الاصطناعي والطبيعي في الانتقال السياسي بالجزائر!

0
165

https://alsiasi.com/
بشير عمري

بات شبه مؤكد في خضم ما يُتداول في الواقع من معطيات بخصوص طبيعة المرحلة الحالية، أن النظام من خلال سلطته  ماض بالمجتمع إلى فصل جديد من “الانتقالية الجزئية الداخلية”، التي لا تعني حركة المجتمع السياسي المتمحورة اليوم أساسا في الحراك الثوري الشعبي بعد موت المعارضة الكلاسيكية غير المعلن حتى الآن، كيف ستكون هذه الانتقالية وما طبيعتها وشكلها؟ ليس يعرف عن هذا شيئا، لكن ما يظل معروفا هو أنها ستظل انتقالية وداخلية وبالتالي آيلة للرفض تلقائيا أيضا!

والسؤال الجوهري الذي ينطرح هنا، هو هل يكترث النظام للرفض الشعبي المؤسس عن وعي متجدد ومتصاعد، بانتهاء صلاحيته وضرورة تحقيق الانتقال من خارج المنظومة بما يتيح للبلاد أن تتنفس نقاء هواء التاريخ؟

في البداية يلزمنا شيء من التداعي لحقائق التاريخ ومنها أن سياسة كي تتموضع يجب أن تتحرر وتُترك في مسار تطورها، لتلقائية مجراها في الطبيعة كما تجري المياه على الأرض، وأي تدخل أو محاولة لتغيير ذلك الهدير التلقائي سيخلق انحرافات وانجرافات تودي بالمجتمع إلى مآسي لا تشكر نهايتها، وأودية الدماء السياسية التي سبقت وواكبت ظهور الدولة الحديثة أوضح دليل على ذلك .

في الجزائر تعرض المد التطوري الطبيعي لنهر السياسة للحجر والتحريف والتجريف في مناسبتين مفصليتين في تاريخ الأمة، الأولى كانت منتصف الخمسينيات حين سلمت القوى السياسية مصيرها للاطار الأحادي (جبهة التحرير) تحت طائل الوحدة الثورية وبالتالي أعدمت نفسها بنفسها، والثانية حين تم إفشال تجربة التعددية الفعلية الأولى بداية التسعينيات ومعها تمت مصادرة الارادة الحقيقية للاحزاب، وبذلك ختمت على ظهر التعددية بختم الصورية، وكان هذا تحت طائل الحفاظ على الدولة والوحدة الوطنية.

وإذا كانت جريمة تجريف وتحريف المجرى التلقائي لتطور السياسة في الجزائر منتصف الخمسينيات، قد أدى إلى قتل تراث سياسي ثمين كرس مراحل تنامي الوعي الوطني لدى شرائح الشعب محافظا عبرها على طاقة التنوع والتعدد التي يكتنزها في طبيعته، فإن جريمة التجريف والتحريف الثانية قد ضربت في مقتل فرصة انبلاج ووضوح ونضوج الشكل النهائي لملمح المجتمع السياسي الجزائري عبر العائلات الكبرى الثلاث، الديمقراطي، الوطني والاسلامي وهذا بمقتضى أو منتهى نتائج تشريعيات 1991 التي أفرزت تقدم الجبهات الثلاث (الانقاذ الاسلامية، التحرير الوطني، القوى الاشتراكية) حيث كان يفترض أن ينتظم المشهد السياسي في نسقيته على هذا المثلث وتمضي من خلاله الممارسة السياسية وفق تداولية سليمية قانونية، على كل مستويات السلطة والتمثيليات النيابية، تماما كما هو شأن الثنائيات الكبرى في الديمقراطيات العتيقة، فما الذي حدث وحصل حتى اجهضت العملية؟

طبعا رفض النظام ذلك المنتهى الطبيعي لتشكل مجرى السياسة في الجزائر الذي آل إليه تدافع تعددي امتد لثلاث سنوات من 1989 إلى 1992، لأنه ببساطة دق جرس نهاية عمر نظام لم ينشأ من تلقائية طبيعية للسياسة، بل هو اصطناع في التاريخ والمصطنع لا يملك أدوات الاندراج التقائي في الطبيعة، من هنا تبرز عمق الأزمة الجزائرية وهو أنها رهينة سلطة وقوة عقل مصطنع لا يتصل بقانون الطبيعة.

أما عن طرق اختلاق هذا النظام المصطنع لوسائل بقائه، فتظهرها بجلاء فيبادرته بمحاكاة الحقيقة السياسية التي انتهت إليه العملية الانتخابية الأولى 26 ديسمبر 1991، وخلق ثلاثي مزيف يعطي شكلا بلا مضمون للتعددية المؤودة، بحيث أخضع جبهة التحرير الوطني مجددا لسلطانه بعد إبعاد زعيمها الفد الراحل عبد الحميد مهري في ما سمي بالانقلاب العلمي، اختلق قطب ديمقراطي أسماه التجمع الوطي الديمقراطي، وألحق بهما حركة حمس الاخوانية كجناح إسلامي.

وعلى ذلك التشكل مضى يقود المرحلة وفق قوة وتدبير السلطة الفعلية غير المرئية، أي أنه من خلال ذلك الثلاثي غير الطبيعي والمصطنع ظل يراقب السياسة ويحول دون تطورها التلقائي الطبيعي في المجتمع، وهكذا تكون قد اتضحت شاكلة عملية الانتقال السياسي الداخلي للنظام كإشكال وعائق يحول دون تحقيق الانتقال السياسي والديمقراطي الفعلي للجزائر!

واليوم أي معاودة لتكريس هذا الأسلوب، سيكون بمثابة الضربة القاضية للنظام نفسه، ومعه للمجتمع الجزائري، ذلك لأن النظام بتقلص خياله وشيخوخته البيولوجية، صار كما نعته السوسيولوجي الجزائري ناصر جابي خطرا على الأمة، فهل يعي الحراكيون وخائفون على مصير  الأمة هاته المَرة هاته هاته الحقيقة المُرة؟

بشير عمري

كاتب صحفي  جزائري

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici