من حشاني إلى طابو…زمن البوليس السياسي لم يتغير ..

1
2131
Redouane Boudjema

الجزائر الجديدة 164

هذه صورة باب القاعة التي حوكم فيها كريم طابو، أمس، كما حوكم فيها قبله عبد القادر حشاني سنة 97، باب دخل منه البولتيك وخرج منه روح العدل منذ 1962.. كل شيء كان يوحي بأن جهاز القضاء لا يزال غارقا في السياسة، وبأن تغول البوليس السياسي هو المشكل الذي يسكن كل الحياة العامة في البلاد من الجامع إلى الجامعة، ومن الحزب إلى الجمعية ومن الجريدة إلى التلفزيون… وغيرها من مجالات الحياة العامة، فمحاضر الضبطية القضائية لكل معتقلي الحراك تؤكد هذا التغول، حسبما أكده المحامون والمحاميات في كل المحاكمات.
محاكمة كريم طابو، بدأت في صبيحة الرابع من مارس وانتهت في الرابعة صباحا من الخامس مارس، مشهد يشبه إلى حد كبير تاريخ 7 جويلية 1997، فرغم مرور ما يقارب ربع قرن من الزمن، إلا أن الممارسات لم تتغير، مما يُبين أن جهاز القضاء التابع للسلطة التنفيذية ثابت في ممارساته وأدواته وعلاقاته بباقي الأجهزة، باختصار كل ما حدث أمس يُبين أننا أمام نظام حكم « ماضوي » يعيش في الماضي وبأدواته ولا يسعى إلا لإعادة تجديد واجهته.

يتغير الديكور والممارسات باقية

في 7 جويلية 97 وفي محكمة سيدي امحمد بشارع عبان رمضان بالعاصمة، وفي القاعة الموجود مدخلها على هذه الصورة، كان الموضوع: محاكمة الراحلين عبد القادر حشاني وزايدي سقية رئيس تحرير سابق بجريدة الخبر، والتهمة كانت نشر إعلان في صفحة الإشهار اعتبرته السلطة « دعوة إلى التمرد في صفوف الجيش ».
عبد القادر حشاني كان قد تعرض إلى ضرب مبرح وهو في الطريق من سجن سركاجي إلى المحكمة وداخل المحكمة لدى وصوله، بالإضافة لكل معاناته خمس سنوات في الحبس المؤقت دون محاكمة، هو الذي كان شاهدا على مجزرة سركاجي التي ذهب ضحيتها أكثر من 100 سجين، ومعاناته من ممارسات البوليس السياسي ضغطا وترهيبا وترغيبا ومحاولات شراء ذمته… وهو العنف والممارسات نفسها التي تعرض لها كريم طابو من الأجهزة نفسها، ليعرف الجميع أن تغيير هوية المعتقل لا تغير من ممارسات البوليس السياسي في شيء، لأن مشكل السلطة مع السياسة والسياسيين الذين يرفضون ممارسة السياسة خارج أجندة المخابر والمخافر..
كنت في المحكمة، أمس، وفي القاعة نفسها التي حوكم فيها عبد القادر حشاني، وعادت بي الذكريات لنفس المشاهد ونفس المشاكل، وكأن زمن القضاء لم يتغير كما لم يتغير زمن ممارسة السلطة والحكم، الغائب الوحيد عن المحاكمة هو المحامي علي يحيى عبد النور الذي تقدم به السن وبقي ثابتا على مواقفه، ومحمود خليلي الذي توقف قلبه نظرا لكل المضايقات التي تعرض لها، وكان مصطفى بوشاشي الوحيد من المحامين الذي دافع عن حشاني كما دافع عن طابو، ومرافعته في الجوهر كانت متماثلة مع مرافعة 97، رغم اختلاف هوية السجين ومساره وأفكاره.. فقد ركز على تغول البوليس السياسي والعسكر على الحياة العامة والسياسية وغيرها، وغياب دولة يسود فيها القانون..
وللأمانة تغير شيء واحد في القاعة وهو الديكور، فقد تم تغيير سقف القاعة والمقاعد الموجودة فيها، كما أن هيئة المحكمة كانت في 97 ذكورية بالكامل، في حين أن رئيس الجلسة أمس كان بصيغة المؤنث، لمهنة تتأنث كباقي المهن، لكن التأنيث لم تصاحبه أية أنسنة أو غرس لثقافة المواطنة في الممارسات.

من زروال إلى تبون.. من الضعف إلى الترهل

تغيير ديكور المحكمة دون مضمونها هو شبيه بتغيير ديكور السلطة دون تغيير آليات ممارسة الحكم، في 97 كان الجنرال زروال هو الرئيس، الذي فرضه العسكر تحت ضغط العنف والترهيب، كما فرضوا غيره، هو الذي صاغ دستوره في 96 ووعد الجزائريين بالأمن وبالتداول على السلطة، وهو الذي كان شاهدا ومسؤولا كرئيس عن عشرات الآلاف من الاغتيالات، والاختطافات والاعتقالات خارج القانون، ثم ارغمت صراعات العصب زروال على الاستقالة وساهم في فرض بوتفليقة في الحكم سنة 99 في اقتراع انسحب منه كل منافسي بوتفليقة بسبب بروز إرادة العسكر لفرضه في القصر دون أدنى احترام للإرادة الشعبية.
في 2020 فرض العسكر تبون في القصر في اقتراع كان يهرب منه المترشحون من الناخبين، وتبون كما فعل زروال يحضر نفسه لإطلاق دستور آخر بآليات التسويق نفسها التي كان زروال يرددها من تداول على السلطة وبناء المؤسسات والديمقراطية، كما لا تزال الممارسات نفسها في مجال تغول البوليس السياسي وتدخل كل الأجهزة في عمل القضاء، ومن المحتمل أن يذهب تبون من القصر كما ذهب زروال، خاصة وأن تبون هو أضعف بكثير من زروال وعلى مختلف الأصعدة، وهو الضعف الذي يترجم الترهل الكامل لمنظومة حكم ماضوية وضعت الجزائر خارج التاريخ.
محاكمة طابو عرفت تعتيما إعلاميا واسعا، كما عرف اعتقاله ممارسات إعلامية غذت الإشاعات التي أريد منها تشويه الرجل، تماما مثلما فعل الإعلام في التسعينيات مع اعتقال ومحاكمة عبد القادر حشاني، التي سوق فيها الاعلام لكل الأكاذيب، بوصفه ذراعا آخر من أذرع البوليس السياسي، ووظيفته التشويه والتعتيم وتغذية الكليشيهات الأيديولوجية، وكسر كل من يسعى لبناء جسور التوافق بين الجزائريين والجزائريات، ولهذا يعمل على نشر الأكاذيب وخلق الخلافات وتغذية الجهوية وكراهية كل من يسعى لممارسة السياسة خارج ما تسمح به القوى التي ترى أن السياسة هي توافقات أجهزة وأشخاص وعصب وعصبيات، وليست ديناميكيات وتحولات وموازين قوى اجتماعية.

قيادات حزبية في خدمة الإقصاء والبوليس السياسي

حوكم عبد القادر حشاني وحوصر، بالأساس، من قبل القيادات الإسلامية التي رعتها الأجهزة من إسلاميي البازار ومن آلهة الجهل المقدس الذين يوزعون شهادات الإيمان والكفر، كما توزع عليهم ريوع السلطان، كما ذهب حشاني ضحية كراهية إعلام البوليس السياسي الذي يتغنى بقيم الحداثة والذي صفق حتى لاغتياله، تماما مثلما يحاصر طابو من بين آلاف المناضلين الذين يسعون لبناء جزائر الغد، من قبل أجهزة حزبية ساكتة وكأن الأمر لا يعنيها من ممارسات التعنيف والتعذيب، ومن تعتيم إعلام البوليس السياسي الذي لا يزال مصطفا للاستفادة من مختلف الريوع، لكن ما يحدث منذ 22 فيفري من العام الماضي يؤكد أن المجتمع يعيش في زمن غير زمن السلطة وزمن القيادات الحزبية ومن كل التوجهات، لذلك فإن الملايين من كل الاتجاهات والتوجهات يلتفون حول كل المعتقلين مهما كانت هويتهم الأيديولوجية، وهو مؤشر لتحول اجتماعي كبير يريد أن يقطع نهائيا مع منظومة صنعت إسلاميين لم يدخل الإيمان قلوبهم ولا سلكوهم، وديمقراطيين لا يطبقون الحد الأدنى من فلسفتها، ووطنيين يصفقون لكل الصفقات المشبوهة مع شبكات الخارج المرتبطة بعصابات الداخل، وهو الواقع الذي فهمته الأمة التي تردد هتافاتها « لا إسلامي لا علماني حراكنا راهو ماشي »، لأن الأمة تريد التنوع وفهمت أن التطرف بكل ألوانه هو حليف الاستبداد والفساد، والقطيعة مع هذه المنظومة يبدأ بحل البوليس السياسي وتستقلالية القضاء وبناء الدولة التي تقصي الاقصاء وتكره الكراهية وتقدس الحريات كل الحريات.

الجزائر في 5 مارس 2020
تصوير وتحرير رضوان بوجمعة

1 COMMENTAIRE

  1. في إطلاق سراح المساجين إنہا رمزيةو بس و الخطر علی الديموقرطية أکبر إحذرو من النضام القاٸم الخداع۔أحمدو و أشکرو اللہ علی سراحکم ليس النضام الأعمی و السفيہ ۔إن لم ينشط الحراک فالحلم بالحرية لم و لم يحقق ۔

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici