سياسة وتاريخ
https://22arabi.com/
بشير عمري
أغسطس، 2020 17
لازالت فضاءات الكلام السياسي في الصالونات والبلاتوهات تنأى غفلة أو استغفالًا أو غباءً حتى، عن لحظة انفلاق نواة “الوطنية” بداية القرن الفائت وانبثاق تواصيها في منتصفه ثم انشقاق صفوفها عشية الاستقلال، كمعطى قبلي وعنصر من عناصر الإشكال البعدي الذي نحياه والمتظمهر أساسًا في عدم القدرة الحاصلة على تجاوز الإشكالات والأسئلة القديمة للمرور إلى وطنية جديدة تؤسس بدورها لجمهورية أكيدة، فحُصرت الأسئلة والإشكالات مرة أخرى في الدستور الجديد وفي الوفاق الوطني الجديد دون تحمل عبء مراجعة شريط الوطنية الجريح والطويل من أجل استبصار مكامن الانكسار الأول (صائفة 1992) والثاني (شتاء 1992) وسقوط مشاريع الانقلاب بشكل مريع كإعلان تاريخي عن دولة الاستقلال من خلال الحراك الشعبي في 22 فبراير 2019، وهذا كشرط حتمي للتجديد الوطني والجمهوري.
يتذكر الجميع عشية وقف المسار الانتخابي سنة 1992 وشروع كل الأطراف في حشد الدعم والقوة لمواقفها قصد مواجة القادم القاتم، وكيف أن الجبهات الثلاث المنتصرة حينها في الانتخابات أخذت المبادرة التاريخية بالالتقاء وتدارس الوضع الجديد ومحاولة إيجاد حل غير الذي فكر فيه الانقلابيون الجدد وقتها.
تلك المبادرة التي ولا محلل أو ملاحظ كان يتوقعها بالنظر إلى شدة التنافس والاحتقان الذي كان بين تلك الجبهات الثلاث على مساري النشاط السياسي والانتخابي طيلة السنوات الثلاث من عمر الحرية والتعددية السياسيبة الحقيقيتين (1989/1992) عبرت عن نية السياسي الجزائري في الوفاق الوطني والتصالح ليس فقط مع نفسه بل مع سابق تاريخه من أجل تصحيح المسارات الخاطئة التي تسببت للاستقلال الوطني ومشروع دولته في الانتكاسة الكبيرة بعد الوقوع في وحل الاستبداد الأحادي الذي ناب عن الاستبداد الاستعماري.
كما ويتذكر بكل أسف الكل كيف أن ذلك الانقلاب (1992) استعار على مستوى الخطاب من جيله الأول ذات الحجج والمبررات التي أجهز فيها على الحرية والمدنية والسياسة على الشرعية، من مثل تهديد الوحدة الوطنية، إنقاذ الجمهورية، وعلى صعيد السلوك وهذا الأمر الذي سيظل محل استفهام طويل هو لجوؤه مرة ثانية إلى شخصية تاريخية ليضرب بها السياسي المجسد للشرعية، والأغرب منه أن تكون تلك الشخصية هي التي رفضت ذات البادرة الخطيرة سنة 1962 بعدما عرضت عليها، قبل أن تعرض على آيت أحمد ويرفضها ثم بن بلة فيقبل بها، أتحدث هنا عن محمد بوضياف، الذي قبل بقيادة انقلاب هذه المرة بعدما رفضها للمرة الثانية في التاريخ حسين آيت أحمد لما زاره خالد نزار يقترح عليه قبول سلطة انقلابية على طبق من دم!
واضح إذن هنا أن العقل السياسي الوطني يعيش حالة من التفكك وعدم التواصل داخل نسقه التاريخي الذي يحتوي في طياته على السر أو الكود الجيني للنظام بما يمكن تفكيكه قبل أن يتمكن هو من تفكيك خصومه.
فعلى مستوى الجبهات الثلاث كانت هناك معرفة متقدمة للنظام السياسي الانقلابي في الجزائر لا سيما من جبهتي التحرير والقوى الاشتراكية وبدرجة أقل أو لنقل متأخرة، من جبهة الإنقاذ التي اعتلى وقتها قيادتها شباب متعلم متفتح (عبد القادر حشاني، محمد السعيد ورابح كبير..)، فالجبهتان أولتان كان يقودهما شخصيتان تاريخيتان شهدتا وعاشتا ميلاد وتطور النظام السياسي ممثلين في شخصي حسين آيت أحمد وعبد الحميد مهري، الأول كان قد تمرد فجر الاستقلال على هذا النظام الانقلابي، والثاني اختار مبدأ العمل والأمل في تطور الوعي السياسي بما يتيح فيما بعد بلوغ مستوى التغيير.
وأعاد هذا الثنائي ذات الكرة بعد انقلاب 1992 أين عارض آيت أحمد الانقلاب وعاد إلى المنفى في سويسرا واستمر مهري في منطق العمل والأمل في التغيير قبل أن تعصف بعمل وأمله ذلك وبشكل نهائي النواة الصلبة في النظام (الاستخبارات) فيما عرف بالانقلاب العلمي الذي وضع حدًا لنشاط مهري السياسي سنة 1996 بعد مشاركته في لقاء سانت ايجيديو بروما ورفضه المطلق تزكية رئيس (لمين زروال) لم يخرج من رحم المرحلة الجديدة (التعددية السياسية) مؤكدًا بذلك الوفاق الوطني ممثلة في عودة جبهة التحرير لخطها الثوري الأول الذي على أساسه تأسست سنة 1954، قبل أن يصادرها النظام مثلما صادر كل أشياء التاريخ، كما ذكر الزعيم فرحات عباس في كتابه الشهير (الاستقلال المصادر)، فمهري أراد أن يحرر جبهة التحرير من عقود ثلاث من المصادرة والاستعمال الانقلابي ضد منطق التاريخ وعلى حساب مصير الشعب والأمة.
أما جبهة الإنقاذ الفائزة بقوة في الانتخابات البرلمانية الملغاة، فقد لاحظ الجميع كيف أن قيادتها الشابة المتعلمة الهادئة وعلى رأسها المهندس البترولي الراحل عبد القتدر حشاني، كانت قد تخلصت من عقبات كاريزمية منبرية ومكنونات فكرية متطرفة متصلبة في خطابها السياسي الذي عُنون وقتها بـ(المغالبة) كان توهج الشارع واتساع رقعة قاعدتها الجماهرية وتكاثرها تلهي القيادة التاريخية (عباسي مدني وعلي بن حاج) عن ضرورة الاستماع إلى صوت العقل فكانت تندفع بغرائز السياسة وإغراءاتها لا بل وحي رقعة شطرنجها ذلك الشطرنج كان بعض مشايخها يحرمه مثلما يحرم كل شيء لا يتواجد في جدول المعقولية القروسطية.
وبهذا صار ممكنًا للتاريخ أن يتصالح مع السياسة في الجزائر لأول مرة عبر تيارات ثلاث وطني “جبهة التحرير” إسلامي “جبهة الإنقاذ” ديمقراطي “جبهة القوى الاشتراكية”، ثلاثية كانت ستؤسس لمشهد سياسي موضوعي حقيقي يمثل وفاق وطني وينطبع كعنوان للجسد الوطني ويؤسس لتقاليد سياسية وانتخابية هادئة ومستمرة مثلما هو علايه لحال في الديمقراطيات العريقة التي قامت على تجارب دامية كان بالوسع الاستفادة منها وتلافي دمائها مثل تجربة الديمقراطية المتوجة في أمريكا بثنائية الجمهوريين والديمقراطيين وفي فرنسا بين اليسار واليمين وبريطانيا العمال والمحتفظين.
لكن منطق الغنيمة الذي به وعلى أساسه تأسس نظام الاستقلال بالقوة دونما مشروع موضوعي منبثق من تجربة الوعي الوطني الجمعي، لم يقبل مرة أخرى أن ينتصر السياسي ليصحح مسارات الارتكاس والانكسار الوطني الأول، ومرة أخرى استعمل أدوات الاستقطاب والاستجلاب لدعم موقفه فجر خلفه الكثير من عقول المعرفة من إطارات ودكاترة لم تستوعب طبيعة اللحظة التي كانت تستدعي استحضار العقل السياسي الوطني وليس العقل المعرفي الكوني الذي لا يمكنه بعموميات طروحاته ولوج المسمات المسمات والتفاصيل الدقيقة لتعالج إشكالات السياسة والنظام في الجزائر مثل حقوق الإنسان وحرية المعتقد وحرية المرأة وهي كلها من مستعملات النظام الخطابية الاستقطابية لسحر أعين وعقول أهل المعرفة وسحبهم إليه ليس إلا، فوقع المعرفي في وحل الانقلابي مسببًا انفجارًا آخرًا في المشهد الوطني الجريح.
الحاصل إذًا هو أن السياسي الجزائري يخفق في استعادة الأولية التي منحه إياها منطق السياسة وعلمها نفسه ومنحه تاريخه وتجربته الوطنية، إذ يعتبر هو من أول من عبر أن الضمير الوطني وأسس لوعيه ثم يختار النهج الثوري العنفي (العسكري) لتحرير الوطن سنة 1954 وسبب إخفاقه هو تلك الانتقائية التي بها يفتش ويقرأ ذاكرته ما يتسبب له في تضييع الكثير من المقاطع الهامة التي فيها تكمن أجزاء حيوية من القصة الكبرى لأزمته هو وأزمة الوفاق الوطني للأحزاب الوطنية ككل، تلك الانتقائية التي حين تحرر منها العقل السياسي الوطني الجديد (التعددي) سنة 1992 وعبر عن قمة تطوره فيها سنة 1995 في لقاء سانت ايجيديو، استطاع أن يحشر ويحسر منطق الانقلاب وفكره في زاوية الموت، لولا تآمر الخارج وخيانة العقل المعرفي الأيديولوجي الضيق الذي صفق لمنطق المصادرة وتنكر للمصالحة مع التاريخ الوطني الذي رفعه تيار عقد سانت ايجيديو الشهير.
الطعن والاقتراح: يجب أن نبدأ الآن في إفشال ، ومقاطعة ، ورفض ، ورفض ، وفي الثانية بالذات ، استفتاء الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) لأنه دستور تبون والغرغرينا الجديد الإصدار 2.0 ، وليس دستور الشعب! الديكتاتوريون الجدد يحتلون بيت المرادية ومبانيه ، الأمر واضح وواضح! بصراحة الكثير كثير جدا! شعار خاص ضد الاستفتاء يجب أن ينبثق من المسيرات المقبلة! كيف يجري استفتاء بنفس القوة في عقليتها وأساليبها مع نفس الإدارة المسؤولة ؟؟؟ إسلاميون بالفعل مثل حركة مجتمع السلم في مقري ، وجيل جديد من سفيان جيلالي ، والإسلامي بنقرينا وصاحبه عبد العزيز بلعيد ، وقريباً سينضم جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي في التصفيق لقرار تبون وشنغريحا! لن نمتلك القوة على ظهورنا فحسب ، بل سيكون كل من رافعاتنا وهذه الكلاب والقتال أكثر صعوبة ، أيها الأصدقاء الأعزاء! نحتاج إلى تعبئة كبيرة وتشكيل قوة معارضة وتغيير حقيقية! غدنا سيكون صعبًا جدًا.
ملحوظة: برأيي يجب أن نفكر من الآن فصاعداً في استئناف المسيرات بتعليمات التباعد الضرورية ، ولكن أيضاً ، وهذا مهم ، التوجه إلى « تنظيم ذاتي افتراضي » لتنسيق أعمال الحراك على الأرض. دورها تنظيمي دون المزيد. اقتراح دعم افتراضي غير شخصي على الإنترنت من شأنه أن يعمل على تجنب القرارات الفوضوية المحلية التي يمكن أن تشتت وتضعف الحراك. سيكون دورها مجرد تنظيم الحراك على الأرض ليكون أكثر كفاءة ، ولتخيل ، ولماذا لا ، أشكال أخرى من الصراع ضد السلطة. منظمة افتراضية غير شخصية ، موقع افتراضي تم إنشاؤه من الخارج يشار إليه لتجنب الاعتقالات والسجن. من الضروري إنشائه من بلد بالخارج لأنه إذا تم إنشاؤه هنا في الجزائر ، يمكن لدائرة الاستعلام والأمن أن تفرض رقابة عليه بسهولة. إنه اقتراح ، ومن لي للآخرين أن يقدموه لهم. لكن الحراك بدون تنظيم ذاتي وتنسيق يصبح أكثر عرضة للخطر. إنها حرب إعلامية وطنية ودولية يجب أن نبدأها ، سلاحنا الوحيد في المسيرات ، ولكن دائمًا للعمل السلمي بالطبع! من الملح للآخرين أن يقترحوا أشكالاً من النضال!