نزار ليس هو الجزائر، مثلما بينوشي ليس هو تشيلي

0
2534

هل محاكمة بينوشي هي محاكمة لدولة تشيلي؟

وهل محاكمة طاغية الأرجنتين، الجنرال فيدلا هي محاكة للدولة الأرجنتينية؟

وهل محاكمة الرئيس الأسبق ساركوزي، هي محاكمة للدولة الفرنسية؟

وهل متابعة ترامب والتحضير لمحاكمته، هي محاكمة لدولة الولايات المتحدة الأمريكية

هذا على سبيل المثال فقط.

لماذا لم يقل أحدٌ في هذه الدول، أنّ مثول هؤلاء المسؤولين، للردّ على التهم الموجّهة إليهم، سواء بارتكاب جرائم حرب أو جرائم رشوة واستعمال النفود، هو محاكمة لبلدانهم وتوشيه لسمعتها ومساس بسيادتها؟

لماذا إذن محاكمة نزار (أو غيره ممّن سيلحقون به) هي محاكمة للجزائر كدولة؟

أليست كل هذه المحاكمات هي لأشخاص متّهمين بجرائم ارتكبوها وليس لدول حكموها؟

إنّ الذين يخلطون بين ممارسات المسؤولين، مهما كانت رتبهم، التي يمكن أن تنتهك القانون، وبين الدولة، هم الذين يعرّضون الدولة للإهانة، وهذا بالضبط ما قام به أحمد عطافّ وزير خارجية العسكر منذ يومين حين أكّد لوزير الخارجية السويسري على « أنّ أيّ نظام قضائي لا يمكن أن يعطي لنفسه الحق المطلق في الحكم على سياسات دولة مستقلة وذات سيادة » (وكالة الأنباء الجزائرية، 31 أغسطس 2023)، معتبرًا بذلك جرائم الجنرال جرائم الدولة الجزائرية، رغم أنّ الجرائم ضد الإنسانية المتّهم بها نزار هي جرائم محدّدة قامت بها أجهزة تحت سلطته وبتوجيهات من طرفه. ولا عجب في ما أدلى به أحمد عطّاف، فهو الذي صرّح حين كان ناطقًا رسميًا باسم الحكومة في 1995 عند التوقيع على « العقد الوطني » بأنّ العقد « نرفضه جملة وتفصيلًا »، وبأنّ « المحادثات التي جرت في روما والوثيقة التي صدرت إثرها تُعتبر لا حدث »، واتّهم « قوى ومؤسسات دولية تتحرّك من وراء جمعية سانت إيجيديو »؛ كما قام النظام العسكري آنذاك وأذرعه الإعلامية بتخوين الموقّعين على العقد الوطني. كانت حصيلة الحرب على الشعب الجزائري حينها ما يقارب 30 ألف قتيلًا، لكن رفض أحمد عطّاف والضباط الذين كان يأتمر بأوامرهم، لأرضية من أجل حلّ سياسي وسلمي للأزمة الجزائرية، جعلت الأزمة تستمرّ خمس سنوات أخرى أدّت إلى حصيلة مروّعة تقدّر بأكثر من 200 ألف ضحية.

أما بالنسبة لمن يقول أن هؤلاء القادة في الدول المذكورة، تمّت محاكمتهم في بلدانهم، فذلك صحيح بالفعل، لكن كان ذلك ممكنًا لأنّ هذه الدول كانت قد تحرّرت من قبضة جلاديها وأصبحت عدالتها مستقلة وتستطيع استقبال شكاوى ودعاوى الضحايا، محاكمها قادرة على توجيه التهم إلى المتهمين، مهما علت مناصبهم أثناء أداء مهامهم، وهذا الركن الأساسي للمحاكمة عندنا في الجزائر غير متوفّر، وكان الضحايا أوّل من يسعد أن تتمّ المحاكمات داخل بلدهم، وبين أهلهم، لتتمكن الجزائر من تحقيق عدالتها بنفسها وبين جدرانها، والدليل على ذلك، أنه لم يستطع ولا واحد منهم من تقديم شكوى ضد أيّ ممّن تعرّضوا على أيديهم للتعذيب أو سوء المعاملة، أو بأمر منهم، ولم تقبل أيّ محكمة في البلد دعوى أيّ ضحية رغم المحاولات المتكرّرة، وهو ما أجبر الضحايا على التقدّم بشكاوى خارج الوطن؛ زيادة على ذلك، فالجزائر كدولة، موقّعة على العديد من الاتفاقيات الدولية بهذا الشأن، ممّا يجعلها مسؤولة وملزمة بالانصياع إلى الاختصاص القضائي العالمي، فلِمَ إذن هذا الاستنفار والاستنكار وقرع طبول الإدانة والتهديد والوعيد؟

في الواقع هذه المحاكمات لا تمسّ مطلقًا بسيادة وسمعة الجزائر، بل هي انتصار لجزائر المقموعين المطحونين الذين لا صوت لهم، انتصارٌ ضد الذين عاثوا في الأرض فسادًا، وانتصارٌ أوّلًا وقبل كل شيء للعدالة والحق المهضوم، وبكلمة موجزة هي انتصار لجزائر الشعب ضد ساسة محميات نادي لصنوبر ومنتجعاتها.

أمّا الذين انبروا دفاعًا عن نزار ورفضوا حتى أن توجّه له التهمة، واعتبروا ذلك مساسًا بالجزائر وسيادتها، فلا بأس أن نذكّرهم بأنه قبل سنوات قليلة، تمّ الحكم على هذا « النزار » نفسه، بـ 20 سنة من قِبَل عدالة جزائر ما بعد الحراك، في عهد قايد صالح (لأسباب غير الأسباب التي كان من المفروض أن يُحاكم عليها)، ممّا أجبر الجنرال على الهروب خارج الوطن قبل أن يتمّ استقدامه بطائرة رسمية وتقديم له التحية العسكرية (بعد وفاة قايد صالح)، كيف يصبح إذن اليوم، اتهامه ومحاكمته مساسًا بسيادة الجزائر؟!

رشيد زياني شريف

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici