شاء هو وأسرته واولأليغارشية تلك التي نشأت في الظلام برجالها الظاهرين والمتخفين خلف أشخاص من أصول اجتماعية بسيطة لا يزال الجميع يسأل عن كيفية تمكنهم من مراكمة كل تلك الثروات وإنشاء كل تلك الشركات والمقاولات والمؤسسات؟ ـ يجد نفسه ـ يطرح سؤالا آخر في قدره الطويل مع الأسئلة الوجودية الوطنية التي ظل يعيش في غربتها منذ الاستعمار، من يحكم من؟

متقدمون إلى الخلف

سؤال ليست صعوبته تكمن في طبيعته، إذ يدرك الجزائريون برمتهم أن الجيش ليس حاكما بأمره بالمفهوم السلطوي للحاكمية بل هو متحكم في الأمر، بمعنى يجسد ظاهرا من سلطة الوراء التي نصبت حكومة ووضعت رئيسا للدولة إلى حين.

النظام في الجزائر يعيش أسوأ مراحله بسبب أنه انتقل من كونه عُصب تمتلك نِسب رؤى في مشروعها الخاص بالدولة داخل النظام، إلى مجرد عصابات لا تملك سوى مشاريع الهيمنة على المال والإعمال، حالة قاطعة مع منطق السياسة والتاريخ وبالتالي افتقد النظام كل مبررات السيطرة على المفاهيم التي ذكرنا آنفا تلك المتعلقة بالدولة والسياسة وطبيعة النضال والتاريخ الوطنيين.

كل ذلك ليس يعني في أعمق يمكنه أن يحمل من معان سوى الإخفاق الواضح لمشروع “إنقاذ الجمهورية” الذي جُعل عنوانا للانقلاب العسكري على إرادة الشعب سنة 1992، فالجمهورية داسها نظام بوتفليقة بأقدامه وأذل شعبها واستحلَّ مؤسساتها على مرأى ومسمع ممن يتهجمون اليوم على “العصابة السجونة”

مثلما فشل قبله مشروع التصحيح الثوري 1965 الذي كسر به صاحبه بجرة قلم على مكتبه الفخم الوثير، منطق دولة المؤسسات، بأن ألغى الدستور وأجهزة التمثيل الشعبي للرقابة على مقدراته بحجة عدم حصول الشعب إذ ذاك على المستوى اللازم للوعي السياسي كي يمارس الديمقراطية ولا ندري أين اكتسب رجالات النظام هؤلاء ذلك الوعي؟ وأين تعلموا هم  ومارسوا الديمقراطية قبل الشعب؟ وأي رصيف محايد وضعوا أنفسهم فيه ليروا من خلاله في استقلال واستعلاء زماني ومكاني عن الشعب وهو غير القادر على ممارسة الديمقراطية؟

إن الحراك يستهدف بإرادته وعزيمته القوية نسف كل أسئلة الماضي والحاضر وتحرير العقل الوطني من الاحتباس المتواصل في ضبابية تلكم الأسئلة الناجمة عن التركيب الغريب للنظام في الجزائر غير المتأتي عن إرادة شعبية خالية من التزوير والترويع والتحريف.

وطالما أن الشعب يظل مستبعدا بشتى طرق الاستبعاد والمهارة التي يتم سلكها في صناعة سبل ذلك الاستبعاد كما حدث مع اتنسيقية التشاور التي قادها رئيس برلمان بوتفليقة السابق كريم يونس وكما حدث مع مشاورات تعديل الدستور التي قادها الاستئصاليان أويحيى والجنرال محمد تواتي وقبلهما وبعدهما الانتخابات التي نظمت على خارطة وإيقاع المُحاصصات السرية والعلنية، سيظل البلد ممنوع من الإقلاع والانتقال الديمقراطيين وسيجتر تجارب الخيبة ومعاودة اللجوء بالقوة السلمية التي صارت ثقافته إلى الشارع لرفض الواقع من حسن حظ الجميع، لكن خطورة المرحلة القادة هو أن النظام لم يعد بالقدرة على إنتاج مبررات خطابية موضوعية في معاودة اصطناع نفسه بعد أن انتحر حقله وتبخر بفعل تطور التاريخ وهو اليوم يفرض أجندة بلا رؤى وآفاق موضوعية مجرد سلوك إجرائي خال كل الخلو من منطق الدولة ومقتضياتها الفلسفية والعملية.

بشير عمري

كاتب سياسي جزائري

1 COMMENTAIRE

  1. .
    .
    .
    .
    La nuance

    1
    La mémoire, les événements, la manipulation, l’hypocrisie et le mensonge des État

    C’était en 2014 4iem mondât.

    Fafa
    https://www.youtube.com/watch?v=8btcKfTWltE

    Usa
    https://www.youtube.com/watch?v=BlrtIgxXla4

    2
    French Colonialism Must End

    https://www.youtube.com/watch?v=BFwpkiKPoUs&list=PL4D479353BBAC9546&index=1

    Le Sénateur Jim Inhofe

    Hier au nom de la civilisation de l’Afrique et aujourd’hui au nom de la démocratisation de l’Afrique

    Africa’s French Problem

    https://www.youtube.com/watch?v=l5Lk3pv20SY

    La France au Mali

    https://www.youtube.com/watch?v=0G19bhhfM-4

    Ou plutôt

    https://www.youtube.com/watch?v=FjnX_n8V7TM
    .
    .
    .
    .
    .
    Concentrez vous sur l’essentiel; changement du système de gouvernance en faisant fi des guignoles qui ne sont pas capable de régler leur problèmes internes. L’Europe c’est fini, elle agonise.

    Par exemple….
    https://www.youtube.com/watch?v=P1SErRQvtks

    .
    .
    .
    .
    .

    https://www.youtube.com/watch?v=YqndigZDoEM

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici